قضايا وآراء

مساعي إسرائيل للسطو على الهند!! هل تنجح المحاولة أم يحبطها مسلمو البلاد؟

مفاز أحمد يوسف
1300x600
1300x600

لوقت ليس بالبعيد، كانت الهند في مواقفها السياسية داعمة للقضية الفلسطينية كباقي دول وشعوب أمتنا العربية والإسلامية، إلا أن الصورة تغيرت، ودخلت إسرائيل على المشهد من خلال الاتفاقات التجارية في بعض قطاعات التكنولوجيا العسكرية والزراعة.


لا شك أن كل ذلك حدث مع مطلع التسعينيات، حيث كانت هناك إرهاصات بأن العرب ومن خلفهم الفلسطينيون مقبلون للتطبيع مع إسرائيل، وبعضهم –للأسف- اعتمد أسلوب الهرولة!! وبالتالي فليس هناك ما يقلق الهند على مصالحها وامتيازاتها التجارية مع دول المنطقة، وخاصة الخارجية منها؛ حيث العمالة الهندية التي تصل إلى حوالي تسعة ملايين عامل ومستثمر يتوزعون بنسبة كبيرة بين الإمارات والسعودية. 


ولذلك، عندما أقدمت الهند بالاعتراف رسميا بإسرائيل عام 1992 لم تحتج أو ترتج العواصم العربية والإسلامية على تلك السياسة، وإن كان الشارع العربي هو من أصيب بصدمة وخيبة أمل كبيرة، ومثله كان مسلمو الهند، الذين تربطهم بفلسطين والمسجد الأقصى صلات دينية ترجع إلى عهود الفتح الإسلامي.


إن العلاقات العربية الهندية -بشكل عام- ليست وليدة العصر الحالي، بل هي ضاربة في القدم؛ أي منذ الفترة التي سبقت حتى ظهور الإسلام، وتعززت تلك العلاقة في العصور اللاحقة كثيرا على المستويات كافة، خاصة الاقتصادية منها.


لا شك أنه عبر هذا التاريخ الطويل، شهدت هذه العلاقات فترات من التقارب والتباعد، لكنّ التفاعل ظلّ السمة العامة لها، وبخاصة بعد حصول الهند والدول العربية على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية. ويبلغ اليوم حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي والهند - بحسب إحصاءات العام 2014 - نحو 55 مليار دولار.


كشف المخطط الإسرائيلي: خطوة في الاتجاه الصحيح

 

 قرأت مؤخرا كتابا تحت الطبع بعنوان (تفكيك الخطاب الموالي لـ"إسرائيل": الهند نموذجا)، للأستاذين: د. محمد مكرم بلعاوي، وحسَّان عمران؛ من منتدى آسيا والشرق الأوسط، تناول الكتاب أبعاد تلك العلاقة بين الهند وإسرائيل، حيث نجح الباحثان - وبدرجة امتياز- في سبر أغوار تلك العلاقة، وتحليل جذورها والدوافع وراء قيامها.


سنحاول هنا استعراض بعض ما جاء في الكتاب، لقيمته المعرفية والتحليلية لقامتين علميتين، اجتهدا بما توفر لهما من المعلومات والدراية بالساحة الهندية، تقديم رؤية فاحصة تستحق أن يتابعها القارئ العربي، وكل مهتم بشؤون مسلمي تلك البلاد؛ باعتبارهم أحد أركان أمتنا الإسلامية.


العلاقة بين الهند وإسرائيل: السياق التاريخي

 

 تناول الباحثان بدايات العلاقة وتطورها في ظل ظروف تاريخية بالغة التعقيد، حيث تمَّ إحياء العلاقة بين الهند وإسرائيل في بداية التسعينيات من القرن الماضي، إذ شهدت تلك المرحلة التاريخية سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار جدار برلين، وانتهاء الحرب الباردة، وتبدّل موازين القوى العالمية، فصارت الولايات المتحدة الأمريكيّة تهيمن منفردة على السياسة الدولية، ما زادَ من أهمية إسرائيل نتيجة للعلاقة العضويّة بينها وبين الولايات المتّحدة، وكان من نتائج ذلك أيضا ميلاد اتفاق أوسلو عام 1993، وتوقيع معاهدة السلام الأردنيّة الإسرائيليّة عام 1994، وتهافت الدول العربيّة على رفع المقاطعة عن إسرائيل وتطبيع العلاقة معها، وهو ما جعل السياسة الخارجية الهندية تبحر مطمئنة باتجاه إسرائيل، دون توقع ردّات فع سلبية حقيقية من طرف العرب والمسلمين تجاهها، وهي تراهم يسارعون "هرولة " نحو إسرائيل سرا وعلانيّة.


