صحافة دولية

صحافي بريطاني: هكذا يبدو المنظر من قصر الأسد

نيوستيتسمان: الضربات الجوية الأخيرة لم تؤثر على الأسد- جيتي
نيوستيتسمان: الضربات الجوية الأخيرة لم تؤثر على الأسد- جيتي

نشرت مجلة "نيوستيتسمان" مقالا للصحافي جيرمي بوين، يقول فيه إن رئيس النظام السوري أصبح الآن أكثر أمنا مما كان عليه عام 2013، عندما قرر الغرب عدم التدخل، مشيرا إلى أن الضربات الجوية الأخيرة لم تغير ذلك.

 

ويقول بوين إنه "في زياراتي لدمشق كلها كنت أتساءل عن المنظر من قصر الرئاسة، حيث ينظر القصر من أعلى إلى المدينة، وهو عبارة عن عدد من المباني غير المرتفعة، عمرها حوالي 30 عاما، هل لدى بشار الأسد نافذة كبيرة تسمح له بالنظر عبر عاصمته؟ فما يقوله المنظر من القصر عن قوة أو ضعف النظام أصبح أمرا يشغل حيزا من خارطتي الدماغية للحرب".

 

ويضيف الكاتب: "الرئيس ليس في القصر طيلة الوقت، والقصر عبارة عن بناية احتفالية لاستقبال الضيوف المهمين، وكثير من العمل الحقيقي يتم في بناية من ستينيات القرن الماضي، في منطقة غنية وسط العاصمة، وهي أيضا تعرف بالقصر، بالرغم من تواضع البناية، ولا تشارك عائلة الأسد بقية الزعماء العرب حبهم للرخام الأبيض والتجهيزات الذهبية، ويقف حول البناية رجال لم يحلقوا ذقونهم، ويلبسون ملابس مدنية رثة، ويحملون الكلاشينكوفات ويحرسون البناية". 

 

ويتابع بوين في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، قائلا إن "كان للرئيس الأسد نافذة في مكان العمل فإنه سيرى حوله أثرى السوريين الذين لا يزالون في البلد، لكن إن كانت معلوماته جيدة فإنه سيعلم أو سيكون تم إخباره بأن الجميع تعب من الحرب ويريدها أن تنتهي، منظر البنايات الاحتفالية على جبل المزة، والمعروفة باسم قصر الشعب يمتد في الأفق، ولسنوات تخيلت الرئيس في ذلك القصر يقف على نافذته لتقييم الحرب الدائرة، وليرى قواته الجوية تقصف مواقع المعارضة المسلحة، وأعمدة الدخان تتصاعد من المباني المدمرة في الضواحي".

 

ويشير الكاتب إلى أنه "في يوم السبت لو لم يتخذ احتياطاته ويتجه إلى الملجأ، كان يمكنه أن يسمع الانفجارات، ويرى صواريخ كروز تتحرك في سماء دمشق متجهة نحو أهدافها، وبالرغم من ذلك فإنني أود أن أقول إن المنظر بالنسبة للأسد من القصر الرئاسي جيد، كما كان قبل بداية الحرب، حيث تمت إعادة السيطرة على الغوطة الشرقية، آخر ما كان يشكل هلالا من جيوب الثوار حول دمشق، وكانت معركة طاحنة وصلت إلى ذروتها بهجوم كيماوي، بحسب بريطانيا وحلفائها، وينكر النظام أي علاقة له بالهجوم، فيما تقول روسيا إنها كانت مؤامرة دبرتها بريطانيا، لكن الحكومات في لندن وواشنطن وباريس لا تصدق ذلك".

 

ويلفت بوين إلى أن "حظوظ الأسد قد تغيرت منذ عام 2015، عندما تحولت روسيا من داعمة إلى شريك كامل له في الحرب، وانضمت إلى إيران الحليف الرئيسي الآخر لنظام الأسد، فبالإضافة إلى نشر رجالها، فإن إيران قامت بتمويل المليشيات من حزب الله إلى المجموعات الشيعية العراقية، إلى غيرهم من المقاتلين الشيعة من أفغانستان وباكستان".

 

ويبين الكاتب أن "الروس يظهرون بجلاء في المناطق التي لا تزال تحتاج لقتال، وفي لحظات مهمة في معركة حلب، وهذا العام معركة الغوطة الشرقية، رأيت جنرالات من الروس ومقاتلين مملوئي الأجسام يرتدون شارة النسر ثنائي الرأس، ويحملون معدات جيدة، وبالطبع الطيران الروسي الذي كان مدمرا وحاسما".

 

ويفيد بوين بأن "التدخل الخارجي شكل جزءا مهما من الحرب في سوريا، وقرارات عدم التدخل أو عدم التدخل بشكل حاسم كانت تحمل الأهمية ذاتها، فعندما قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التدخل المباشر، فإن باراك أوباما، الذي كان لا يزال رئيسا، حذر من أن روسيا تتجه نحو المشكلات، ورفض أوباما خطط بوتين، وقال: (هي محاولة من روسيا وإيران لدعم الأسد وإرضاء الشعب، وستؤدي بهما إلى التورط في مستنقع ولن تنجحا.. كان على بوتين أن يذهب إلى سوريا ليس من منطلق قوة، ولكن من منطلق ضعف؛ لأن عميله الأسد كان يتهاوى، وكان لا يكفي أن يدعمه بالمال والسلاح فقط)".

