قضايا وآراء

نموذج 16 أغسطس هو الحل

عمرو عادل
1300x600
1300x600
ظهرت في الفترات الأخيرة موجات من محاولات تثبيط كبيرة للجماهير، سواء بشكل مباشر بأقوال حول فارق القوة الكبير بين الشعب والطبقة الحاكمة؛ أو بشكل غير مباشر باختفاء مسارات الدفع باتجاه الفعل الثوري وزيادة مصطلح المعارضة في المجال العام. هذه الأمور، كما أنها ترفع من مستوى اليأس لدى الجماهير من احتمالات التغيير، فهي أيضا تزيد من ابتعاد الكيانات والمجموعات القادرة على الحديث الإعلامي عن الجماهير، وتذيب من فكرة الثورة، أو على الأقل القدرة على التغيير المحدود، وتدعو إلى الاستسلام للواقع المؤلم.

ويبقي ما حدث في القترة من 14 إلى 16 آب/ أغسطس حالة عملية تنفي غياب قدرة الجماهير المصرية على الفعل، ونحتاج في البداية إلى توضيح أسباب أهمية تلك الفترة ورمزيتها الكبيرة في مسار العمل المقاوم في مصر:

1- كانت الجماهير صاحبة اليد العليا في الشارع، واستطاعت السيطرة على مناطق واسعة مع الفرق الهائل في القوة.

2- بالرغم من القتل الانتقامي، والهادف إلى إحداث حالة من الصدمة والفزع لدى الجماهير؛ إلا أنها لم تتراجع أمام حمامات الدم في مساحات واسعة في مصر.

3- أكدت عدم قدرة أي نظام أمني أو عسكري على الصمود أمام إصرار جماهيري وطوفان شعبي يدرك ما يجب فعله.

هذه النقاط يجب أن تحتفظ بها الجماهير في ذهنها حتى لا يخدعها أحد بترويج عدم قدرتها على الفعل الثوري، ولتدرك أنها قادرة دائما على الفعل حتى لو حاول البعض ترويج عكس ذلك.

وقد نجحت الجماهير في هذا اليوم ولم تنجح القوى الثورية في الاستفادة من الموقف على الأرض، وهذا يرجع لعدة أسباب، منها ما هو إجرائي ومنها ما هو مبدئي وفكري. ونحاول توضيح هذه الأسباب حتى يمكن تلافيها في الموجات الثورية القادمة لا محالة، وأهمها ما يلي:

الأسباب الفكرية

1- الخوف من الدخول في مجال حرب أهلية كالدول الأخرى المجاورة سوريا وليبيا والعراق واليمن؛ العفريت الجاهز دائما.

الحقيقة أنه في هذه اللحظات وما تلاها حتى الآن؛ مصر تعيش حربا أهلية مصغرة. فهناك جانبان: مؤسسة الجيش وقطاع واسع من الشعب. ترتفع وتيرة المواجهة يوما بعد يوم، ويسقط ضحايا من الطرفين بالتعبير الأكاديمي، وبالتالي فنحن فعلا نعيش حالة من الحرب الأهلية. كما أن هناك بعض الأفكار أن توسيع مجال المواجهة الشعبية في نطاق جغرافي أوسع؛ يزيد من احتمال النصر وليس الهزيمة. وهناك نقطة أخرى أن ما يسمى الجيش المصري قام بمساندة كل دوائر الاستبداد في المنطقة، وربما غيابه كان أفضل، وخاصة لسوريا وليبيا.

2- الخوف من تفكك مؤسسات الدولة، وبالتالي انهيارها.

يوجد رابط تعسفي يحتاج إلى المراجعة بين التعريف الصحيح للدولة، وهي الشعب والأرض والسيادة والمؤسسات، من ناحية؛ وبين المؤسسات كممثلة وحيدة للدولة وكأن أصحاب هذا الطرح لا يرون الشعب ويرون فقط المؤسسات كمالكة حصرية للسيادة والأرض، وهذا خطأ كبير، وبالتالي الخوف المرضي من هذا الاحتمال هو مانع دائم ومزمن لأي فعل ثوري، ويجعل المريض به يتحول إلى مدافع عن الاستبداد دون أن يشعر، حتى لو كان يتفوه بأكثر العبارات ثورية، وخاصة إذا كانت تلك المؤسسات هي وسيلة تدمير وسرقة وليست وسيلة بناء وحماية.

الأسباب الإجرائية

1- عدم وجود تصور واضح لإدارة القوى على الأرض بعد سيطرتها، وهذا ناتج من عدم وضوح طبيعة المعركة. فلو كانت القيادة مؤمنة في تلك الفترة بفكرة الثورة الشاملة الحقيقية لتحركت في مسار مختلف، وبنت على انتصار 16 آب/ أغسطس. وكان يجب عليها أن تتأكد من أنه مهما كان حجم الخسائر في تلك المواجهة، فهي أقل بكثير مما نتج وسينتج لاحقا، وكان مشهد مسجد الفتح في اليوم التالي مباشرة هو نتيجة للتراجع، وكان مشهدا كاشفا حاسما.

2- الخوف من تطور الثورة وخروجها عن السيطرة، وهذه إحدى آفات الطبقة البرجوازية التي في الغالب تكون على رأس العمل الثوري. وقد تكرر ذلك في معظم الثورات الكبرى، فدائما ما تحاول كبح جماح الثورة في لحظة معينة لخشيتها من تطور الثورة إلى المستوى الذي يشكل خطرا على مصالحها ووجودها.