ومما يُحسب للباحثين من فضل الجهد المعرفي أنهما - بأسلوب سلس وممتع – قاما باستقراء تاريخ الدعم الهندي لفلسطين، وتقسيمه إلى ثلاث مراحل زمنية، هي كما يلي:


أولا: ما قبل الاستقلال (1947) 
كانت قضية فلسطين قبل استقلال الهند، بلا شك، هي قضية إسلامية بامتياز، فالمسلمون في تلك المرحلة كانوا موحدين في دولة واحدة (الهند حاليا وباكستان وبنغلاديش) وكانوا أكثر قوة ومنعة، وقد تبنوا قضية الأرض المقدسة وبيت المقدس والمسجد الأقصى كقضية دينية، علما بأنهم كانوا أكبر تجمع للمسلمين في العالم، وكانوا ذوي قوة، إذ كانوا حكام الهند قبل الاستعمار البريطاني، وهم الأغنى والأفضل تأهيلا وتعليما في العالم الإسلامي، كما أنهم كانوا القوة الأساسية في الهند، التي يمكن أن تحوّل الهند لجحيم لا يطاق بالنسبة للاستعمار البريطاني، الأمر الذي أسهم -كما يرى البعض- في تريث وزارة المستعمرات البريطانية وتلكؤها بتنفيذ وعد بلفور، الذي قطعته بريطانيا للحركة الصهيونية. وهذا يفسر نقمة رموز الحركة الصهيونية كحاييم وايزمن وابن غوريون وبيغن على البريطانيين، واتهامهم بريطانيا بالتنصل من وعودها والخضوع للضغط العربي، إذ كانت القناعة السائدة في وزارة المستعمرات أن خطوة من هذا النوع يمكن أن تفجر الوضع في الهند وتجعله غير قابل للسيطرة، ويهدد بخسارة الهند كمستعمرة، الذي يمكن أن يجعل النظام الاستعماري البريطاني كله ينهار، وهو ما حصل لاحقا لأسباب أخرى.


ثانيا: ما بعد الاستقلال حتى نهاية الحرب الباردة (1947- 1992)
أوجدت أجواء الاستقلال عن بريطانيا وانفصال باكستان وما رافقهما من أحداث وأهوال، جوا شديد الارتباك بين مسلمي الهند؛ فقد خسروا وزنهم السياسي والاقتصادي وفي كل الصعد إلى حد بعيد. وفي ظل هذا الانشغال، أعلنت بريطانيا انسحابها من فلسطين، وتمَّ الإعلان عن تأسيس دولة إسرائيل.


منذ ذلك الحين، لم يعد للمسلمين ذلك الوزن والاعتبار في سياسة الهند الخارجية، فالموقف البراغماتي الذي كان مهاتما غاندي مضطرا لاتخاذه لإرضاء المسلمين في قضايا عدة، منها على سبيل المثال قضية نصرة الدولة العثمانية ومناهضة المشروع الصهيوني، لم يعد ضروريا عندما أتى جواهر لال نهرو إلى الحكم عقب الاستقلال، لكن برزت اعتبارات جديدة شجعت الحكومة الهندية على المضي في الطريق نفسه.


عقب ضعف الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينيات، وظهور ميخائيل غورباتشوف (1985-1991) بنظرية البريسترويكا (إعادة البناء)، التي كان مؤداها لاحقا تفكيك الاتحاد السوفيتي، ظهر جليا أن المعسكر الشرقي قد تلقى ضربة قاضية لن ينهض بعدها أبدا، فأصبحت الحاجة إلى تكتل وسطي بين المعسكرين منتفية، وبذلك انتهت عمليا منظمة دول عدم الانحياز.


