كتاب عربي 21

"هشام جنينة".. في الصحة والمرض!

سليم عزوز
1300x600
1300x600

كان تقديري المبدئي، أن هناك شيئاً ما خطأ في الموضوع؛ فلو كانت الأشباح هي التي تسيطر على لسان المستشار "هشام جنينة"، فلما نطقت بما نطق به في المقابلة التلفزيونية الغريبة، التي بدا فيه الرجل مسلوب الإرادة!

لم يظهر من قام بهذا اللقاء، وإن قرأت استنكاراً من قبل أحد أصدقائه، لتجاهل الإنجاز المهني الهائل الذي قام به صديقه، مع أن صديقه لم يظهر أثناء الحوار، واكتفى بظهور صوته، فهل خشي من أن يجعله الحوار عرضة للتنكيل الأمني؟ وهل يعتقد أنه سيكون بعيداً عن "العلم الأمني"، ومن المؤكد أن منزل الرجل يخضع للمراقبة الأمنية، على مدار الساعة، بعد المحاولة الفاشلة لاختطافه، والقيام بالاعتداء عليه من قبل "شبيحة" كل الدلائل تؤكد أنهم تابعون لأجهزة الأمن؟!

بتتبع الأمر توصلت لصفحة من قام بإجراء هذا الحوار، وقد أعاد نشر ما كتبه صديقه عنه، بل وظهر في صورة له بجانب المستشار "جنينة" لتأكيد قيامه بالحوار، وكان الإعلان عن أنه صاحب هذه الخبطة، بعد واقعة القبض على "جنينة،" وتقديمه للنيابة العسكرية!

 

هل يعقل أن يكون "جنينة" قد أجرى الحوار، وانتظر أن يعثر المحاور على جهة تبثه؟


لا أعرف إن كان الفتى اعلامياً محترفاً، بحسب التعريف القانوني للاحتراف، أو أنه هاو، لكن المؤكد أنه لا يعمل في موقع "هاف بوست" الذي بث المقابلة؛ التي سمعت في البداية أن ما جاء فيها نشر على وكالة "رويترز" بدون إذاعة الفيديو، وأن من قام بها لا يعمل أيضاً في هذه الوكالة، وأنه عرضها عليها، كما عرضها على الموقع المذكور عقب الفوز بها، لنجد أنفسنا أمام سؤال لا بد من طرحه قبل الولوج إلى الموضوع، وباعتباره يمثل الشكل، الذي هو جزء من النظام العام، بحسب أهل القانون!

إن أول سؤال يمكن أن يكون "هشام جنينة" طرحه على من اتصل به ليجري حواراً معه، هو أين سيبث هذا الحوار؟ لا سيما وأنه شخصية قضائية كالمستشار هشام جنينة.. فهل يعقل أن يكون "جنينة" قد أجرى الحوار، وانتظر أن يعثر المحاور على جهة تبثه؟!

في الموضوع، فقد استقبلت ما قاله باستغراب شديد، وهو يقول إن الفريق "سامي عنان" لديه وثائق جرى تسريبها للخارج تكشف الطرف الثالث. وكان لافتاً ان "المحاور" يطرح سؤاله، ليجيب "جنينة" باستفاضة، ومستطرداً، فلم يكن واقعاً تحت إلحاح من يحاوره!

 

حتى لو كان ما قاله "هشام جنينة" رسالة تهديد لحماية صاحبه، فليس هكذا ترسل الرسائل السياسية، فهناك ألف طريقة وطريقة لإرسالها دون أن يتورط فيها هو بالصوت والصورة!

وقال إنه في حال تعرض حياة "عنان" للخطر، فإن من بالخارج سيقومون بإذاعة هذه الوثائق. وعندما سئلت عن رأيي فيما قال، تذكرت مصوراً صحفياً التحق بجريدتنا قبل ربع قرن، كان مصور الجريدة يحمل كاميرا متواضعة، "أبيض وأسود"، فجاء المصور المستجد ومعه أجهزة تمثل آخر صيحة في عالم التصوير. وإذ كلف رئيس التحرير زميلنا الراحل "هشام طنطاوي" بالنظر في أمره، فعاد ليخبره - وكان ابن نكتة - بأن الفتى إما أنه عبقري جداً، وإما أنه "عبيط" للغاية!

حتى لو كان ما قاله "هشام جنينة" رسالة تهديد لحماية صاحبه، فليس هكذا ترسل الرسائل السياسية، فهناك ألف طريقة وطريقة لإرسالها دون أن يتورط فيها هو بالصوت والصورة!

