مقالات مختارة

من خلال فيلم "تشيرشيل" تسعى هوليوود إلى مكافأة سفاح قاتل

شاشي ثارور
1300x600
1300x600
قال وينستون تشيرشيل ذات مرة: "سيترفق التاريخ بي لأنني أنوي كتابته بنفسي." لكن لم يكن بحاجة لأن يشغل باله بذلك، فرغم أنه كان أعظم سفاح في القرن العشرين، إلا أنه، وخلافاً لما حصل مع هتلر وستالين، أفلت من لعن التاريخ له في الغرب، بل توج بنيل جائزة نوبل للآداب. والآن، ينال ممثل اسمه غاري أولدمان جائزة الأوسكار عن فيلم يتقمص فيه شخصيته. 

كما تؤكد هوليوود، تقوم سمعة تشيرشيل على أسلوبه الخطابي الملهم والمؤثر وعلى موهبته في صياغة العبارات البليغة أثناء الحرب العالمية الثانية، ومنها قوله: "لن نتراخى ولن نخفق، وسوف نصمد حتى النهاية. سوف نقاتل على الشواطئ، سوف نقاتل على المهابط، وسوف نقاتل في الحقول وفي الشوارع. لن نستسلم أبداً." (عبارة سخر منها المؤرخ البريطاني جون تشارملي وقال عنها: "كلام فخم ولكنه فارغ.")

الكلمات، والكلمات فقط، هي ما يشير إليه المعجبون بتشيرشيل. أما أفعاله فشيء آخر تماماً. 

أثناء الحرب العالمية الثانية أعلن تشيرشيل أنه يؤيد "القصف الذي يبعث الرعب في النفوس." وكتب يقول إنه يريد "هجمات مدمرة لا تبقي ولا تذر تشنها قاذفات شديدة جداً." وكانت النتيجة ما آلت إليه حال مدينة دريزدن الألمانية وما خلفه قصفها من دمار شامل ومرعب. 

وأثناء حرب الاستقلال الأيرلندية كان تشيرشيل بوصفه وزيراً للحرب والجو واحد من قلة قليلة من المسؤولين البريطانيين الذين يؤثرون قصف المتظاهرين الأيرلنديين، حيث اقترح في عام 1920 إنه يتوجب على الطائرات استخدام المدافع الرشاشة أو القنابل لتفريق المتظاهرين. 

ولدى تعامله مع أعمال الشغب التي اجتاحت منطقة ما بين النهرين (العراق)، وبوصفه وزيراً للمستعمرات، تصرف تشيرشيل كمجرم حرب، حيث أعلن حينها: "أؤيد بقوة استخدام الغاز السام ضد القبائل غير المتحضرة، فذلك من شأنه أن ينشر في صفوفهم الرعب الحي." وأمر بقصف واسع وشامل لما بين النهرين، فما كان من قواته إلا أن مسحت عن وجه الأرض قرية بأكملها خلال خمسة وأربعين دقيقة. 

وفي أفغانستان، أعلن تشيرشيل إن الباشتون بحاجة لأن يقروا بتفوق العنصر البريطاني وأن كل من يقاوم فستستأصل شأفته. وكتب يقول: "مضينا قدماً، وبشكل منظم، قرية إثر قرية، فدمرنا البيوت، وأطحنا بالجدران، وفجرنا الأبراج، وقطعنا كل شجرة ذات أغصان وارفة، وحرقنا المحاصيل، وحطمنا السدود وخزانات المياه، عقاباً مدمراً لهم. وكل رجل من رجال القبيلة وقع في أيدينا كان مصيره الفوري إما اختراق برمح أو قطع بسيف."

وفي كينيا، أدار تشيرشيل بنفسه، أو كان متواطئاً في، سياسات الترحيل القسري وإعادة التوطين للسكان المحليين بعيداً عن سهول بلادهم الخصبة لإخلائها للمستوطنين البيض، مما نجم عنه إجبار ما يزيد عن مائة وخمسين ألف إنسان على العيش في معسكرات إبادة جماعية. ولم تترك السلطات البريطانية تحت حكم تشيرشيل وسيلة من وسائل التعذيب إلا ومارستها على أهل كينيا بما في ذلك الاغتصاب والخصي وإطفاء السجائر في المواقع الحساسة من الجسد والصعق بالكهرباء. 

إلا أن الضحايا الرئيسيين لوينستون تشيرشيل كانوا الهنود – الذين كان يستمتع بوصفهم "شعب متوحش صاحب عقيدة متوحشة". كان يريد استخدام الأسلحة الكيماوية في الهند لولا أن زملاءه في مجلس الوزراء البريطاني حالوا دون ذلك، والذين لم يسلموا من نقده اللاذع لما أبدوه حسب رأيه من "حساسية زائدة"، حيث كان يرى بأن "اعتراضات مكتب الهند على استخدام الغاز ضد أهالي البلاد الأصليين غير معقولة."

إن إضفاء القدسية على شخصية تشيرشيل وإبرازها كما لو كان رسولاً من رسل الحرية لأمر مستنكر إذا ما أخذنا بالاعتبار إعلانه في عام 1941 أن مبادئ الميثاق الأطلسي لا تنطبق على الهند ولا على السكان الملونين في المستعمرات. لقد كان يرفض اعتبار الشعوب الملونة بشراً من حقهم أن ينعموا بنفس ما ينعم به هو من حقوق، بل كان يعلن على الملأ: "لا مفر من أن يتم عاجلاً أم آجلاً التصدي للغاندية وكل ما تنادي به، وستسحق في آخر المطاف سحقاً تاماً."

في مثل هذه الأمور، كان تشيرشيل الأكثر رجعية في بني قومه الإنجليز، وكانت آراؤه غاية في الغلو والتطرف بحيث لم يكن ممكناً التماس العذر لها باعتبارها انعكاساً لما كان يؤمن به أهل زمانه. بل إن وزيره لشؤون الهند، ليوبولد آمري، اعترف بأنه لم يكن يرى فرقاً كبيراً بين سلوك تشيرشيل وسلوك أدولف هتلر.

ويعود الفضل إلى تشيرشيل في أن ما يقرب من أربعة ملايين بنغالي ماتوا جوعاً في مجاعة عام 1943، حيث أن تشيرشيل هو الذي أمر بتحويل مسار الطعام من المدنيين الهنود الذين يتضورون جوعاً إلى الجنود البريطانيين الذين لم تكن تنقصهم المؤن، بل وأمر بتحويل الفائض منها إلى المخازن الأوروبية في اليونان وفي غيرها. وعندما ذكره الناس بمعاناة ضحاياه من الهنود، كان رده أن المجاعة كانت بسبب ما كسبته أيديهم؛ لأنهم كانوا "يتكاثرون كالأرانب". 

في كتابه "حرب تشيرشيل السرية"، يصف ماذوسريموكرجي دور تشيرشيل في مجاعة البنغال ويسجل بالوثائق أنه بينما كان الهنود يعانون من الجوع، تضخمت أسعار الحبوب بسبب المشتريات البريطانية ولأن الفائض من حبوب الهند ذاتها كان يصدر. وفي نفس الوقت لم يكن يسمح للسفن الأسترالية المحملة بالقمح بتفريغ حمولتها في كلكتا (حيث كانت جثث الذين قضوا نحبهم جوعاً تنتشر في الطرقات). وما فعله تشيشرل حينذاك هو الأمر بشحن الحبوب إلى مستودعات التخزين في البحر المتوسط وفي بلاد البلقان لزيادة احتياطي المخزون من الحبوب تحسباً لغزو قادم لكل من اليونان ويوغسلافيا. وبذلك امتلأت مخازن الأوروبيين بينما كان البنغاليون ينفقون جوعاً. 

تمثل جوائز الأوسكار هذا الأسبوع ما يشبه سيرة القديسين في حالة هذا الرجل البغيض، وسيظل الإصرار على الرجوع إلى بعض الخطب المتعجرفة لغسل يدي تشيرشيل العنصريتين الملطختين بالدماء لغزاً يستعصي على الفهم بالنسبة لأهل العراق الذين كان تشيرشيل يريد تسميمهم بالغاز، وبالنسبة للمحتجين من أهل اليونان في شوارع أثينا الذين أمر تشيرشيل بدهسهم في عام 1944، وبالنسبة للكثير من الباشتون والايرلنديين، وكذلك بالنسبة للهنود من أمثالي. 

الكثيرون منا سيتذكرون تشيرشيل كمجرم حرب وكعدو للفضيلة وللإنسانية، كإمبريالي ضيق الأفق لا يزعجه ولا يقض مضجعه ما يمارس من اضطهاد بحق الشعوب الملونة. وفي نهاية المطاف، يتمثل إخفاقه الأعظم -وساعته المظلمة الطويلة- في سعيه المستمر لحرماننا من حريتنا. 

واشنطن بوست

1
التعليقات (1)
أحمد المداني
الخميس، 29-03-2018 09:23 م
كنا مخدوعين في هذا المجرم الذي تعد جرائمه مثل جرائم النازي هتلر

خبر عاجل