كتاب عربي 21

الجبير والإخوان

عزام التـميمي
1300x600
1300x600

يأتي كلام وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الذي حمّل فيه جماعة الإخوان المسلمين المسؤولية عن التطرف والإرهاب منسجما تماما مع التوجه الذي ما لبثت المملكة العربية السعودية تتبناه منذ انطلاق موجات الربيع العربي في أواخر عام 2010 ومطلع عام 2011، وهو توجه معاد لكافة أشكال الحراك الشعبي المطالب بالحرية والكرامة في المنطقة العربية، وبشكل خاص ذلك الحراك الذي يستلهم فكره ومنهجه من تعاليم الإسلام.

ففي محاضرة ألقاها في معهد إيغمونت، في العاصمة البلجيكية بروكسيل مؤخرا، قال الجبير إن "جماعة الإخوان هي الأب الذي أفضى إلى تأسيس منظمة التكفير والهجرة التي ظهر منها أيمن الظواهري، والتكفير والهجرة الأب الذي أدى لظهور القاعدة، والقاعدة هي الأب للنصرة وداعش؛ لذا نحن لدينا نظرة سلبية تجاه الإخوان، وبالخصوص الإخوان في مصر".

والحقيقة أن مزاعم الجبير مخالفة للواقع بقدر ما هي مخالفة للمنطق، فالإخوان المسلمون لا يتحملون المسؤولية عن أي من مظاهر الغلو أو التطرف التي شهدتها المنطقة العربية أو العالم الإسلامي بعد نشأة الجماعة في عام 1928، بل تتحمل المسؤولية عن كل هذه المظاهر أنظمة الظلم والاستبداد والفساد التي كانت باستمرار تستفز الناس وتدفع بنفر من الشباب المتعجل نحو مواقف غالية فكريا أو عمليا، بعد أن أغلقت في وجوه المطالبين بالإصلاح السلمي كل الأبواب، سوى أبواب السجون والمعتقلات، بل وصل الأمر بالأنظمة الدكتاتورية إلى تعليق بعض كبار المفكرين والموجهين المصلحين على أعواد المشانق، كما فعل نظام جمال عبد الناصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وكما هو ديدن النظام الانقلابي الحالي في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي، ذلك النظام الذي ما كان لينجح انقلابه لولا ما وفره له نظام آل سعود ونظام آل نهيان من تمويل ودعم سياسي وإعلامي؛ بهدف إحباط مشروع التحول الديمقراطي السلمي في مصر كجزء من الثورة المضادة التي أشعلوا نيرانها -وما زالوا يسعرونها- في كافة أنحاء العالم العربي، ما خلف دمارا وخرابا لم تشهد له المنطقة مثيلا في تاريخها منذ غارات المغول.

لم يزل منهج الإخوان في الإصلاح والتغيير منذ نشأة جماعتهم ملتزما بالإصلاح السلمي والتدرج فيه، بدءا بالفرد، مرورا بالأسرة، فالمجتمع، وصولا إلى الدولة، وقد ميز الإخوان تمييزا قاطعا بين مواجهة مخالفيهم أو معارضيهم وحتى جلاديهم من أبناء الوطن الواحد والمجتمع الواحد وبين مواجهة الغزاة والمستعمرين. فالصنف الأول ينبغي -في فكر الإخوان الأصيل وفي منهجهم- الصبر على دعوته وإرشاده وتوجيهه، كما ينبغي كذلك تحمل أي أذى قد يصدر عنه مهما بلغ؛ لأن إصلاحه وإصلاح من يليه هو الغاية.