فصاحبنا عمل قاضياً، ويعرف خطورة ما قال، فضلاً عن أنه ليس الشخصية المتهورة التي يدفعه تهوره للتورط على هذا النحو، ولو على طريقة عليّ وعلى أعدائي، لشعوره بالإهانة بعد الاعتداء عليه من قبل الشبيحة الأمنيين، وهو - كما قلت عنه سابقاً - أنه ليس "وش بهدلة"، ولعل حذره يمثل أحد عيوب شخصيته، فقد كان الطريق ممهداً أمامه لقيادة حركة الجماهير المتعطشة لقائد، بعد الإطاحة به من رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات، لكنه خيب أمال الكثيرين فيه، لحذره وانضباطه، وقد كان يريد أن يمارس استقامته الوظيفية دون أن يخسر عبد الفتاح السيسي. وظل على هذا النحو حتى بعد الاعتداء عليه، حيث طالب "الرئيس عبد الفتاح السيسي تعيين حراسة" على منزله، وكأن المعتدي هو "الطرف الثالث" الذي لم يتم التوصل اليه! ومحاولته استمالة السيسي لمدة ثلاث سنوات قضاها في الوظيفة العمومية؛ هو ما دفع كثيرون من رافضي الانقلاب إلى اعتباره من الأعداء، والشماتة فيه، مع كل أزمة يتعرض لها، فلا تكتمل إنسانية المرء عندهم إلا إذا خرج للشارع وهو يهتف: "مرسي رئيس ومعاه الشرعية"!

 

إما أنه مستند على جهات نافذة في البلد تملك حمايته، وإما أنه "فاقد للوعي"، وللقدرة على السيطرة على كلامه، فقدم للسيسي خدمة عمره في التنكيل به وبصحبه الفريق سامي عنان!


كل ميسر لما خلق له، وإن كان يحسب للرجل، مع حذره وتردده (هل أقول وجبنه؟)، أنه كان من قضاة الاستقلال الذين خرجوا على مبارك، كما كان حريصاً على مراقبة حسابات جهات القوة، ممثلة في وزارتي الدفاع والداخلية، ثم أنه ومع كيد أهل الحكم له، خرج من وظيفته كالصيني بعد غسيله، فلم يضبط متلبساً بفساد، أو راعياً لفساد.

ورجل شخصيته تحتوي على هذا الكم الهائل من جينات الحذر والتردد، عندما يدلي بما أدلى به من كلام، عن "الطرف الثالث" الذي ارتكب المذابح منذ الثورة وإلى الآن، فهذا يعني أنه إما مستند على جهات نافذة في البلد تملك حمايته، وإما أنه "فاقد للوعي"، وللقدرة على السيطرة على كلامه، فقدم للسيسي خدمة عمره في التنكيل به وبصحبه الفريق سامي عنان!

 

احتمال آخر أن يكون ما قاله تم بناء على رسالته من سامي عنان، وبالمواجهة التي تمت في النيابة العسكرية تبين أن شيئاً من هذا لم يحدث، فلماذا قال ما قال وهو القاضي الدقيق في أحكامه، والذي يعرف بدراسته للقانون خطورة ما أدلى به؟


قلت لزملائي إنه بدا لي كما لو أن كان جهة عليا في البلاد قد سيطرت عليه وحرضته لأن يقول ما قال، لأهميته وخطورته، وأنه في معيتها، وأنها قادرة على حمايته، فهل يعقل أن يقول هذا من تلقاء نفسه، وهو في لياقته الذهنية، ويتمتع بسلامة قواه العقلية؟

احتمال آخر أن يكون ما قاله تم بناء على رسالته من سامي عنان، وبالمواجهة التي تمت في النيابة العسكرية تبين أن شيئاً من هذا لم يحدث، فلماذا قال ما قال وهو القاضي الدقيق في أحكامه، والذي يعرف بدراسته للقانون خطورة ما أدلى به، لا سيما عند الوقوف على التفاصيل، التي نشرها موقع "هاف بوست"؟ ولست متأكداً من صحة ما نشر عن هذه المعلومات، التي لو صحت لمثلت جريمة عسكرية يعاقب عليها القانون، عندما يقال إن وثائق خاصة بالمجلس العسكري جرى تسريبها للخارج!

 

"هشام جنينة" له سوابق في مجال الاستدراج الإعلامي، وقد استدرج وهو في صحته، بتصريحه عن حجم الفساد، والذي نشرته "اليوم السابع"، واستخدم للإطاحة به، باعتباره يسيء للدولة المصرية

هل غُرر به؟.. هل تم استدراجه للقضاء عليه؟ وربما طي صفحة "سامي عنان" وهذا هو المهم، فإذا كان قرار اختيار "هشام جنينة"، وقبله اختيار "حازم حسني"، نائبين له وكنواة لدولته المدنية، هو الاختيار الصحيح، وأوقف مزايدة الرافضين له باعتباره شخصية عسكرية، والدعوة المعلنة هي ينبغي طي صفحة العسكر إلى النهاية، فها هو أحد النواة الصلبة لدولة "عنان" يتهاوى؟!

"هشام جنينة" له سوابق في مجال الاستدراج الإعلامي، وقد استدرج وهو في صحته، بتصريحه عن حجم الفساد، والذي نشرته "اليوم السابع"، واستخدم للإطاحة به، باعتباره يسيء للدولة المصرية، ويوصمها بالفساد، فهل استدرج في مرضه؟!

