كتاب عربي 21

روسيا ليست المسؤول الوحيد عن جرائم الأسد الكيميائية

علي باكير
1300x600
1300x600

في كلمة لها في مجلس الأمن أمس، قالت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هالي إنّ التقديرات الأمريكية تشير إلى أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد استخدم الغاز السام ضد المدنيين في سوريا 50 مرة على الأقل، بينما تشير التقديرات العامة إلى أنّه أستخدمها أكثر من 200 مرة.


وأشارت هالي في حديثها إلى أن هذا الاستخدام يعد انتهاكا لكافة المقاييس الأخلاقية وانتهاكا للإجماع الدولي على أن الأسلحة الكيماوية تمثل "نوعا فريدا من الشر"، مضيفة أنّ روسيا هي الوحيدة التي قامت بالدفاع عن استخدام النظام لهذه الأسلحة، وأنها الوحيدة التي أوقفت التحقيقات المشتركة التي تسمح للعالم بتأكيد ذلك مستخدمة حق النقض "الفيتو" 12 مرّة لحماية نظام الأسد، منها 6 مرات لمنع إدانة استخدامه للأسلحة الكيماوية، مؤكّدة أن ما يزيد الأمر سوءا هو أن روسيا هي المصدر الوحيد لكافة الأسلحة الكيماوية المتواجدة في سوريا.


ما قالته هيلي صحيح، ولا يمكن لأحد أن يجادل فيه. الرسالة التي تريد مندوبة أمريكا إيصالها للعالم من خلال هذا الكلام هو أن موسكو مسؤولة عن استخدام الأسد للسلاح الكيماوي لدرجة تسمح بتعريفها بأنها شريك في الجرائم التي يرتكبها عند استخدامه لهذه الأسلحة. أمّا الهدف من هذه الرسالة فهو زيادة الضغط السياسي على موسكو لدفعها لكي تفعل شيئا بهذا الخصوص، فربما تقدّم تنازلات، وربما تعطي ضمانات، وربما تضغط على الأسد، أو هكذا يعتقد البعض أنّها ستفعل مع ازدياد هذا الضغط.


المشكلة في هذا السياق أن ما تمّ عرضه أعلاه هو نصف الحقيقة، أما النصف الذي تمّ إخفاؤه من خلال التركيز على روسيا فهو الجزء المتعلق بمسؤولية الولايات المتّحدة والمجتمع الدولي عن استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري.


عندما استخدام الأسد السلاح الكيميائي في العام 2013، وكان العالم أن يتحرك لمعاقبته على ذلك، دفعت روسيا باتجاه صفقة لإنقاذ النظام السوري من العقاب. لقد كانت هذه الصفقة بمثابة المخلّص لإدارة أوباما، إذ أعفتها هي الأخرى من مسؤولية شن هجوم عسكري على الأسد لمعاقبته إلاّ أنها لم تعفها من مسؤولية تنفيذ الصفقة.


من الواضح أن الصفقة الكيميائية لم تطبّق، فعلى الرغم من أنّ هدفها كان يتمثل بتجريد الأسد من السلاح الكيميائي، إلا انّه ظل قادرا على استخدام المواد الكيميائية السامة ضد شعبه باعتراف الجانب الأمريكي نفسه. فإذا كانت روسيا تحمي الأسد، فان الولايات المتّحدة فعلت نفس الشيء من خلال إعفاء نفسه عن تحمّل مسؤولية متابعة الصفقة الكيميائية التي عقدتها مع روسيا.


المجتمع الدولي وعلى رأسه الدول الأوروبية دائمة العضوية في مجلس الأمن والصين، يتحمل أيضاً مسؤولية استخدام الأسد للأسلحة الكيمائية ضد المدنيين، ذلك أن تنفيذ الصفقة الكيميائية بين أوباما وبوتين تمّت بالاستناد إلى قرار صادر عن مجلس الأمن، وهو القرار 2118. هذا القرار تضمّن جريمة إضافية بحث الشعب السوري ذلك أنّه لم يتضمن اتخاذ إجراءات عقابية مباشرة حال خرق الأسد له، وإنما تضمّن دعوة للعودة إلى مجلس الأمن لمناقشة اتخاذ قرار بهذا الشأن. بمعنى آخر، فإنّ ما نشهده من مهازل حاليا في مجلس الأمن يعود في جزء منه إلى هذا القرار الذي كانت جميع الدول المعنيّة تعي ماهيته عند التوصّل إليه.