أما الصنف الثاني، كالمستعمر البريطاني في الحالة المصرية والغازي الصهيوني في الحالة الفلسطينية والإسلامية عامة، فمقارعته بكافة الوسائل مشروعة إلى أن يتحقق إخراجه وتحرير بلاد المسلمين من براثنه، ولا يستثنى من تلك الوسائل القتال جهادا في سبيل الله، وكم كان للإخوان صفحات ناصعة البياض في ذلك حين تصدوا للمستعمر البريطاني في مواجهات القناة داخل مصر وفي فلسطين، وكذلك حين نفروا إلى فلسطين من كل مكان ليدفعوا عنها خطر الغزو الصهيوني اللعين. وظل الإخوان على هذا النهج طوال تاريخهم، ولم يحرفهم عن ذلك افتتان بعض المسلمين، بما في ذلك بعض أفرادهم، بل وانحرافهم، مثل أولئك الذين قال فيهم حسن البنا رحمه الله "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين"، ومثل من رد عليهم المرشد الثاني حسن الهضيبي في كتابه الشهير "دعاة لا قضاة".

ولقد حدثني بعض من أجريت معهم مراجعات لبرنامجي في قناة الحوار، ومنهم المرشد السابق للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف رحمه الله والأستاذ إبراهيم منير وأخيرا الشيخ يوسف القرضاوي، عن الحوارات الطويلة التي جرت داخل الإخوان في المعتقلات وخارجها حينما بدت أمارات تعجل البعض وحينما أوّل بعض الناس ما كتبه الشهيد سيد قطب بشكل أو بآخر لتبرير التكفير أو تبرير اللجوء إلى العنف. فكانت مثل هذه الحوارات وما رافقها من إجراءات معالجات شافية وواقية، نأت بالجماعة عن الغلو وصانتها من خطر التعجل والانحراف، ولفظت خارج صفوفها من لم يقتنع بمنهجها ويصبر على طريقها.

وتشهد رابعة على ثبات الإخوان على هذا الموقف، إذا نادى مرشدهم الأسير محمد بديع، فك الله أسره وفرج كربه هو وإخوانه، بأعلى صوته من ميدان رابعة العدوية -بينما كانت قوات السيسي وفلوله الممولة سعوديا وإماراتيا تفتك بالمتظاهرين والمعتصمين العزل- محذرا من أي انزلاق نحو الرد على العنف بمثله قائلا: "سلميتنا أقوى من الرصاص".

إن مثل عادل الجبير في تحميل الإخوان المسلمين المسؤولية عما نشأ في عالمنا العربي بل والإسلامي من مظاهر غلو وتكفير وعنف غير مشروع؛ هو مثل من يحمل جيل الصحابة المسؤولية عن ظهور فئة الخوارج الذين كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعا ويتوهمون أنهم يدافعون عن حياض الإسلام حينما اغتالوا أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه، أو قبل ذلك ظهور فئة عرفت باسم الثوار تورط بعضهم في سفك دم أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، أو مسؤولية النصوص الإسلامية، بل كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، عن انحراف بعض أبناء المسلمين الذين يشرعنون ويبررون العدوان على الأبرياء باسم الدين.

لئن كان ثمة من يتحمل المسؤولية عن ظهور تنظيم القاعدة ثم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فإنها الأنظمة العربية الفاسدة المستبدة، وعلى رأسها نظام آل سعود، الذي ما لبث منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي يستفز مشاعر المسلمين حول العالم ببذخه وإفساده واستجلابه للقوات الأجنبية وتورطه في تمويل الفساد والظلم في كل مكان.

وللناس أن تتصور ما الذي كانت ستؤول إليه أوضاع المسلمين اليوم لو لم يتدخل السعوديون والإماراتيون بكل ما أوتوا من مال ونفوذ لإفساد ثورات الربيع العربي والإطاحة بأول نظام سياسي منتخب في تاريخ المنطقة العربية بأسرها وفي تاريخ مصر الممتد عبر العصور. للناس أن تتخيل كيف كانت الشعوب ستفرز بإرادة حرة وكرامة مصانة من يمثلها في الحكم حقا، ومن تملك حق محاسبته واستبداله، وكيف كانت هذه الشعوب ستلغي ما أقامه المستعمر بينها من سدود وتكسر ما فرضته عليها الأنظمة المستبدة من أغلال وقيود، وكيف كانت فلسطين ستتهيأ للتحرر من رجس الصهاينة، وكيف كان المسجد الأقصى المبارك سيعود إلى حضن أمته بعد التحرير المرتقب.