إذن، فالخطأ المركزي لم يكن من الجماهير، وبالتالي لا يجب تحميل الجماهير أسباب التراجع بعد هذا اليوم الملحمي. ومن الضروري أن يبقى هذا الانتصار المبهر هو النموذج الذي يجب أن تسعى الجماهير إليه، ويجب أن تتجاوز كل المحاولات التي تدفع لليأس، فهذه المحاولات ربما تكون محاولة من مروجيها لدفع الجماهير لمسار آخر.

على أي حال، من الضروري أن تدرك القوى الشعبية هذه النقاط وتبحث عن الوسائل والإجراءات اللازمة لإعادة بناء نموذج 16 آب/ أغسطس، ولكن بتجاوز العقبات التي أدت إلى التراجع في ذلك اليوم، وبالتأكيد يبقى 28 كانون الثاني/ يناير الخطوة الأولى على هذا المسار، إلا أنه كان محدودا جغرافيا مقارنة بـ16 آب/ أغسطس. حتى تكون الموجة التالية أكثر نجاحا؛ يجب تجاوز الأخطاء التي حدثت في 16 أغسطس، والخطوة الأولى الآن هو أن تثق القوى الشعبية في نفسها وهي القوى التي لا تظهر على التلفاز لتصنع الوعي العام الصحيح أو الزائف، وتقوم بتنظيم نفسها على هذا النموذج متجاوزة الأخطاء الحادثة سابقا.

إن النظام في مصر يبدو متماسكا، ويستخدم البطش الشديد لحماية نفسه من انكشاف ضعفه البنيوي. ويحتاج الشارع إلى البناء القوى المتماسك غير المرئي، حتى يمكنه في لحظة معينة أن يخرج في المواجهة الحاسمة، ويتمكن من صناعة قياداته التي تستطيع في اللحظات الفارقة اتخاذ القرار الصحيح.
التعليقات (2)
محمد عادل
الجمعة، 20-04-2018 12:44 م
مع تقديري للكاتب هناك بعض الملاحظات .. الثورة لم تكن ثورة بل كانت إحتجاج ليس ضد مبارك ولكن إحتجاج علي جبروت الشرطة لكنها تطورت إلي ثورة لهدف في نفس يعقوب الذي تسلل للسلطة فيما بعد من سلم الخدامين في 2013 .. وكاد الإحتجاج ينتهي بخطاب مبارك العاطفي لولا موقعة الجمل التي كشفت عن هدف الجيش لا الشعب في الإطاحة به بعد الجمل تحول الثوار إلي كومبارس يحقق أهداف الجيش فيسقط الشرطة في حماية الجيش ثم يسقط مبارك أيضا في حماية الجيش !تعود السلطة للجيش الذي يحركه يعقوب .. ينتخب مرسي بعد تردد من القضاء الذي كان ينوي عكس الأرقام لصالح شفيق والذي سيكون عقبة أمام يعقوب فتصدر تعليماته بإخراج النتيجة الحقيقة وفوز مرسي الذي سيسهل فيما بعد الإطاحة به من يعقوب علانية فخلاص اللعب أصبح ع المكشوف ! .. أين الثوار الذين يتحدث عنهم الكاتب وقد تحولوا إلي كومبارس بالضبط يوم موقعة الجمل !.. عودة لإنتخابات 2012 ..فقد أظهرت الحجم الحقيقي في نسبة الفساد في الشعب المصري وهم 48% الذين إنتخبوا شفيق ..هذا الرقم يجب أن نعيه جيدا عند التعامل مع موازين القوي في الشعب المصري حاليا ..ديموجرافيا نسبة الفاسدين التي تؤيد نظام يعقوب تقارب 50% ولديهم أدوات القوة جيش وشرطة وقضاء وإعلام وهذا الرقم ديموجرافيا مزعج فنسبة الفساد في أي مجتمع سوي لاتتعدي 5% لكن لا تصل لخمسين كما في الحالة المصرية ولذا لابد من مكاشفة الأرقام ولا تتجاهلها الأقلام الرشيقة ونلبس الشعب أو نصف عدد السكان المحترم في الحيط !
مصري جدا
الثلاثاء، 17-04-2018 05:56 م
اضافة ليومي 14 ،،، 16 اغسطس هناك يوم ثالث هو 30 اغسطس قالها احد الضباط الكبار ونحن وقتها في سجن العقرب ،،،، وقال بالنص كنا نجهز انفسنا للفرار ،،،، لكن بالله عليك ملايين الجماهير الغاضبة في الشوارع والميادين ومنصة القيادة في الحركة الاسلامية تائهة وسط الزحام لا تعرف ماذا تفعل بهذه الملايين ،، قيادة كل امكاناتها محشورة في الحشد والتعبئة واطلاق الشعارات الحماسية وفقط ،،،، يا استاذ الجماهير مازالت قائمة وقادمة لكنها لا ترى منصة قيادة تستحق الاتباع ،،، الصعيد بالكامل كان خارج السيطرة القاهرة الكبرى تعاني الشلل ،، المحافظات في غليان اقوى من ثورة يناير ،،توقفت الحركة الرسمية والمجلس العسكري فقد السيطرة والرؤية لدرجة ان بعض قياداته كانت تبحث عن قيادات الاخوان وسط الزحام للتفاهم ،، لكن هيهات ،،، اذا اردت بداية فعلية ميدانية بعيدة عن عبق المقالات وجميل الكلمات فابدأ من هنا قيادة ميدانية جديدة غير كل الموجود بمن فيهم كاتب المقال وكاتب التعليق ،،المخرج يحتاج منصة جديدة جدا