وعندما رأت الحكومة الهندية أن إسرائيل خرجت رابحة من الحرب الباردة، نتيجة لتحالفها مع المعسكر الغربي، وأنها باتت تشكل مدخلا مثاليا لتقوية علاقاتها مع القطب الأوحد في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، وأنّ الفلسطينيين بدورهم يتفاوضون سرا وعلانية مع إسرائيل وهم على وشك توقيع اتفاق معها، استدعى رئيس الوزراء الهندي ناراسيما راو الدكتور خالد الشيخ، سفير فلسطين في نيودلهي، وأخبره أنهم سيعيدون العلاقات مع الكيان الصهيوني، عندها أسرع ياسر عرفات إلى الهند وقابل رئيس الوزراء، الذي أكد له أنه من مصلحة الهند في هذا الوقت إقامة علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل"، وهو ما حصل بالفعل في نفس العام 1992م، وذلك قبل توقيع اتفاقية أوسلو، فخرج عرفات غاضبا من الهند ولم يعد إليها حتى وفاته.


وعليه؛ صارت مواقف الحكومة الهندية منذ اتفاق أوسلو أكثر براغماتية تجاه القضية الفلسطينية، وخصوصا بعدما شعرت أنه لم يعد هناك أي نوع من الضغط باتجاه مساندة الشعب الفلسطيني، ما خلا ضغط بعض الدبلوماسيين والمفكرين الهنود الذين عندهم مواقف مبدئية من الصراع، ولذا حرصت على أن تقدم دعما محدودا للسلطة الفلسطينية، وتقيم بالمقابل علاقات على كل المستويات مع "إسرائيل" في مجالات تكنولوجيا الفضاء والصواريخ، والأمن، والزراعة والري، ومجالات لا يتسع المقام لذكرها، لدرجة أن الهند اليوم صارت أكبر مستورد سلاح من "إسرائيل"، بقيمة تبلغ ستة مليارات دولار سنويا، فضلا عن أوجه التعاون الأخرى.


وفيما خلص له الباحثان؛ د.محمد مكرم بلعاوي، وحسَّان عمران، أنه لم يعد لفلسطين وقضيتها اليوم في الهند كبير اهتمام على الصعيد العام، وذلك للأسباب التي سبق ذكرها؛ فالقوى التقليدية التي تقف عادة إلى جانب الفلسطينيين، كاليساريين، مُنوا بخسارة فادحة أضعفتهم كثيرا؛ إثر انهيار الاتحاد السوفيتي وزوال الشيوعية، فانحصر تأثيرهم في بعض الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني، وضعف في البرلمان بشدة. وأما المسلمون فهم منشغلون بمشاكلهم وقضاياهم التي لا تنتهي، وفعاليتهم المناصرة لفلسطين، وإن كانت موجودة فهي قليلة وجمهورها عادة من المسلمين، وقد تُحدث أحيانا ضررا أكثر مما تجلب نفعا للفلسطينيين.


لقد تناول الباحثان أيضا مضامين الخطاب الهندي الموالي لإسرائيل، بالشرح والإيضاح، مشيرين إلى ذلك بالقول: عند تحليل كتابات الصحفيين والباحثين والسياسيين الهنود المؤيدين للعلاقة مع إسرائيل، نجد أنّ مجمل خطابهم يقوم على مجموعة من المضامين التي برأيهم تجعل العلاقة مع إسرائيل ضروريّة، وهي تركِّز على الفوائد التي ستجنيها الهند من هذه العلاقة، ويتمّ الترويج لها من خلال مجموعة من مراكز الأبحاث المستقلة، وتلك التابعة لبعض الجامعات، ويقوم عليها أساتذة ممّن لهم علاقات بأشكال متنوعة مع الكيان الصهيوني، كما تقوم الصحف ووسائل الإعلام المختلفة بنشر أخبار ومقالات تصبّ في الهدف نفسه، وفيما يلي أهم المضامين التي يطرحها هذا الخطاب، التي يتصدرها قضية الحصول على تقنيات السلاح المتقدم، حيث تُقدّم إسرائيل على أنّها صاحبة تكنولوجيا عالية في مجال السلاح نتيجة لتعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية في التجارب العسكرية، وكذلك من خلال قدرتها على تطوير وتحديث الأسلحة الروسية، وخصوصا الدبابات، وقد حقّقت نتائج مميزة في هذا المجال، جعلت دول كبيرة مثل الصين تتعاون معها. وهكذا صوّرت إسرائيل الأمر وكأنه إذا أرادت الهند مواكبة تطوّر منظومات التسليح العالمية، فعليها التعاون مع إسرائيل، التي تعدّ - اليوم - ثامن أكبر مصدّر في سوق السلاح العالمي. ومن الجدير ذكره، أن الهند هي المستورد الأول للسلاح الإسرائيلي، مما يجعلها محط اهتمام مركزي عند ساسة هذا الكيان الصهيوني.


