مقالات مختارة

لماذا ستفشل الإمارات مرة أخرى في تونس؟

نزار بولحية
1300x600
1300x600

هل يصح في حكامها المثل المعروف «في الصيف ضيعت اللبن» أم أن الفرصة ماتزال سانحة لهم ليحققوا ما فشلوا فيه في السابق؟ لاشك أنكم تذكرون القليل، إنْ لم يكن، الكثير من الحرائق والحروب التي سعوا لإشعالها أو ساهموا في تأجيجها. لكن سيصعب عليكم أن تستحضروا ولو حربا واحدة كانوا سباقين لإخمادها أو تطويقها.

تأملوا جيدا ما فعله ويفعله حكام الإمارات على مر السنوات الأخيرة. ألم يدافعوا فقط عن المستبدين والانقلابيين ويشدوا أزرهم بالمرتزقة واللصوص؟ ألم يرسلوا المال والسلاح لكل الخارجين عن الشرعية والقانون ويديروا خارج أراضيهم سجونا سرية؟ ألم ينتهكوا برا وبحرا وجوا سيادة الجار والشقيق ويتلذذوا بأن حياة الأنظمة الموالية لهم رهينة كبسة زر منهم بفضل ما يمنون عليهم من «رز»؟ ألم يتخط هوسهم حدود الفوز بأفخم المقتنيات وأغلاها إلى كسب العملاء وتغيير السياسات في أكثر من قطر عربي؟ إنهم موجودون الآن بشكل فعلي أما بقواتهم أو بأموالهم في اليمن وليبيا وسوريا ومصر، أي فيما كان معروفا بدول الربيع العربي، وهذا ما يسمح لهم بالتحكم في جزء مهم مما يجري في المنطقة من تطورات وتحولات.

وحتى في الدولة الوحيدة التي نجت مما لحق تلك الدول من انتكاسات فقد تمكنوا من نسج شبكات إخطبوطية أكسبتهم نفوذا وتأثيرا على مجريات الأحداث فيها. غير أن ذلك لم يمكنهم إلى الآن من أن يحققوا مرادهم بالكامل بعد أن عجزوا عن قلب الطاولة ودفن تجربتها الديمقراطية. لقد جربوا ومازالوا يجربون ويبحثون رغم إخفاقهم أكثر من مرة في السابق عن وصفة مثالية تجعلهم يصلون إلى هدفهم ويطفئون آخر شمعة في ليل العرب.

لكنهم يعرفون جيدا أن المهمة لن تكون بسيطة أو سهلة، فالتونسيون يملكون من عناصر القوة والأمان الذاتي ما يجعلهم قادرين بدرجة كبيرة على إبطال كل مغامراتهم ومخططاتهم. فلم تتمكن العصبيات العرقية أو المذهبية التي اكتسحت دولا عربية أخرى ومزقت نسيجها الاجتماعي والسياسي من السيطرة عليهم بعد. وهم يملكون مستوى تعليميا هو الأعلى بالمقارنة بجيرانهم كما أنهم معروفون بانفتاحهم الواسع والملحوظ على الثقافات والحضارات الأجنبية فضلا عن أنهم ينتسبون في غالبيتهم العظمى لعرق واحد ودين واحد وحتى مذهب واحد. كما أن لديهم فضلا عن ذلك مؤسسات صلبة وعريقة وجيشا وطنيا ظل دائما وأبدا بمعزل عن الانخراط المباشر في صنع القرار السياسي أو إدارة الدولة.

لكن هل تكفي كل تلك العناصر حتى تضمن تونس اليوم بشكل بات ونهائي أنها لن تنجرف مرة أخرى نحو حرب أهلية كانت قبل سنوات قليلة فقط على وشك الوقوع فيها ولايزال حكام الإمارات وربما آخرون غيرهم يحاولون جرها إليها بشتى الطرق والأساليب؟ ربما لا يدور في أذهان معظم التونسيين مثل ذلك الهاجس بشكل صريح أو ملح فهم لا يرون أن بلدهم يمكن أن يكون يوما ما ليبيا أو سوريا أو يمنيا حيث تتطاحن الفصائل والعشائر والقبائل والملل والنحل في حروب داحس والغبراء التي لا يعلم إلا الله كم ستستغرق من زمن وكم ستقطف من أعمار وأجيال؟

أما تفسيرهم لذلك فهو إنهم لا يرون أن هناك مبررا لأن تقوم حرب أهلية في بلد متجانس بذل أول رؤسائه جهدا جبارا ليكرس فيه مشاعر الانتماء لما كان يطلق عليها أمة تونسية واحدة. وسعى منذ استلامه السلطة إلى محاربة التعصب للقبيلة والعروش وكل مظاهر التعبير أو الانتماء أو الولاء لها.