ليس من المبالغة في شيء القول إن نظام آل سعود، ومثله في ذلك نظام آل نهيان، وعلى شاكلتهما أنظمة عربية أخرى جاثمة على صدور العباد في هذه البلاد، هي الكارثة الحقيقية التي ابتليت بها أمتنا، إنها العقبة الكؤود في وجه التحرر والنهوض، إنها العدو الأول للشعوب التي نهضت من أجل استعادة كرامتها وصيانة حقوقها.

أما الإخوان المسلمون، فهم فكرة نبيلة قبل أن يكونوا تنظيما، والفكرة لا تموت أبدا، إنها فكرة أن البشر عباد الله، وأن من حقهم أن يعيشوا حياتهم في أرض الله بحرية وكرامة، وأن من يسعى لاستعبادهم سيناله في نهاية المطاف ما نال النمرود وفرعون وكل طواغيت الأرض عبر الزمان.

4
التعليقات (4)
عبدالحميد
الإثنين، 18-03-2019 08:14 ص
حسبنا الله نعم الوكيل....??
عبد القادر/ هلسينكي
السبت، 03-03-2018 09:08 م
عن الجبير والإخوان... من يدين من؟ جواب يختصر النقد غير الواضح للمملكة العربية السعودية من طرف الكاتب،،لكننا كنا -ولازلنا- نطالب بتوضيح أكثر لأبسط نقد يضع النقاط على الحروف لتوضيح السلوك الإرهابي للدولة السعودية،،في ظل التحالف المقدس بينها وبين الإخوان منذ الخمسينيات من القرن الماضي..ابتداء من التحالف لإسقاط نظام عبد الناصر.. في حادثة المنشية..وتهريب الشهيد سيد قطب إلى السعودية...والتآمر على الوحدة بين مصر وسورية..ودور السعودية والإخوان...في تأييد المشروع الجهادي جنبا إلى جنب مع السعودية بقيادة المخابرات الأمريكية في أفغانستان...وصولا بمحاولة الإخوان المسلمين قيادة الربيع الربيع االعربي..ونوجيه الأخير في اتجاه الجهوريات ،،وتجنيب الامارات والمملكات والسلطنات ، تياره الجارف... فمن حاول من الطرفين المتحالفين منذ عقود..التربص بالآخر، والتحالف مع الأمريكان والصهاينة ،لنيل وسام التحالف على الآخر، والا جهاز عليه؟ أما حان الوقت لكشف المستور؟ ألا يحتاج الرد على "الجبير" التصريح ببعض الأمور التي تكشف الاسرار التي اصبح اهلها في ذمة الله..؟ اذا بقي الرد على الجبير في حدود التبرير.او الدفاع بدلا من الهجود،،فقد تسقط جبهة الأخوات الفكرية وإلى الابد؟ فما الذي يخافه الكتاب في إسقاط ورقة التوت بعد إسكات رجال الفكر الإسلامي في السعودية،،ووضع الإخوان على قائمة الارهاب،،؟ فمتى يقيم -في طريق التقويم- الإخوان الفكر الوهابي،،ويكشفون عن جوانب التعصب ،والتربية الخاطئة في تعاليمه،،مما سبب كوارث ليس أقلها تبعية أجيال من الناشئة العربية والمسلمة،القتال في سبيل امريكا،،وليس في سبيل تحرير فلسطين..والقدس،وما أدراك ما القدس في الفكر والعقل والوجدان،والعقيدة؟
مصري جدا
السبت، 03-03-2018 03:11 م
