قضايا وآراء

33 مليون مصري مهددون بالسجن!

1300x600
1300x600
لم يهنأ الشعب المصري منذ ستين عاما بالرفاه، رغم وعود الحكومات المتعاقبة. والحجج المساقة في ذلك كثيرة لتبرير عجز الحكومات المتعاقبة، وإن كانت شبهة العمد في ذلك واضحة. فالحكومات المتعاقبة (والتي شكلت الدولة البوليسية في مصر خلال تلك الفترة) عمدت إلى ترسيخ أركان حكمها من خلال فزاعات يصعب معها المطالبة معها بالرفاه. فبداية من "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" وانتهاء بـ"مصر تحارب الإرهاب"، يتم تكميم الأفواه.

ومنذ الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013؛ وحالة القمع تتزايد من نظام لا يعرف غير البطش لتثبيت أركان حكمه المنصوب على الماء. فالاعتقالات والتصفيات التي طالت رافضي الانقلاب، وحتى داعميه في مرحلة ما، لا يمكن أن تصدر إلا عن نظام فاشي قمعي يسطر لنفسه فصلا جديدا يمكن أن تتدارسه الأنظمة القمعية في المستقبل. فاستهداف الصحفيين والنشطاء والاعتقالات العشوائية والإخفاء القسري، والإهمال الطبي القاتل في المعتقلات، والقتل خارج نطاق القانون.. كل هذا نتيجة حتمية لما سُرب لقائد الانقلاب عن تحريضه للضباط بقتل المعارضين دون محاكمة، بل وزاد النظام في إمعانه في ترسيخ فكرة الجريمة بغير عقاب من خلال استخدام مرفق العدالة في إصدار أحكام تبرئ الجناة من أدوات السلطة وتعاقب المجني عليهم.

ولما كانت الأنظمة الديكتاتورية القمعية هي أنظمة هشة في حقيقتها، تحيط نفسها بهالة من القمع لتقوى على البقاء، فإن الكلمة تهزها وترعبها وتقض مضاجعها، لذا فالنظام سعى بكل وسيلة لإسكات كل من يتكلم، واتخذ في ذلك كافة السبل، بدءا بالإشاعات، وهي الفترة التي لم يمتلك فيها أدوات التنصت والمراقبة، أو بالقبض بعد أن حاز تلك الأدوات، لتقوم آلته الإعلامية بواجب بث الرعب في قلوب الناس حتى يضمن قيام البعض بمراقبة الآخرين، بعد أن تأكد من عدم إمكانية مراقبة الناس جميعا، حتى وصل الحال إلى الإعلان عن أرقام للإبلاغ عمن يصنف بحسب رؤية النظام بأنه عدو للوطن (بمفهوم الشاويش عندما كان يعرف المساجين لأحمد سبع الليل في فيلم البريء للراحل أحمد زكي)، ليتحول الشعب المصري (كما يريد النظام) إلى مخبرين على بعضه البعض من أجل عيون هذا النظام.

والآن ندخل في مرحلة جديدة من لعبة النظام ضد هذا الشعب لإسكاته؛ مرحلة تقنين فعل إسكات الشعب وإرهابه. ففي الوقت الذي اشتهر فيه النظام بمراقبة المواقع الالكترونية والمنصات بذريعة الأمن القومي، فإنه في الواقع لا توجد قوانين معمول بها تملي بشكل واضح ما هو مسموح به وما هو غير مسموح في مجال الرقابة على الإنترنت، وهو ما يحاول النظام تقنينه الآن من خلال قانون الرقابة على الإنترنت.

فبحسب ما عرف من القانون؛ فإن المادة السابعة منه تمنح السلطات الحق في رقابة مواقع الإنترنت كلما "ظهر دليل على أن موقعا ما يبث من داخل أو خارج الدولة قد نشر أي عبارات أو صور أو أفلام، أو أي مواد ترويجية أو يشكل للأمن القومي". ولما كان الأمن القومي لا يمكن تقديره إلا من النظام، فإن 33 مليون مصري هم أعداد المستخدمين لخدمة الإنترنت، بحسب آخر إحصائية (في تموز/ يوليو 2017)، متهمون مسبقا حتى تثبت براءتهم، بل إن القانون جعل مسؤولية الرقابة على مزودي خدمة الإنترنت، وجعل العقوبة على موظفي الخدمة إذا لم يقوموا بمراقبة الشعب والإبلاغ عنهم، ووضع لذلك غرامة تبدأ من ثلاثة ملايين جنيه وتنتهي بالسجن.

والسؤال الأهم الذي قد يخطر على بال المتابع: طالما أن النظام قمعي كما تقول، ولا يهمه قوانين، ولديه من الأدوات القمعية ما ينفذ بها رغباته، واستطاع إلى حد كبير إسكات الشعب والدليل خفوت المظاهرات المناوئة له، فما حاجته لتشريع قانون؟

والإجابة تأتي من تعاطيه مع المعتقلين السياسيين من أول يوم بعد الانقلاب، عندما يخرج رأس النظام في الإعلام أو حتى في لقاءاته بزعماء الغرب ويُسأل عن المعتقلين السياسيين، فإنه ينكر وجود معتقل سياسي واحد في مصر، وهو في ذلك صادق. ذلك أن كل من يقبض عليه في مظاهرة أو حتى من بيته توجه له النيابة (أحد أدواته) تهما جنائية، ومن ثم يقدم إلى المحكمة بتهمة منصوص عليها في قانون العقوبات، وبالتالي فهو محكوم جنائي لا تصدق عليه صفة المعتقل السياسي بهذا المعنى، وبالتالي فلا حق له في ما نصت عليه المواثيق الدولية من حقوق للمعتقل السياسي. وبالمثل، فإن النظام يريد الآن أن يسكت شعبا بأكمله بقوة القانون حتى تكون له حجة الرد على منتقديه في الغرب بأنه يقمع حرية التعبير المنصوص عليها في المواثيق الدولية.

أخيرا، فإن هذه المقالة وكاتبها يقعان تحت طائلة قانون مكافحة جرائم الإنترنت، كما أن حضرتك الآن سيطالك عقوبته لأنك تجرأت وقرأت هذه المقالة... نتقابل في طرة.
0
التعليقات (0)