مقالات مختارة

أفضل هدية سعودية لإسرائيل

حسن البراري
1300x600
1300x600

كشفت المقابلة التي أجراها الصحفي الأمريكي المعروف جيفري غولدبيرغ مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عن خلل كبير في فهم الصراع العربي الإسرائيلي، فيمكن على سبيل المثال تفهم انصياع بعض الأنظمة العربية من دول الطوق – المتأثرة بالصراع بشكل مباشر – لمنطق موازين القوى السائدة، فهذه الأنظمة توصلت إلى نتيجة مفادها أن السلام مع إسرائيل هو الخيار الأٌقل سوءا. لكن الأمر مختلف مع السعودية، فهي ليست من دول الطوق ولا تتأثر بشكل مباشر من استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. 


تكمن المشكلة في الفهم الخاطئ للصراع مع إسرائيل، فبالإضافة إلى الصراع على الأرض هناك أيضا صراع مرير على السردية التاريخية، فأنظمة الدول التي وقَّعت معاهدات سلام مع إسرائيل وافقت على مبدأ التسوية، ولكنها ترفض التسليم برواية اليهود للصراع. لذلك، عندما تعترف قيادة السعودية بحق الشعب اليهودي في أرضه، فهو بذلك يقع فريسة لمنطق الصهاينة الذي يقدم رواية تاريخية كأساس لـ "شرعية" دولة إسرائيل. فالاعتراف بإسرائيل بحكم الأمر الواقع شيء، فيما الاعتراف بحق اليهود أو الشعب اليهودي بأرض فلسطين شيء آخر. 


لم يقدم عربي واحد مثل هذه الهدية المجانية للشعب اليهودي كما قدم النظام السعودي، فأكثر المتفائلين من اليهود لم يكن ليحلم بأن يأتي اليوم الذي يأتي فيه زعيم عربي ويسلم تسليما واضحا بالسردية أو الرواية اليهودية للتاريخ. والحق أن القيادة السعودية لا ترى بإسرائيل مصدرا للتهديد بالمنطقة، فمحور الشر من وجهة نظره يشمل لاعبين آخرين، فبالإضافة إلى إيران والتنظيمات المتطرفة يصنف الإخوان المسلمين  كجزء من محور الشر! 


ليس دفاعا عن الإخوان المسلمين، لكن التنظيم لا يستخدم العنف كوسيلة لتحقيق أهدافه السياسية، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية لا تصنف الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا، والدولة الوحيدة التي تعتبر التنظيم إرهابيا هي إسرائيل، وعليه فإن تسليم السعودية بالرواية الإسرائيلية هو تسليم كامل، فتطابق الآراء مثير لدرجة تبدو التصريحات السعودية وكأنها تصريحات ليبرمان! 


من جانب آخر، فإن ثورة القيادة السعودية على الأوضاع الداخلية هي صحيحة، فلا يعقل أن تنفق دولة ما أموالا أكثر من بريطانيا على موازنة الدفاع والتسليح وتتحول بقدرة قادر إلى دولة لا يخشاها، بل لا يحترمها أحد، فالطريقة التي تعامل بها الرئيس ترامب مع الأمير الشاب تبعث على الغثيان، ففي البيت الأبيض من يعتقد أن لأمريكا حقا في المال السعودي والرياض تنفق بسخاء لكسب واشنطن إلى جانبها. لذلك، تحتاج السعودية إلى ثورة بيضاء لتغير العقلية الجمعية السعودية، وتحويل المجتمع إلى مجتمع إنتاجي غير ريعي، وتتوقف الدولة عن دور إعادة توزيع الثروة وتبدأ بتأهيل المجتمع لمواجهة التحديات بقوة بشرية مدربة وتمتلك مهارات العصر. 


وحتى تصل السعودية إلى هذه الحالة، فهي لا تحتاج إلى صفقات تسليح ضخمة وليس استعداء دول الجوار، وربما كان الأفضل لو ركزت السعودية داخليا لتقوية المجتمع بدلا من الانفتاح على أمريكا بهذا الشكل، في وقت تعتقد فيه غالبية الشعب الأمريكي بأن السعودية هي أحد مصادر التطرف في المنطقة، وبتقديري لن تقطع السعودية شوطا طويلا في العلاقة مع الولايات المتحدة، ففاعلية المال السعودي ستتبخر على نيران استفاقة الضمير في الشارع الأمريكي، وخاصة مع قبول إحدى المحاكم بولاية نيويورك النظر في قضية مرفوعة ضد السعودية وفقا لقانون جاستا.

 

الشرق القطرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل