كتاب عربي 21

انت مش سيساوي.. انت إنسان

جمال الجمل
1300x600
1300x600

(1)
أشعر بحرقة الغضب تأكل روحي وعزمي، وتلوث بدخانها الأسود أفكاري وأحلامي، وتدفعني بقوتها الغاشمة نحو سرداب الاكتئاب، لكن هذه المشاعر المؤلمة ليست سيئة تماماً، لأنني على الأقل "ما زلت أشعر".. ما زال لدي إحساس، وهذا في حد ذاته منحة عظيمة في مرحلة البلادة القومية التي نقبع فيها. هذا الإحساس هو العقل الذي يهدئ من غضبي قليلاً، وهو الأمل الذي يأخذ بيدي في الظلام لعلنا نتمكن من اجتياز ورطتنا، ونعبر من "نفق الشياطين" الذي يفصل بيننا وبين الضفة المنشودة.

(2)
المهمة ليست سهلة، فالثورة كما تعلمنا هي عملية خوض شاقة في المستنقعات الخطرة المتعفنة، أو كما تقول الميثيولوجيات هي النجاح في اجتياز رحلة المخاطر الملعونة من دون أن تلتفت للوراء أو تخشى المسوخ التي ترميك بالحجارة والحمم، لكن الأمر يصبح مربكاً وصعبا عندما تنقلب مسيرة الناجين على نفسها، فلا تكاد تفرق بين عدو وصديق، وتتكاثر المسوخ في الرحلة، وتتعدد جبهات الهجوم ويصبح التنافر بين العابرين مانعاً للمسيرة، ويصبح التناحر الداخلي أشد خطراً من هجمات الشياطين، وهذا هو الوضع الشائك الذي يبطئ حركاتي ويحد من صيحات التحفيز على العبور، حتى لا يعبر القليل بغية النجاة بأنفسهم وفقط، بينما تنمسخ بقية المسيرة إلى شياطين مقيمة في النفق تحترف قطع الطريق أمام العابرين الجدد نحو المستقبل، وأذكر أنني كتبت عن هذا المأزق أكثر من مرة بأكثر من صيغى في أكثر من موقف، وكأنني أراوح في المكان لا أريد أن أغادره منفرداً؛ لأن شرط العبور السليم أن يفكر الفرد في غيره، ويحافظ على هدف النجاة الجماعية لا العبور الفردي. وفي إحدى الفترات كانت لدي صديقة فاضلة من أكثر المهتمين بما أكتب (هي السيدة وفاء...)، وكانت من أشد أنصار الرئيس السيسي، مثل ملايين غيرها من البسطاء الطيبين الحالمين بوطن آمن مستقر، حتى لو كان على حساب مستوى المعيشة، وتوفير حياة أفضل للأولاد. وظلت السيدة وفاء تعاتبني كثيراً (بأدب جم لا يخلو من بعض العصبية أحياناً)، خاصة إذا ارتفعت درجة حرارة لغتي النقدية للرئيس، والمؤسف أن غضب السيدة وفاء من آرائي السياسية ضد السيسي قد وصل منذ فترة إلى درجة الغليان، ولأنني أحترم وطنية السيدة وفاء، ووطنية كل مصري، مهما كانت أفكاره، ومهما كان الرئيس "الذي يشجعه"، فقد فكرت حينذاك في كتابة مقال لها ولكم، عما أتصوره عن كيفية تصحيح العلاقة بيني وبين الرئيس (أنا كمواطن والسيسي كأي رئيس).

(3)
طبعاً واجهتني مشكلة التنافر والتناحر، فالسيدة وفاء تشجع الرئيس السيسي، وأنا لدي أصدقاء يشجعون الرئيس مرسي، وآخرون ما زالوا يهتفون "آسفين يا ريس" ويشجعون مبارك باستماتة، ويرددون بصدق "ولا يوم من أيامك يا أبوعلاء"، وآخرون يسلخون عبد الناصر الطاغية "اللي خرب البلد وخلف بنت بترقص في فرح ابنها" ويشجعون الرئيس البطل الذي فضحه وأهال على ثورته التراب، وصالح الأصدقاء الصهاينة ليستقر السلام في سيناء وفي مصر كلها، والمقصود طبعا أنصار الرئيس السادات، كما أن هناك من يشجع عبد الناصر، وهو لا يعرف من مبادئه شيئا، ولا يأخذ من تجربة حكمه إلا أسوا ما فيها، بل لدينا من يشجع الملكية وصولا إلى رمسيس وخوفو، لكنني للأسف بلا رئيس، أنا لا أشجع رئيساً؛ لأنني أشجع بلدي، وأقيس علاقتي بالشخص على مدى اقترابنا أو ابتعادنا في حب مصر، وبالتالي، فليست لدي مشكلة شخصية مع السيسي، ولا مرسي، ولا السادات، كما لم تكن لي مصلحة شخصية مع عبد الناصر أو مبارك، أو الريس بيرة... فمن أين جاءت مشكلتي مع الرئيس السيسي؟