كلام الجبير وغيره من تلاميذ العلمانية المتطرفة ليس بجديد ولن يكون ،،، لكنها اعادة تدوير القديم من دورة حياة التيار العلماني والذي كلما انهكها السير في الطرق غير الممهدة وعندما تكسد تجارتها وتبور بضاعتها تبدآ من جديد بكم هائل من الهجوم الشرس تارة على الاسلام نفسه كما يفعل اطفال العلمانية في مصر وتارة على التيار الاسلامي كما يفعل جهال العلمانية في الخليج الذي كان متطرفا ومتشددا وصدر الينا اسلاما لم نعرفه ولم نآلفه وانفق على تلاميذ السلفية مليارات الريالات ، ثم هو الان ينفق على الترفيه الذي حرمه بالامس وحلله اليوم مليارات الدولارات ،، دورة حياة العلمانية المتطرفة الوجه الاخر للاسلام الوهابي المتطرف ،، لكنها لن تدوم فقد عاصرتها في حياتي وعمري الذي بلغ الان 58 عاما ثلاث مرات ،، مرة في الصغر اواخر عهد عبد الناصر ومرة في الكبر في اواسط عهد مبارك وهذه المرة في عهد آل سلمان وآل زايد وآل سيسي ،، التاريخ والواقع يقول انها ستكمل دورتها لتعود من جديد ،، لكن المدهش انها في كل دورة تكون سببا لاستنفار الايمان في قلوب المؤمنين وسببا لمزيد من الالتزام السلوكي الاسلامي وايضا سببا لبعض التشدد والتطرف ،، انها قوانين الكون وخاصة القانون الثالث لنيوتن ،، لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه وعلى خط عمل واحد ،،، المهم ان يعمل الاخوان وغيرهم عملا نثنرا وان يتعلموا من تاريخهم وآلا يقفزةا في الفراغ كما فعلوا في مصر فيضيعوا كل شئ ،،، مشكلة الاخوان ليست في خصومهم فقط مشكلتهم الاكبر في انفسهم قيادات وقواعد ،،، قيادات غير اكفاء وقواعد تابعة بطريقة مؤلمة ،،،
اينشتاين
السبت، 03-03-2018 02:42 م
القالب التنظيمي الذي وضعتم أنفسكم فيه بعد استشهاد الأستاذ حسن البنا رحمه الله ، هو ما جعلكم تبتعدون عن روح المجتمع وتتمسكون بروح التنظيم أكثر ، خير دليل هو التشهير لتنظيمكم الدولي الذي تجاهل خصوصيات الأوطان واستصغر المجهود القطري الذي اعتكف عليه خيرة أبناء تلك الأقطار ، تمسكتم بالشكل على حساب المضمون ، سادت الشعارات وأقامت لها مجتمعا داخل كل مجتمع من تلك المجتمعات ، فالتميز الذي ذكرته أنت بخصوص الحركة لم يكن تميز المواطن بأخلاقه ومبادئه التي حث عليها الإسلام ، بل كان تميزا شعاراتيا خاويا في أكثر الأوقات مما سهل على أنظمة الاستبداد ضرب القواعد الصلبة للمجتمع من خلالها وبواسطتها ، وسهل على الدوائر الاستعمارية توجيه آلة التشويه إلى كل ما هو إسلامي عبرها ومن خلالها ، كيف لمم تتفطن الحركة إلى وجوب تجاوز الشعار الذي حبسها داخل قفصها التنظيمي ، كيف لم تتفطن إلى وجوب تمليك مشروع الإصلاح للمجتمع فيحتضنه بجميع فئاته ؟ كل الذي سبق ذكره وملاحظات لا يسمح المقام بمناقشتها سهل على دوائر الاستبداد وروافده ضرب المجتمع المصري في أول استفتاء حر اختارت أغلبية مريحة رئيس البلاد بكل حرية ، حضر المجتمع وتعطلت القاطرة التي صارت غير قادرة على تحمل المهمة . شكرا والسلام .