 

ويعلق الكاتب قائلا إن "سوريا لم تتحول إلى الآن إلى مستنقع بالنسبة للرئيس بوتين وروسيا، بل كانت نجاحا باهرا من وجهة نظر الكرملين، ومنذ زمن طويل لم ينظر أحد إلى روسيا على أنها قوة مؤثرة في الشرق الأوسط، لكنها الآن أصبحت هي اللاعب الأجنبي الرئيسي في سوريا".

 

ويقول بوين: "ظننت أن أوباما كان مدافعا عندما لم يعر اهتماما للتدخل الروسي عام 2015، لم يعتقد أنه أخطأ قبل عامين عندما تخلى عن خطه الأحمر بشأن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا، لكن الكثير غيره يعتقدون ذلك، فعندما استخدم السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية في 21 آب/ أغسطس عام 2013، وقتل في الهجوم أكثر من ألف شخص، اتهم الأمريكيون وحلفاؤهم الأسد، لكن الرئيس الأمريكي قرر عدم ضرب سوريا مقابل وعد بالتخلي عن الأسلحة الكيماوية".

 

وينوه الكاتب إلى أنه "في ذلك الوقت كان نظام الأسد أضعف بكثير مما هو الآن، وكان يمكن لحملة قصف تقودها أمريكا أن تتسبب له بأضرار حقيقية، وتم إفراغ دمشق في تلك الأيام، وكانوا يتوقعون ضربة أكيدة، وقابلت بعض النسوة يتشمسن بجانب مسابح فارغة كن يسخرن من العائلات التي تركت المدينة للذهاب إلى قراها، لكن لم تكن هذه هي الحالة العامة، واستدعاني أحد المسؤولين الكبار في النظام إلى مكتبه وسألني بقلق، كيف يكون الحال عندما يقوم الأمريكيون بالقصف؟ فقلت له إنهم سيسمعون أصواتا كالرعد في أنحاء المدينة، لكن الضربات ستكون دقيقة، ولذلك فإن البقاء بعيدا عن الأهداف الواضحة، مثل هذا القصر الذي نجلس فيه، قد ينصح به، ولم أكن بذلك أكشف أسرارا، فكانت القوافل العسكرية تقوم بنقل الأسلحة والذخيرة من القواعد التي قد تضرب".

 

ويقول بوين: "لو كان هناك فعل حاسم قامت به أمريكا وبريطانيا وفرنسا عام 2013 لتغيرت الحرب، لكن لم تكن لتنتهي، وقد تكون تحولت إلى الأسوأ عندما تحاول معارضة زادت شجاعتها القضاء على نظام تم إضعافه، لكن رئيس الوزراء البريطاني حينها، ديفيد كاميرون، خسر التصويت للقيام بعمل عسكري، وأوباما، الذي لم يكن يفكر بالقصف، تراجع، وترك ذلك الفرنسيين، الذين كانوا مستعدين للحرب، وحدهم".

 

ويجد الكاتب أن "الفرق بين روسيا والقوى الغربية الثلاث هو أنه عندما تدخل بوتين فإنه كان يعلم ماذا يريد، وهو إنقاذ النظام بوجود الأسد أو بغير وجوده، وتبنى موقف الأسد، حيث اعتبر كل من يرفع السلاح في وجه النظام إرهابيا، ولم يكن التفكير الغربي بهذا الوضوح، وبعد الفشل الذريع في العراق لم تكن شهية الغرب مفتوحة للتدخل في سوريا، وفي النهاية دعم الغرب بعض المجموعات المسلحة، لكن ليس بشكل حاسم، وقامت حكومات كل من السعودية وقطر وتركيا بفعل الشيء ذاته، وربما كان قرار عدم التدخل هو القرار الصحيح، فمحاولات الغرب لتطويع الشرق الأوسط لإرادته على مدى القرن الماضي كلها لم تنجح إلا في مرات قليلة، فالتدخلات التي في غير مكانها، وغض الطرف عما يقوم به الديكتاتوريون الأصدقاء للغرب، كانا سببا لعقود من عدم الاستقرار والوحشية".

 

ويختم بوين مقاله بالقول: "في بداية الحرب قال لي كثير من المقاتلين الثوار في الغوطة الشرقية، الذين لم يبدو أنهم متطرفون، إنهم يريدون من الغرب أن يمدهم بالمعدات لإنهاء مهمتهم، ولم يمر وقت طويل حتى يتبين أن ذلك لن يحدث، ولا أعلم ماذا حصل للرجال الذين قابلتهم في بداية الحرب السورية، الذين كانوا مسلحين بأسلحة خفيفة، وكانت لديهم آمال كبيرة بالحصول على الحرية".

التعليقات (0)