(4)
هذا السؤال لا يشغلني، وليس موضوعنا اليوم، ما يشغلني اليوم هو مشكلتي مع السيدة وفاء (مشكلة إدارة العلاقة بين الاختلاف الذي يهدد استمرار التقدير والمودة)، فقد بدأت الصديقة الفاضلة تغضب مني؛ لأن انحيازاتي تتعارض مع انحيازاتها، وبدأت آرائي تضايقها بعد أن كانت تسعدها، مما عكر الصفاء النفسي والمودة التي كانت تغمرني بها كمواطنة مصرية مخلصة وأخت كريمة، وأم لشباب بعضهم ينتقد السيسي أيضا، ولا يجد أنه يعيش الحياة التي يتمناها في بلده.

(5)
هذه القضية البسيطة في علاقة المواطن بالمواطن، هي عندي أساس في نظرتي للحكم، هل انشغل السيسي يوماً، بمثل هذه المشكلة؟.. لا تستهينوا بالإجابة؛ لأن عدم انشغال مرسي بها هو السبب الرئيسي الذي أدى إلى الإطاحة به؛ لأن هناك نظاما يتصور أن يحمي نفسه عندما يبدأ في التفريق بين المواطنين، وإشعال العداوة بينهم، حتى لا يتفقوا ضده، فيناصر من معه، ويضطهد أهل الشر. وهذا "التقسيم" هو التخوف الأول الذي تم التركيز عليه لاتخاذ قرار مجتمعي عاجل بإطاحة مرسي، لأن بقاءه سيؤدي إلى تقسيم مصر، وقد لعب الإعلام الموالي دورا رهيبا في تضخيم هذا التخوف، حتى تعجله بعض الموتورين وطالبوا بتقسيم مصر فعلاً (عشان الإخوان يورونا هيعملوا إيه في حتتهم.. ونشمت فيهم لما يعلقوا المشانق لمن يحكموهم، ويقمعوهم ويعدموا الفن والثقافة كما حدث في غزة).

(6)
الحقيقة أنني لا أرى فرقا كبيراً في مفهوم "مواطنة الألتراس السياسي" بين أنصار مرسي ومشجعي السيسي، ورافعي صورة عبد الناصر، ومعجبي السادات، والمولعين بأيام فاروق وجمالها.. هؤلاء يشجعون أبطالهم في السياسة، كما يشجعون نجومهم في الغناء وكرة القدم (وانتقلت الحالة مؤخرا لتشجيع شيوخ الدين بنفس الطريقة فلكل نجم من الدعاة الجدد ألتراسه). وأنا لست ضد "التشجيع"، لكنني ضد التعصب لأشخاص على حساب الفكرة، ضد التعصب للاعب على حساب اللعبة، بمنطق أنه نجمي ونجم فريقي، وضد التعصب لمطرب على حساب الفن والموسيقي، باعتباري معجبا بكل ما يقدمه حتى لو غنى "ريان يا فجل"، وضد التعصب لشيخ على حساب الدين وسماحته ورحمته، وضد التعصب لرئيس على حساب الوطن. وللأسف فأنا لا أرى في جماهير التشجيع للنجوم، وعيا أبعد من المزاج النفسي، أو المعلومات السطحية المبهرة، أو التأثر بالنشأة وحجم البريق الإعلامي، فليس كل من يشجع أبو تريكة خبير في كرة القدم ويعرف قيمة موهبته ومتى أجاد ومتى أخطأ، لكن الأمور بتمشي كده وخلاص، حتى تنتهي إلى المقولة: "انصر السيسي ظالما أو مظلوما".

