كتاب عربي 21

قمة الظهران وتكريس الشلل العربي

ياسين التميمي
1300x600
1300x600
تستضيف مدينة الظهران السعودية الأحد، القمة العربية الـ29، وسقف التوقعات منخفض جدا حيال إمكانية أن تُحدث هذه القمة تحولا جوهريا في الوضع العربي الغارق في الأزمات والصراعات والاستقطابات السياسية والطائفية.

في الحقيقة لا يمكن الرهان على الثقل الاعتباري للمملكة العربية السعودية في تحقيق هذا التحول، فقد لعبت الدولة المستضيفة دورا أساسيا في تغذية الصراعات التي تعصف بالمنطقة حاليا. 

بل إنها تخوض حربا شاملة منذ أكثر من ثلاثة سنوات، في اليمن الذي فقد شعبه فرصة تاريخية ثمينة للانتقال السياسي على وقع الثورة السلمية والحوار الوطني الشامل والتوافق، حينما أفاق على مؤامرة أطاحت بكل شيء. 

وكان الحوثيون المحسوبون على إيران هم أدوات الهدم التي استخدمتها الرياض وأبوظبي في مهمة قذرة كهذه.  

بادرت السعودية إلى استضافة القمة العربية بعد أن تحولت هذه القمة إلى ما يشبه "اللقيط"، الذي تتقاذفه العواصم ولا تريد أن تنوء بعار احتضانه ورعايته، وكل ما ستفعله هذه القمة أنها ستكرس الوضع البروتوكولي المكرور والممل لهذه القمة المشلولة على المستويات كافة.

لم يكن يتوقع أحد أن تغيب دولة خليجية عن قمة تعقد في أكبر بلد خليجي، لكن ذلك يحدث اليوم، والأسوأ منه أن الأزمة الخليجية التي جمدت أحد أهم وأنجح وأكثر الكيانات العربية فعالية وهو مجلس التعاون الخليجي ليست إحدى القضايا المنظورة في هذه القمة.

ولا أحد يتوقع أن تحظى قضية العرب المركزية وأعني بها فلسطين، بدفعة قوية في مواجهة التحديات الوجودية التي تتعرض لها، بعد أن قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل مقر السفارة الامريكية إلى القدس والاعتراف بهذه المدينة المقدسة عاصمة للكيان الصهيوني. 

وهو أمر طوى ما كان يعرف بقضايا الحل النهائي بين الفلسطينيين والإسرائليين، وسط غموض يتكشف عن رضا سعودي ومباركة إماراتية بهذه الخطوات الخطيرة.

قد لا تكون الحرب في اليمن حاضرة بالقدر الذي نتوقع منه أن يدفع بهذه الحرب إلى المزيد من الحلحلة، لكن واحدة من أسباب عقد القمة في الظهران الواقعة في شرق المملكة مرده إلى مخاوف من إمكانية تلقي الرياض وجبة جديدة من صواريخ الحوثيين المصنوعة في إيران.

أخطر ما ستشهده هذه القمة أنها ستعيد ترتيب خارطة التحالفات المؤقتة بين الدول العربية تأسيسا على موجة الاستقطابات العاصفة التي تعرضت لها المنطقة ولعب فيها المال السعودي والإماراتي دورا مهما في توجيه مسار الأحداث على الساحة العربية، وفي حدوث الانكسارات المهينة للإرادة العربية المشتركة في فلسطين وسورية وليبيا وفي اليمن.

سيتضح ذلك من خلال حجم الحضور ومستوى التمثيل، الذي ربما يقل قليلا عن المستوى الذي شهدناه في القمة التي احتضنها الأردن في البحر الميت في آذار/ مارس من العام الماضي. 

الرئيس العربي الوحيد الجاهز لحضور قمة الظهران بدون تعقيدات، هو الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي لم يعد يمتلك أي خيار سوى المشاركة في القمم، وما أسهلها من مشاركة إذا كانت القمة لا تبعد كثيرا عن الرياض حيث يواجه خيار الإقامة الجبرية لفترة زمنية بلا سقف على ما يبدو.

إن ما نراه اليوم هو أن السعودية تنساق شيئا فشيئا وراء مخطط تدعمه مصر والإمارات يهدف إلى إغلاق المجال العربي أمام قوى إقليمية بعينها، بل وإعادة تنصيبها كأعداء رئيسيين للعرب، حتى يتسنى للدكتاتوريات العربية الراهنة خصوصا تلك التي تم استعادتها في انقلابات عسكرية وثورات مضادة للربيع العربي، التفرغ لبناء تحالفاتها المشبوهة التي من الواضح أنها باتت أكثر انسجاما مع أعداء الأمة وأكثر قبولا بالتنازل عن قضاياها المصيرية وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية.

ويؤكد ذلك تناولات الإعلام السعودي للقمة العربية حيث يحاول أن يضع التحركات العسكرية الأخيرة لتركيا في شمال سورية والعراق، لدوافع الجميع يعلم أنها مشروعة، كإحدى القضايا الأساسية في جدول القمة العربية.

إنه توجه مفضوح للتغطية على عوار النظام العربي الذي يتحكم به الآن، وأكثر من أي وقت مضى، حكام طامحون إلى الحكم حتى الجنون، ولديهم استعداد مفتوح لتقديم التنازلات والتحرر من القواعد التي تحكم العلاقات بين الدول ومن القيود الأخلاقية أيضا.

ظلت تركيا التي تستوعب أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري فروا من جحيم الحرب التي يشنها نظام بشار الأسد على شعبه، طيلة السنوات الماضية من عمر الثورة السورية، جزء من التفاهمات الإقليمية والدولية التي كانت تهدف إلى إقناع الأسد بالتخلي عن العنف ضد شعبه، وفتح المجال لعملية سياسية من أجل نقل السلطة في سورية، ولا يمكن لدول متورطة حتى النخاع في إفشال الثورة السورية وفي دعم نظام الأسد، أن تقدم دروسا في السيادة.

جميعنا يتذكر أن التسريع في خطوات الانقلاب ضد النظام الديمقراطي المنتخب في مصر عام 2013، كانت مدفوعة بالمواقف الواضحة للرئيس المصري المعتقل محمد مرسي، التي أعلن فيها القطيعة مع النظام السوري والدعم الكامل للثورة السورية.

وها نحن اليوم نغرق في خضم تحالفات بلا ملامح وبلا أخلاق، وحدها المصالح العربية قبل وليس أي شيء آخر هي ضحيتها الأولى.
التعليقات (0)