بهذا المعنى، فإن القتل الممنهج الذي يتّبعه الأسد بحق الشعب السوري لاسيما بالأسلحة الكيميائية تتحمّل مسؤوليته جميع هذه الدول، بالإضافة إلى النظام الإيراني الذي لولاه لما كان الأسد لما بقي الأسد حتى يومنا هذا. إلقاء اللوم على روسيا أمر صحيح، لكن توقّف الرواية عند هذا الحد جريمة لا تقل عن جريمة الأسد و داعميه المباشرين.

1
التعليقات (1)
ابو العبد الحلبي
السبت، 14-04-2018 08:40 م
تعقيبي المتواضع على المقال: تتحمل أمريكا ، بنسبة 98 % ، المسؤولية عن جرائم بشار بينما تتقاسم إيران و روسيا نسبة 2% المتبقية . كيف ذلك ؟ الجواب يحتاج إلى شرح طويل بحجم كتاب ، و لكن سأختصر لأقول أن أمريكا و الاتحاد السوفيتي اتفقا في مطلع الستينات "عبر سياسة الوفاق الدولي" على تقاسم مناطق النفوذ حول العالم وعلى أن يكون الشرق الأوسط "و من ضمنه سوريا" منطقة نفوذ خالص لأمريكا مع جواز أن يخدم كل طرف الآخر في منطقة نفوذه الخاص. في آذار عام 1963 ، وصل حزب البعث "الذي صنعته أمريكا" إلى الحكم بانقلاب عسكري و كان الأقوى فيه النصيري "صلاح جديد". هذا الرجل أعاد المطرود من الجيش "حافظ الأسد" و قام بترقيته إلى رتبة لواء و عينه وزيراً للدفاع. كانت مهزلة حرب 1967 فرصة لكي يقوم حافظ ببيع و تسليم الجولان، مما رفع أسهمه عند هنري كيسنجر الذي كان وراء إعطاءه منصب رئيس الجمهورية عام 1970 . قام النصيري حافظ بجعل غالبية ضباط الجيش و المخابرات من الأقلية النصيرية ، و أعطى المناصب المفصلية الهامة لهذه الطائفة . في حرب الخليج ، وضع حافظ جيشه تحت إمرة الجنرال الأمريكي "نورمان شوارتزكوف" كاشفاً زيف ادعاءه بأنه مقاوم ممانع. حين هلك حافظ عام 2000 ، أتت مادلين أولبرايت إلى سوريا و منحت بشار منصب الرئيس بالقفز عن الدستور و مع تجاوز نائبي رئيس الجمهورية "زهير مشارقة و عبد الحليم خدام". خدم بشار أمريكا برموش عينيه و كان حارساً أميناً في خدمة مصالحها . اندلعت ثورة سوريا المباركة عام 2011 فأعطت أمريكا له الإذن بقمع الثورة بضراوة ، و حين تعسكر الثوار أصدرت أمريكا الأوامر العلنية للدول الإقليمية و لمهربي السلاح بمنع مضادات الطائرات عن الثوار. لكن الجيش النصيري السوري سرعان ما ترنح و اقترب من الانهيار ، فأمرت أمريكا عملاءها من حكام الفرس بإرسال مليشياتهم إلى سوريا و كان أول الواصلين "حزبالة اللبناني". هؤلاء أيضاً فشلوا ، و اقتربت الثورة من النصر في صيف عام 2015 مما استدعى ضرورة تدخل من هو أقوى من النصيريين و الشيعة. في ذلك الوقت ، التقى باراك أوباما و جون كيري برئيس روسيا "بوتين" و طلبا منه تدخل جيشه فرفض إلا إذا كان هنالك تمويل مع هامش ربح ، و بالفعل أمرت أمريكا الإمارات بتغطية نفقات الجيش الروسي في سوريا و كان أول شيك دفعه ابن زايد لبوتين في موسكو بقيمة 6 مليار دولار. من الطبيعي أن تجهد أمريكا في إظهار أنها ليست مع بشار ، و تحاول تصوير القتل و التدمير و التهجير في سوريا كمسؤولية نصيرية-فارسية-روسية ، علماً بأنها تستطيع منع كل هذا الإجرام بمكالمة هاتفية لا تتجاوز 5 دقائق. ليس الكيماوي وحده هو من يصنع الإجرام في سوريا بل هنالك أسلحة أخرى فتاكة مشابهة لما استعملته أمريكا في التدمير الكلي لمدينة الرقة "التي لا تزال جثث أهلها تحت الأنقاض". ما فعله ترامب في العام الماضي و يوم أمس عبارة عن مسرحية خداع لا تنطلي علينا كسوريين أصليين. مكالمة هاتفية واحدة من ترامب أو مدير المخابرات الأمريكية كفيلة بالإطاحة ب "بشار" و ترحيله خارج سوريا ، لكن أمريكا تريد لترتيبها الظالم المستمر منذ 55 عاماً أن يبقى و يستمر.