عندما يكون الحوار الصحفي مكتوباً، يمكن التلاعب به، لكن حواره كان متلفزاً، ولم يقل إنه تعرض لمونتاج أخل بمضمونه مع سبق الإصرار والترصد!

 

"هشام جنينة" لم يكن في كامل وعيه وهو يدلي بهذا الحوار. هذا من الناحية القانونية، أما من الناحية السياسية، فقد انتهى "هشام جنينة"، الرجل الذي لم يكن مؤهلاً للقيام بأي دور سياسي


لقد فاجأت هيئة الدفاع الرأي العام في بيان لها، وهي تطلب من النيابة العسكرية عرض "الموكل هشام جنينة" لمستشفى متخصص لمتابعة حالته، وعلى أساس أنه يعاني من صدمة نفسية نالت من توازنه العصبي؛ لأنه أدلى بما أدلى به من حديث صحفي وهو في حالة انهيار في الحالة الصحية العامة من جراء صدمة التعدي عليه، وما كتبه له الأطباء من مسكنات ومهدئات ذات آثار سلبية يقينية على الوعي والإدراك الكاملين.

من حق المحامي أن يبحث عن أي وسيلة لتبرئة ساحة موكله، لكني مع ذلك أسلّم مع الدكتور "حسام لطفي" المحامي؛ بأن "هشام جنينة" لم يكن في كامل وعيه وهو يدلي بهذا الحوار. هذا من الناحية القانونية، أما من الناحية السياسية، فقد انتهى "هشام جنينة"، الرجل الذي لم يكن مؤهلاً للقيام بأي دور سياسي، فهو ليس أكثر من مسؤول عظيم بجهاز رقابي في مجتمع قاس، يبحث عن زعيم كما يتم البحث عن "إبرة في كومة قش"، ظنا منه أنه يكفي أن يكون الإنسان نزيهاً وشريفاً لكي يصبح زعيما يقود حركة الجماهير، مع أن الاستقامة الوظيفية هي في حدودها، وليس كل شريف يصلح قائداً، أو زعيماً!

 

لقد انتهى "هشام جنينة" كما انتهى "البرادعي" من قبل؛ لأنهما لم يكونا مؤهلين للدور المطلوب منهما القيام به

ومع خيبة الأمل، سيواجه المستشار "جنينة" بالوجه الآخر لقسوة المجتمع، الذي يربط بين المرض النفسي والجنون، والذي يرى في تعرض إنسان لصدمة عصبية ما يفقده الثقة والاعتبار. فالزعماء لا يمرضون أصلاً، فما البال لو كنا أمام مرض نفسي.

لقد انتهى "هشام جنينة" كما انتهى "البرادعي" من قبل؛ لأنهما لم يكونا مؤهلين للدور المطلوب منهما القيام به، ولو على غير رغبة منهما، فنتج عن نفخ الجماهير أداء سلبي، عاد في حالة الأخير على البلد كله بالسوء، وأضر بمصلحة الأول وأسرته واستقرارها العام لقيام راعيها بدور لم توطن نفسها له!

خرج "البرادعي" إلى الخارج، وقد وسعه بيته، ونتمنى أن يتم التماس العذر القانوني لهشام جنينة ليخرج إلى بيته وأسرته.

فكل ميسر لما خلق له، وليس كل الشرفاء مؤهلين لأن يكونوا زعماء سياسيين!

وقديما قال المتصوفة، إن من المآسي أن يكلف المرء نفسه من البلاء ما لا يطيق!

صدق المتصوفة..

التعليقات (2)
احمد
الإثنين، 19-02-2018 05:47 م
مقالاتك رائعه لكنها ممله وطويله وانشائيه خير الكلام ما قل ودل
حرفوش
الجمعة، 16-02-2018 11:59 م
لا استبعد امتلاك الفريق سامى عنان لهذة الوثائق باعتبارة الرجل رقم 2بعد وزير الدفاع اثناء الثورة ولكن هل أخبر المستشار جنينة بذلك ام أن جنينة علم من شخص آخر غير الفريق عنان الشاهد ان جنينة لايكذب بشهادة الكثيرين عنة ولا يمكن لأى أعلامى أن يستدرجة بأن يجعلة ينطق كذبا وحتى أذا كان ماحدث صدقا فنحن لسنا أول دولة فى التاريخ ولن نكون آخر دولة يفشي لها أسرار كبار قادة جيشها فهذا يحدث فى أقوى الدولة عسكريا ولا يمس أمنها القومى بشىء نحن فقط نصنع من الحبة قبة فهذة الوثائق اذا عرضت صباح مساء واذا كان كل مافيها يسىء للمجلس العسكرى فلن تحرك ساكنا واسألو تسريبات نيوز ويك الأمريكية وغيرها من التسريبات