قضايا وآراء

انسوا..!

هشام عبد الحميد
1300x600
1300x600
نحن أمام مشهد عبثي بامتياز..

إنه البطل الذي تحدى السلطة، وأحرق المعبد، ليضمن لنفسه الخلود. فأصدر حكام الدولة الإغريقية (365 قبل الميلاد) حكما بالإعدام عقابا لما فعل، ولكن البطل استطاع من داخل محبسه، في انتظار تنفيذ حكم الإعدام، أن يبيع مذكراته لوالد زوجته بـ500 دراخمة، ويبدأ في شراء ذمم المحيطين به كل حسب كعب أخيل (نقطة ضعفه)، فأعطى السجان مبلغا من المال لكي يشرب في الحانة ويُردد اسم البطل أمام الناس.

أما زوجة الأمير، فيقودها الفضول لتتسلل إلى زنزانته محاولة أن تعرف سبب فعلته التي أودت به إلى هذا المصير، وهو فضول مشوب بإعجاب الأنثى، ولا شك بتحدي التقاليد والأعراف العامة، ولكنه يوهمها بحبه لها، ويطالبها بأن تبادله نفس الشعور. وقد شهد السجان كل هذا، لكنه لاذ بالصمت طمعا في مزيد من المال.

وتأتي لحظة الإعدام، وإمعانا من البطل في ضرب الأعراف والتابوهات التي تتوارى السلطة وراءها، ليعلن أمام الحشد علاقته بالأميرة. وهنا تتحرك السلطة بأجهزتها المختلفة لكي تُسكت هذه الفضيحة؛ فيُقتل السجان أو الشاهد على قصة الحب، ويُعزل القاضي.

وإمعانا في التنكيل والاغتيال ورغبة السلطة في مسح ذاكرة الناس، يُصدر مرسوم يحذر الناس من التلفظ باسم البطل "هيروسترات" أو التفكير به، أو حتى الإشارة إليه، كأنه لم يكن.

وكان المرسوم يحمل عنوان "انسوا هيروسترات"، وبالطبع أعدم "هيروسترات"، ولكن تُرى هل نجحت السلطة بأجهزتها بإهالة التراب على اسم "هيروسترات" كرهان لوجودها ومشروعيتها، أم جاء نفي النفي إثبات؟

وخُلد اسم "هيروسترات"، وأصبح من الأبطال الذين يحتفظ بهم الوعي الجمعي للناس كمعادل وجودي واستنطاق إثباتي لجريمة التهميش والإقصاء والإلغاء السلطوية.

إن مسرحية "انسوا هيروسترات" للكاتب الروسي غريغوري غورين لهي معادل موضوعي لكل عمليات الاغتيال المعنوي والجسدي السلطوية لكل من يتجرأ عليها أو يعارضها أو يرفضها.

وهنا تتسع الدلالة لتشمل الوعي الجمعي للناس في كل زمان ومكان، مكتسبا رهان وجوده من قيم الحق والخير والجمال، ولا يتسامح ولا ينخدع من مانحي صكوك غفران الأمن والأمان. ولا تُنسى تلك الأسماء التي أعطت للحياة زخما وأعطت لوجوده نبلا، ولكن تظل الآلة السلطوية بغبائها ورعونتها تصدر منشورا يلي منشور.. "انسوا هيروسترات".
4
التعليقات (4)
هشام مراسي
الجمعة، 18-05-2018 08:16 م
من يستطيع ان ينسى الفنان هشام عبد الحميد واثره في الفن العربي في اعماله وهو احد من وضع نفسه بين عتلتي السلطة وغباء الاغلبية فقط ليقول كلمته عن واقعهم التاريخي والحديث .. ربما اقول ربما ان يسقط احد من ماكنة العبثية .! شكرآ لك ايها النبيل على جميل كلمتك الحرة .
إيمان العظم
الأربعاء، 28-03-2018 11:55 م
لعله من الصعب أن يشاهد أحدنا عملا للنجم المصري هشام عبد الحميد دون أن تلفت نظره هذه الموهبة العالية الطراز في التمثيل .ولكن من جهة أخرى أعتقد أنه من الصعب أيضا أن نسمع أو نقرأ عن مساهماته الفكرية من دون أن يتسارع لذهننا السؤال التالي :ترى كم هو عدد الفانين الموهوبين في عالمنا العربي الذين يمكن أن نطلق عليهم صفة المثقفين بدون تردد؟.أعتقد أن هذا النجم المصري أضاف لثقافتنا الفنية الكثير مما يستحق التوقف عنده بإعجاب وامتنان. وأيضا بألم وحسرة عن الخسارات التي تحيق بالعالم العربي من هدر وسحق للمواهب المبدعة بسبب مواقفها السياسية .يتعرض هذا النجم المثقف لنفس الاغتيال المعنوي المتعسف الذي يحكي عنه في تلخيصه لمسرحية إنسوا هيروسترات .أتمنى متابعة المساهمات الراقية التي يقدمها برنامج بالتأكيد مع هشام عبد الحميد على قناة الشرق المصرية التي يزينها برنامجه الثقافي
شاهيناز المعدي
الثلاثاء، 27-03-2018 12:28 م
مليون تحية لهيروستداد عصرنا ،، فهو يدفع المزيد من التضحيات
هشام مراسي
الإثنين، 26-03-2018 10:26 م
بعد التحية والاحترام الى الفنان النجم العظيم المفكر هشام عبد الحميد .. هنا نجد اختزال مدروس بالحرف لوضع حقيقة العبثية المتكررة الى عصرنا هذا بجودة وصياغة ذكية تقدر حروفها بالجواهر .. ممتن لك ايها الكبير دومآ .

خبر عاجل