(7)
أعود إلى السيدة وفاء، لأوضح لها أنني حزين بسبب غضبها مني، وعذري أنني لم أتعمد إغضابها أو الإساءة إلى مشاعرها، فقد أبدت إعجابها بكلماتي عندما كان رأيي يصب في الفريق الذي تشجعه، وعندما انتقدت هذا الفريق انقلب رضاها وإعجابها إلى غضب، وهذا يعني أنني إما أشجع فريقها بلا قيد أو شرط (سواء أجاد أو أخفق) وإما أكون من الأعداء.. وهذه النظرة هي التقسيم بعينه، وهي بذرة التخوين، وأول الخيط المفكوك في "التريكو الاجتماعي"؛ لأنني (أو غيري) قد يرد بنفس الغضب وبلغة الكراهية، فيتحول التقسيم المعنوي إلى تقسيم ديموجرافي وجغرافي، وتثمر "بذرة التخوين" أشجارا من الشوك والحروب الطائفية والأهلية، وفي الخلفية لن يكون الوطن مستفيداً، بل يصبح لدينا أمراء حروب، وقادة وزعماء لكل فريق وطائفة و"ألتراس"، وساعتها لن يكون للحديث عن "المواطنة" أو حرصي على المودة بيني وبين السيدة الفاضلة أي وجود أو معنى.

(8)
أخيرا.. هل هذه مشكلتي وحدي، أو مشكلة السيدة وفاء وحدها؟ بالتأكيد لا، لأنها مشكلة الرئيس، ومشكلة النظام الذي يختزل نفسه في "أشخاص" ويختزل شعبه في مجموعة من الأنصار الطيبين الكويسين.. في مقابل مجموعة من أهل الشر، فتتحول الطاعة إلى تبعية عمياء، وتتحول المعارضة إلى خيانة صريحة وعداء، ولا أظن أن هذا يختلف عن مقولات المتطرفين المتشددين وثنائية الولاء والبراء، وألتراس داعش.

(9)
يبقى أن أقول: إذا كان هناك أمل في تصحيح العلاقة بين المواطن والرئيس، فهو ينطلق من إعادة ترتيب هذه العلاقة بحيث يمضي الرئيس وراء شعبه، ولا يمضي الشعب وراء رئيسه، فالعلاقة بيني وبين المواطنة وفاء هي الأصل.. هي الوطن، هي شرط العبور السليم من نفق التخلف والتفكك، ولهذا لا يحق للرئيس (أي رئيس) أن يكون سبباً في إفساد هذه العلاقة (علاقة المواطنة)؛ لأننا وصلنا إلى اللعنة القاتلة.. لعنة عداء المواطن ضد زميله في الوطن، دفاعا عن نظام يسحقه ويسرق مستقبل أولاده، وهذا يعني أننا نتحول إلى مسوخ تأكل بعضها بعضاً لتظل السيطرة للشياطين، عافانا الله.


#تحرروا_تعبروا
#المواطنة_هي_السبيل

 

[email protected]

التعليقات (3)
طابو زادا
الخميس، 19-04-2018 09:36 م
وايه المطلوب يعني بام المقال الخمسين صفحه ده ??
Dr. Walid Khier
الخميس، 19-04-2018 03:16 م
للأسف مقال مليء بالمغالطات المغلفة بأسلوب شيق صاغه قلم رشيق. الكاتب و بتعميم غريب وتسطيح مخل صنف الناس "بمشجعي مرسي" وبكل بساطة وضعه في الخانة المقابلة "لمشجعي السيسي" بنفس عقلية مذيع كرة القدم بإعتبار أن هذا رئيس وهذا رئيس، مثلما الأهلي فريق و الزمالك فريق، متجاهلاً الفرق المهول في طبيعة وصول كل منهما إلي الحكم وممارسات كل منهما وهي الفروق التي تعلمها حتى الآجنة في الأرحام ولست بحاجة لسردها هنا. أما عن السيدة السيساوية وفاء وكل سيساوية آخرى من من اندفعن في تأييد الرئيس "الدكر" خوفاً وهلعاً من مصير سوريا و العراق ورغبة في الإستقرار والعيش والسلام فأقول لهن أن المواشي في المزارع تنعم بما لاينعم به معظم البشر من آمان و إستقرار، فأن كن رضين بهذه المنزلة فلا بأس، ولكن ليعلمن أن هناك أجيالاً ترفض هذه المذلة وليس من حقهن الإعتداء على حقهم في العيش الكريم، هذه واحده، أما الثانية فمقولة بيجامين فرانكلين: من يفرط في الحرية ويبادلها بالإستقرار لا يستحق أيا منهما.
السيد علي
الأربعاء، 18-04-2018 08:22 م
يتحدث الكاتب عن القرار المجتمعي بعزل مرسي هل مات القرار المجتمعي الان ام ان القرار المجتمعي هذا صنعه هو وامثاله من الدعم الخليجي و انتهى القرار مع انتهاء الرز الخليجي لتمرد و جبهة الانقاذ و مازال مستمر للجيش الاعلامي شئ مؤسف من كاتب مثل هذا مازال يعيش متأثرا بالقصف الاعلامي الخليجي