حقوق وحريات

"مراسلون بلا حدود": العداء ضد الإعلام بلغ مستويات مفرطة بمصر

المنظمة الدولية أكدت أن الصحفيين في مصر يرزحون تحت وطأة التنكيل والرقابة والسجن
المنظمة الدولية أكدت أن الصحفيين في مصر يرزحون تحت وطأة التنكيل والرقابة والسجن
قالت منظمة "مراسلون بلا حدود" إن التوجس والعداء حيال وسائل الإعلام بلغ "مستويات مفرطة في مصر، حيث العواقب مأساوية"، مستنكرة "تزايد أعداد الصحفيين المحتجزين أو المتهمين بالإرهاب لمجرد محاولة جمع معلومات مستقلة"، مؤكدة أن مصر من أكبر السجون للصحفيين على الصعيد العالمي.

وأكدت – في تقرير لها، الجمعة، بعنوان "السجل المظلم لسنوات السيسي.. الصحفيون يرزحون تحت وطأة التنكيل والرقابة والسجن"، وصل "عربي21" نسخة منه- أن "وسائل الإعلام المحلية "تم تكميمها، بينما تتعرض الصحافة الأجنبية للتشويه من قبل السلطات"، مجدّدة طلبها إلى السلطات المصرية بإطلاق سراح الصحفيين المحتجزين بشكل تعسفي، والكف عن ترهيب الصحافة المستقلة".

وأوضحت "مراسلون بلا حدود" أنه "تحت حكم عبد الفتاح السيسي في مصر، أصبح مجرد إعداد تقرير صحفي عن ترام الإسكندرية وجماله المتقادم في عداد الأنشطة المحفوفة بالمخاطر"، مؤكدة أن تُهم "التآمر" ضد الدولة أصبحت مسلطة على رقاب وسائل الإعلام التي لا تُعلن صراحة ولاءها للنظام الحاكم في البلاد".

وأكدت أن هناك "موجة عدائية ضد وسائل الإعلام، وهي الظاهرة المنتشرة بقوة في جميع أنحاء البلاد منذ عودة الجيش إلى دوائر السلطة في عام 2013، حيث أُقفل تماما قوس الثورة الإعلامية التي تواصلت بين عامي 2011 و2012، في أعقاب الإطاحة بالرئيس حسني مبارك".

ولفتت إلى أنه "بعد أربع سنوات على فوزه في الانتخابات الأولى بما لا يقل عن 96.9% من الأصوات، يتأهب عبد الفتاح السيسي لإعادة انتخابه رئيسا لبلد يرزح تحت وطأة الرقابة المشددة، حيث أصبح الصحفيون ووسائل الإعلام بمنزلة أعداء الدولة الجدد".

وأضافت: "منذ وصول السيسي إلى سدة الحكم، وخاصة خلال فترات التوتر الشديد أو حتى في عام 2013 أو في الوقت الحالي، بات من الممكن أن يجد الصحفيون المعارضون أو المستقلون عُرضة لمحاكمات تعسفية أو أعمال عنف في الشارع بتحريض من السلطات أو حتى التنكيل بهم في أثناء ممارسة عملهم، من قبل مارة بلغ بهم الارتياب درجة باتوا معها يعتبرون جميع وسائل الإعلام في عداد الأعداد".

مصر من أكبر السجون للصحفيين

وتابعت: "في 2012، كان مدون واحد فقط يقبع وراء القضبان بتهمة التجديف، بينما كان مدون آخر – الناشط الشهير علاء عبد الفتاح – قد قضى في السجن بضعة أشهر فقط. وبعد مرور خمس سنوات على ذلك، اعتُقل علاء من جديد، ولكنه ظل هذه المرة محتجزا لمدة ثلاث سنوات، علما أنه يوجد من بين 30 صحفيا مصريا على الأقل تم حبسهم بسبب عملهم الإعلامي".

وأردفت: "قد تختلف الأسباب وتتعدد الذرائع، لكن المصير واحد: ذلك أن العمل على قضايا حساسة مثل الجيش والشرطة والإرهاب أصبح يؤدي بالصحفيين إلى السجن"، مضيفة: "سواء كانت الاعتقالات بتهمة تهديد الأمن القومي أو الانتماء إلى جماعة إرهابية أو نشر معلومات كاذبة أو حتى محاولة الاغتيال، فإن الأمر لا يعدو أن يكون ذريعة تختبئ وراءها السلطات عادة لإلقاء القبض على صحفيين يُشتبه في تعاونهم مع وسائل إعلام تُعتبر مقرّبة من جماعة الإخوان".