صحيح إنهم كانوا ومازالوا يلمسون إلى الآن أشكالا ومظاهر فاضحة من الحيف والجور والتمييز بين جهة وأخرى من جهات تونس الصغيرة مساحة وسكانا، ولكن مثل ذلك التفاوت يحصل في معظم دول العالم ولا يقود بالضرورة للحروب أو حتى لمحاولات الاحتجاج العنيفة. وربما كان تنصيص الدستور الجديد على ضرورة منح تمييز إيجابي للمناطق الداخلية محاولة لإصلاح ذلك الظلم والخطأ التاريخي الذي لحقها على مر عهود طويلة. لكن ما الذي يمكن أن يكسر كل تلك التحصينات الذاتية ويجعل تونس تنحدر، لا سمح الله، نحو حرب الأخ ضد الأخ؟

ربما سيكون من الصعب عليكم أن تتخيلوا أن التوافق الذي تنعم به الآن هو ما يستخدم حجة وذريعة لا لمنع تلك الحرب والوقوف سدا منيعا أمامها بل للنفخ فيها والدعوة المبطنة والمضللة للقفز نحوها. فليس جديدا أن ترتفع أصوات معروفة بولائها للإمارات لتقول الآن بالذات والبلاد تستعد لانتخابات بلدية هي الأولى بعد هروب الرئيس المخلوع بن علي أن لا معنى ولا مستقبل لالتقاء الأضداد الذي حصل بعد آخر انتخابات رئاسية وبرلمانية بين النظام القديم وبين الإسلاميين.

وليس جديدا أيضا أن تكرر تلك الأصوات ما كانت تقوله دوما من أن التوافق هو مجرد صفقة شخصية تمت بين شيخين هما الرئيس قائد السبسي والشيخ الغنوشي لن يطول مفعولها أو يمتد في حال غياب أحدهما أوكليهما لسبب من الأسباب أو حتى في حال تغير الظرف ووصول لغة الحوار والتفاهم بينهما إلى طريق مسدود. أما البديل لذلك والذي ستفعله تونس من دون توافق حتى هش ومحدود فهذا ما لا يكشف عنه لا السياسيون ولا الإعلاميون المعارضون له أو المتضررون من استمراره. ولأجل ذلك فهم يكتفون بتساقط تصريحات الطرفين بحثا عن جملة أو كلمة قد يسارعون لتحويلها فتيلا لتفجير الحرب في أي لحظة.

والغريب هنا هو أنه كلما حصل استقرار نسبي في تونس وبدأ الحديث عن بوادر لتعافي الاقتصاد تجدد الحديث عن أزمة حكومية أو برلمانية أو حتى عن أزمة سياسية تقتضي مراجعة نظام الحكم أو حتى نظام الاقتراع. ولعلكم تذكرون جيدا ما قاله الشيخ الغنوشي يوما من أن المسار الديمقراطي في تونس رهين رصاصة. لقد صار ذلك المسار اليوم وبمرور الزمن رهين أشياء أخرى أقل كلفة ودموية من الرصاص الحي مثل كلمة أو قرار أو خطاب.

لكن مع ذلك فهناك عوامل موضوعية تجعل فرضية الحرب التي تدفع لها الإمارات رغم كل شيء بعيدة بعض الشيء وغير واقعية. فإشعال حريق إضافي في هذا الظرف بالذات بين ليبيا التي بدأت تظهر عليها علامات التعافي النسبي وباتت تتهيأ، ربما لانتخابات برلمانية وحتى رئاسية، وبين الجزائر التي لا يزال الغموض يلف مستقبلها ما بعد بوتفليقة لن يكون في مصلحة أي من البلدين. وسيلقى بالتأكيد رفضا قاطعا من الجزائر بالخصوص حيث سترى فيه خطرا مباشرا عليها. كما أنه قد يسبب إشكالات ومتاعب إضافية للقوى الأوروبية الكبرى التي لا ترغب في مشاهدة النيران على مرمى بيتها. 

ولذا فإن أقصى ما قد تستطيع الإمارات وحلفاؤها إنجازه هو التشويش على تونس. ومادامت المقدمات نفسها تؤدي للنتائج نفسها، ومادام حكامها مصرين دوما على اختيار الجواد الخاسر ذاته، فإنهم سيراكمون بالضرورة فشلا جديدا سيكون وصمة في سجلهم الحافل فقط بصنع الحروب وإشعالها. 

القدس العربي

1
التعليقات (1)
مصري جدا
الخميس، 05-04-2018 03:38 م
الشيطان لا يفشل لكنه يغير طرقه واساليبه حتى يحقق ما يريد ،،،، الامارات والسعودية ومصر واسرائيل هذا المربع الصهيوخليجي يملك كل ادوات الشر والحقد والسوء ،،، فلا تستهينوا باحد وينبغي ان يكون الحذر هو سيد الموقف ،،، لا تستهينوا بخصومكم ،، ولا تخدروا انفسكم وشبابكم بالعناويين والشعارات والتحليلات ،،، الاخوان في مصر استبعدوا سيناريو الانقلاب لكنه حدث ،،، الاخوان في مصر استبعدوا سيناريو فض رابعة والنهضة لكنه حدث ،،، الاخوان في مصر استبعدوا محكمات الرئيس مرسي وفضيلة المرشد لكنه حدث ،،، الاخوان في مصر استبعدوا الاعدامات والقتل خارج القانون لكنه حدث ،،،، الاخوان في مصر راهنوا على ثورة الشعب لكنه لم ينصرهم ،، الاخوان في مصر راهنوا بعد الانقلاب على الغرب لكنه خذلهم ،،، الاخوان في مصر اوهموا انفسهم بان الانقلاب يترنح لكنه لم ولن يترنح دون زالزال يزيله ،،، الحصيف من اعتبر بغيره ،،، النجاة غالبا تكون في اعطاء السيناريو الاسوء النسبة المئوية العالية حتى تحذر وتستعد ،،،، بالله عليكم لا تخدروا الشعوب ،،،