لا شك أن باقي الأسباب التي أوغل الباحثان في استعراضها من وجهة نظر بعض النخب الهندية ومن أنصار هذا الانفتاح الواسع مع إسرائيل، جاءت تحت العناوين التالية: الحصول على التكنولوجيا الإسرائيلية، والاستعانة بالخبرات الإسرائيلية في مجال الزراعة وتحلية المياه، وأيضا تبنّي المنظومات والتجهيزات الأمنية ومكافحة "الإرهاب"!! حيث تقدّم "إسرائيل" نفسها على أنّها ذات خبرة طويلة في مكافحة الإرهاب، من خلال مكافحة التهديدات الخارجيّة (الحروب مع الدول العربية وحزب الله)، والتهديدات الداخلية (المقاومة الفلسطينية)، التي يضعونها في سياق الإرهاب، فطوّرت أنظمة عاّلية التعقيد والفاعليّة في هذا المجال، سواء على مستوى الوقاية أو المواجهة، وذلك على المستوى العسكريّ والاستخباريّ والأمنيّ، وأصبحت "بيت خبرة" في مقاومة التيارات "الجهاديّة" الإسلاميّة، التي تُطرح في الهند كتهديد حقيقي. 


بالطبع لا يخلو الأمر من حوافز وإغراءات أخرى، مثل التلويح بفتح فرص الاستثمار ليس فقط في إسرائيل، بل أيضا بجلب وتشجيع الاستثمارات اليهودية حول العالم، وكذلك تدريب الكوادر وتطوير الموارد البشرية، كون إسرائيل متقدمة في هذا المجال على المستوى العالمي.


في الحقيقة؛ تمكن الباحثان من خلال التقييم والنقد من تفنيد كل تلك الأسباب ودحضها بالأدلة والبراهين، وكشف المستور في ألاعيب إسرائيل لتسويق نفسها عبر ماكينتها الدعائية بأنها الطريق لكسب التأييد والقبول لدى الأمريكيين، من خلال اللوبي الصهيوني القوي التأثير على صنّاع السياسة هناك.


إن قراءتي لهذا الكتاب الرائع، من حيث كنز المعلومات والتحليل الإبداعي المتميز، وما أشار إليه الباحثان من توصيات، وخاصة جهة الاستثمار في الأقلية المسلمة عبر رعايتها وتطويرها وتدريبها، حتى تكون أوراق تأثيرها قوية داخل بلدها. فالأقلية الهندية هي أقلية عريقة، ولكنّها مضطهدة أو مهمّشة، وهي تحتاج إلى تدريب وتأهيل ورعاية. 


لا شك أن مثل هذه الكتاب يعتبر تطورا نوعياً في تحريك الوعي العربي والإسلامي حول مخاطر هذا التغلغل الإسرائيلي، في بلد كان المسلمون فيه يمثلون 40% من مجموع السكان قبل الانفصال الذي وقع عام 1947، وقيام دولة باكستان.


إن علينا أن نعمل على تشجيع مثل هذه الدراسات العلمية المعمقة، للفت أنظار مسلمي العالم لأساليب الخداع الإسرائيلية، حيث إن ماكينة الدعاية (الهاسبرا) في هذا الكيان الصهيوني هي واحدة من أكبر الأدوات الإعلامية للتأثير في الرأي العام العالمي، لتسويق إسرائيل كدولة ديمقراطية تتعرض للإرهاب من قبل العرب والفلسطينيين!! 


إن الهند كشعب اكتوى بنار الاستعمار البريطاني، وعانى من نظام التفرقة العنصرية (الأبارتهايد) لعقود طويلة، لا يمكن خداعه بسهولة، فما تزال نخبه القومية والسياسية قواه الشعبية الحيَّة قادرة على تغيير معادلة العلاقة مع إسرائيل أو إبطاء سرعتها، ولكن هذا يتطلب أولا حراكا عربيا وإسلاميا لتفعيل الأقلية المسلمة هناك، لتشكيل لوبي ضاغط على الحزب الحاكم، والثاني هو اتخاذ هذه الجهات كمصر وتركيا والسعودية وإيران مواقف متوازنة، وتأدية دور إيجابي لتخفيف الاحتقان في العلاقة الهندية- الباكستانية. 


إن إسرائيل (الدولة المارقة) لن تستطيع الاستمرار في خداعها وتضليلها بتسويق لغة المصالح، والتلويح بورقة الحليف القوي لأمريكا، لإغراء الهند بالبقاء إلى جانبها، وتحمل ما تقترفه من جرائم حرب وانتهاكات بحق الإنسانية، فالهند دولة كبيرة تتقدم نحو صدارة مشهد العالمية، وهي مرشحة خلال عقد ونصف العقد أن تصبح ثالث أقوى اقتصاد عالمي، وهذا سوف يفرض عليها الابتعاد عن إسرائيل، حتى تحافظ على علاقاتها مع أكثر من مليار ونصف المليار من المسلمين حول العالم.


فالهند -تاريخيا- كانت في علاقاتها التجارية والإنسانية وإرثها الحضاري هي كنز أمتنا الإسلامية، ولن يغفل المسلمون طويلا عن عودة التواصل لاستعادة كنزهم الضائع.


1
التعليقات (1)
اينشتاين
الجمعة، 23-03-2018 09:24 م
نبدأ من أن الكيان الصهيوني يعتمد على علماء وليس على عملاء ، فرق شاسع بين العالم والعميل ، وحتى أوربا وأمريكا تتعامل مع المسلمين خصوصا على أساس العمالة التي يقدمونها ، فهم عملاء في نظرها ، العالم المسلم المتفوق تحتفظ به كبرى الجامعات الأمريكية والأوربية وتعتبره عميلا والعميل في منظورهم وجب استنزافه إلى أبعد الحدود ، العالم المسلم في منظور الغرب مضروبا في معامل العمالة يساوي عميلا ، واعلمي كذلك أن العالم في منظور الإسرائليين هو من يترك أثرا في واقع الناس ، لذلك تجدهم يعتمدون على ( الواحد كألف ) وزيادة ، هل تذكرين أن أول من تزعم أول منظمة صهيونية في العالم سنة 1928هو كيميائي اسمه ( حاييم وايزمان ) الذي ترأس الكيان الصهيوني سنة 1949 ، وايزمان حينما انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، لم يصطحب معه مغنين وراقصات وشعراء ، لقد اصطحب معه سنة 1929 عالم الفيزياء اينشتاين . اعلمي كذلك أن الهند قبل الاستقلال وقبل تعرض جسمها لما يشبه عملية تكسير العمود الفقري ، كان المسلمون يقتربون من النصف ، لم يأت ذلك من فراغ ، المسلم الهندي إلى جانب الهندي المجوسي بمثابة الخلية الواحدة يتغذى أحدهما من الآخر ويكسب أحدهما من الآخر مناعته ، الأخ إلى جانب أخيه في تناغم اللسان والعادات والوئام ، في ذلك المناخ والوسط التاريخ الرائع كانت الهند تشكل فعلا خزانا حضاريا متقدما في حضور المسلمين وذخر مستقبليا للتخلص من دائرة التخلف على خط التحرر نهائيا من دائرة الاستبداد ، هل تعلمين أن النكسة بدأت بانسلاخ ( باكستان ) ، صار الجسم الواحد جسمين وأكثر ، هل تعلمين أن غالبية علمائنا تحولوا بسرعة فائقة إلى ما يشبه العملاء ، لماذا ؟ لأن المهمة الأساس بالنسبة للمسلمين في هذا الكون هو " الشهادة " في حياة الناس ، مبدأ الشهادة الذي يحكم فكرة الاستشهاد ، تحولنا إلى عملاء لأننا غيبنا مهمة الشهادة ، فرح علماؤنا باستقلال باكستان ، القليل القليل حزن وتألم ، من بينهم المفكر الجزائري مالك بن نبي رحمه الله ، وحتى باكستان تحولت إلى بؤرة من الصراعات المصطنعة ، كل المعارك داخل باكستان ، ليست بين المسلمين والهندوس ، للأسف هي معارك بين المسلمين ، معارك طائفية لا حدود لها بسبب الأفكار التي انتقلت إليها من الجزيرة العربية تحديدا ، أفكار ميتة وقاتلة فصلت المسلمين عن عالم الشهادة بامتياز ، لذلك لا نستغرب تحول الهند إلى إسرائيل ، كما لا نستغرب فتح الأجواء السعودية اليوم من أجل العبور لإسرائيل ، إذا أردت أن يسترجع المسلمون الهند فعلينا أولا أن نسترجع باكستان ، وقبل ذلك وجب علينا أن نتحرر في حدود جزيرتنا العربية من الداء العضال . شكرا والسلام .