وأشارت المنظمة المعنية بالدفاع عن حرية الصحافة والصحفيين إلى أن "الاعتقالات طالت عشرات الصحفيين خلال الأشهر الستة الماضية، في ما يبدو أنها عملية ملاحقة تستهدف بالأساس الصحفيين المستقلين العاملين في وسائل الإعلام المعارضة".

وفي 1 آذار/ مارس، حذّر السيسي نفسُه الصحفيين بشكل مباشر قائلا، إن نشر أخبار من شأنها أن تُعتبر مسيئة للجيش والشرطة "خيانة عظمى".

وأدانت النيابة العامة المصرية ما اعتبرته محاولة "قوى الشر النيل من أمن وسلامة الوطن ببث ونشر الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية، من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي"، حيث أصدرت أمرا إلى جميع المدعين العامين في البلاد لتدقيق محتويات وسائل الإعلام من أجل تعقب ما وصفته بـ"الأخبار الزائفة".

وقالت "مراسلون بلا حدود": "إذا كانت التهم المُستخدمة لمتابعة الصحفيين تبدو سخيفة في بعض الأحيان، فإن العقوبات المفروضة عليهم غالبا ما تكون بعيدة كل البعد عن التناسب".

وأكملت: "مع التزايد الرهيب في أعداد الدعاوى القضائية، تقلصت بشكل مهول التحقيقات الصحفية في مواضيع معينة، إلى درجة أصبح لا يبدو معها أحد في مأمن من عواقب غضب السلطات، فحتى رجل الأعمال الثري مالك صحيفة (المصري اليوم) وجد نفسه في عام 2015 متهما بامتلاك أسلحة بشكل غير قانوني، عندما انتقدت صحيفته الأساليب التي تستخدمها الشرطة. وبدورها، لا تسلم وسائل الإعلام الأجنبية من سياط نظام لم يعد يتوانى في الدعوة علنا لمقاطعة قناة عالمية بحجم بي بي سي".

رقابة واسعة الانتشار ومتعددة الأوجه

وأكدت أنه "في غضون خمس سنوات، أصبحت الرقابة في مصر جاثمة على الأنفس في كل حدب وصوب، بل وإنها باتت تتخذ أوجها متعددة. فقد ظهرت أولا في أشكالها المعتادة من خلال منع نشر صحف أو توزيعها، أو عبر اتصال المخابرات برؤساء التحرير هاتفيا لحذف مقالات صحفية مزعجة، أو حظر نشر معلومات معينة أو إغلاق مؤسسات إعلامية تُعتبر مقربة من الإخوان، على غرار ما حصل لقناة الجزيرة في عام 2013".

واستطردت قائلة: "بيد أن الرقابة اتخذت منعطفا جديدا في الربيع الماضي: فرغم غياب أي حكم قضائي أو تفسير رسمي، تم حجب عشرات المواقع الإخبارية قبل أن يصل العدد إلى المئات في وقت لاحق، حيث بات يستحيل الوصول إلى حوالي 500 موقع في الوقت الحالي، بما في ذلك مواقع مراسلون بلا حدود وهيومن رايتس ووتش والشبكة العربية لحقوق الإنسان، إلى جانب عدد من الصحف المصرية اليسارية، مثل بداية ومدى مصر، البعيدة كل البعد عن أي تعاطف مع الإسلاميين".

مشهد إعلامي تحت الأوامر

وأضافت: "من خلال تكميم جميع مصادر المعلومات التي قد تُعتبر ناقدة للنظام، تم تمهيد الطريق أمام السلطات لإسماع خطابها الرسمي على أوسع نطاق ممكن"، مؤكدة أن الصحفيين العاملين في وسائل الإعلام الخاصة، يجدون أنفسهم مضطرين للارتماء في أحضان الرقابة الذاتية حفاظا على سلامتهم أو خشية الاضطرار إلى الذهاب للمنفى أو مخافة مواجهة خطر الطرد من البلاد.

ونوهت "مراسلون بلا حدود" إلى أن المشهد الإعلامي كله بات في "قبضة وسائل الإعلام الحكومية، وكذلك المؤسسات الخاصة التي انتقلت إلى ملكية أو تم إنشاؤها على يد شركات مقربة من المخابرات".

واختتمت بقولها: "أمام هذا السيناريو، اقتصر حديث وسائل الإعلام المرخص لها رسميا خلال الحملة الانتخابية على ضرورة التصويت من أجل منح ولاية جديدة للرئيس العسكري، مُعتبرة ذلك واجبا وطنيا، وإن كانت نتيجة هذه الانتخابات الرئاسية معروفة سلفا، علما أن مصر تقهقرت خلال الأعوام الخمسة الأخيرة إلى أسوأ مراتبها على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، حيث تقبع حاليا في المركز 161 (من أصل 180 دولة) في التصنيف الذي نشرته مراسلون بلا حدود عام 2017".
-

التعليقات (0)