قضايا وآراء

دكتور مصطفى محمود ورحلته من الشك إلى الإيمان

عصام تليمة
1300x600
1300x600
تحدثنا في مقال سابق عن تجربة الدكتور مصطفى محمود رحمه الله التي خاض فيها رحلة الإلحاد، ولم يقف عند مجرد التفكير، بل كتب كتابا بث فيه أفكاره التي كان واضحا فيه خطه الإلحادي. ولكن الرجل عاد بعد ذلك بقولة للإيمان المبني على العلم والتفكر والقناعة اليقينية بالله سبحانه وتعالى، في خطوة تمثل جرأة كبيرة، فكتب كتابه: "رحلتي من الشك إلى الإيمان"، فذكر بكل صراحة رحلته وتجربته، وكيف كان يخوض في بحر الشكوك، ثم انتهى به المطاف إلى شاطئ الإيمان بالله، وكتب أكثر من كتاب في الإسلام. ولكن في مجال الإلحاد كتب كتابا آخر وهو "حوار مع صديقي الملحد"، وكأنه وضع الأسئلة التي كان يثيرها في نفسه، ثم يجيب عنها مستخدما لغة العقل والعلم، ثم يضع النصوص القرآنية التي تشرح ذلك.

بين مصطفى محمود أن رحلة شكوكه بدأت من سن الثالثة عشرة، فبدأت مرحلة الأسئلة التي قال عنها: بدأت في مطالع المراهقة أتساءل وأُسائل أقراني في تمرد: تقولون: إن الله خلق الدنيا لأنه لا بد لكل مخلوق من خالق، ولكل صنعة من صانع، ولا بدل لكل موجود من موجد.. صدقنا وآمنا، فلتقولوا لي إذن: من خلق الله؟ أم أنه جاء بذاته؟ وإذا كان الجواب قد جاء بذاته وصح في تصوركم أن يتم هذا الأمر، فلماذا لا يصح في تصوركم أن الدنيا قد جاءت بذاتها بلا خالق وينتهي الإشكال؟! وقد رد على هذا الإشكال في كتابه "حوار مع صديقي الملحد"، حيث قال ما موجزه: لو كان للعبة التي لها "زنبلك" يحركها، لو كان لنا قدرة على فهم ما تفكر فيه، أو كانت تفكر، لظننت أن الإنسان الذي يلعب بها، ويشغلها عن طريق الآلة والمفتاح التي فيها، لظننت أنه أيضا يقينا لا بد من أنه لا يعمل إلا بـ"زنبلك" مثلها، وكذلك الساعة، وكل الآلات التي تعمل بتروس وأدوات، ولذا كان السؤال غير صحيح. فلو أن الخالق كان مثل المخلوق لما أصبح خالقا، سبحانه وتعالى.

وأكمل تفاصيل رحلته وكيف أن بداية دراسته في كلية العلوم، ثم الطب، وحبه لتشريح الجثث، وما نتج عن وضعه لجثة تحت سريره لفترة طويلة، مع المواد الطبية الحافظة لها، ما سبب له مرضا شديدا ألزمه الفراش ثلاث سنوات؛ كانت فرصته للعلم والقراءة، فتحولت محنته إلى منحة، وإن كان قد غره العلم، كما قال. المشكلة ليست في العلم أو الفلسفة، بل المشكلة فيمن يكون في بدايته فيصيبه الغرور والزهو بالنفس، ولكن بعد أن يكمل رحلته، يزداد تواضعا وتسليما بأن العلم لا يوصل صاحبه إلا إلى إيمانه بالله سبحانه وتعالى. فكما كان العلم في بدايته هو حافز مصطفى محمود للشك، كان العلم هو بوابته الكبرى لإيمانه بربه.

وتحول مصطفى محمود، مؤلف "الله والإنسان"، ذلك الكتاب الذي كان ترشح منه أفكار الإلحاد، إلى كاتب لا يخلو كثير من كتبه من دراسات إسلامية، وتأملات مفكر مسلم معتز بدينه، بل قام بعمل برنامج تلفزيوني جعل عنوانه: "العلم والإيمان". وقد طلبت منه الدولة المصرية في عهد السادات أن يعرض برنامجه في التلفزيون المصري، وقررت له مكافأة لا تساوي ثمن فيلم واحد من الأفلام التي كان يشتريها ثم يعرضها في برنامجه، ويختمه بنظراته الإيمانية التي يستخرجها من الفيلم العلمي المعروض. ثم اتجه إلى نشاط آخر، فكما يقول: كنت أنظر لكتبي على أنها مجرد كلام، فهل سألقى الله بكلام فقط دون عمل؟ وأن القرآن في مجمل آيات الإيمان يقول: الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فمع الإيمان عمل، فقلت: لا بد من عمل. فقام بإنشاء مسجد محمود، وما تبعه من خدمات صحية، وجمعية خيرية، وكان للمسجد والجمعية والمستشفى دورهم المبرز في المجتمع المصري. وهكذا تحول من كان يتشكك في إيمانه بالله، إلى موحد مؤمن عميق الإيمان به، بل إلى فاعل للخير سباق فيه، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

[email protected]
التعليقات (0)