مقالات مختارة

ماذا يريد حكام الإمارات من تونس؟

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

بعد نشر صحيفة الشرق وبعض المواقع معلومات عن التدخل الإماراتي في الشأن التونسي، تذكرت بعض الحقائق منها أن الزعيم الحبيب بورقيبة عندما أسس الدولة التونسية الحديثة سنة 1956 أرسى عقيدتها على الفصول الأولى من الدستور، التي تؤكد سيادتها واستقلال قراراتها، فكانت الجمهورية التونسية قوية بهذه المبادئ، عزيزة الجانب مهيبة المؤسسات، رغم ما طرأ عليها من أحداث متعاقبة هزت الأنظمة الحاكمة لكنها لم تزعزع كيان الدولة، ولم تفت في عضد روادها من جيل الاستقلال، وأنا ما أزال معتقدا أن نجاح الثورة التونسية رغم شراسة الثورة المضادة هو نتيجة صلابة الإدارة التونسية.

 

وسبق أن قلت في 2011 بأن البطل الأول في الثورة التونسية التلقائية هي الإدارة التونسية، حيث لم يتصدع بناؤها في عاصفة الفوضى التي رافقت الثورة فلم ينقطع الماء ولا الكهرباء، ولم تخل الأسواق من الضروريات ولم توصد المدارس والجامعات أبوابها ولا المستشفيات أغلقت مراكزها الصحية ولا تعطلت حركة النقل العمومي لا في البر ولا في البحر ولا في الجو ولم توصد البنوك شبابيكها ولم تنقطع الرواتب للموظفين ولا الجرايات للمتقاعدين، ما أثبت أن الدولة متواصلة، وسبق أيضا أن صرحت في الفضائيات سنة 2011 بأنه لا يمكن تعويض الدولة المستبدة بحالة اللا دولة!

 

واليوم يكتشف التوانسة أن الإمارات العربية تريد لبلادهم غير ما يريدون وأنها جندت مستشارها الفلسطيني محمد دحلان لينسج شبكات تواصل وتأثير تعمل بين تونس وباريس من أجل تنفيذ أجندات مفروضة ومرفوضة ونأمل أن يتولى القضاء التونسي مهام البحث والاستقصاء حتى لا تقع الدولة العتيدة العريقة ضحية تدخلات أجنبية مشبوهة تضخ المال الفاسد وتمول بعض الفاسدين وأهل الطمع والجشع ليكونوا بيادقها في مرحلة حساسة من الانتخابات وسن الخيارات وتحديد الأهداف الوطنية. 

للتذكير عولت بلادنا في التسعينيات على دول الخليج لتفعيل استثمارات تنموية تعود بالنفع علينا وعلى الخليج فإذا بالإمارات تعلن عن مشروع ضخم تموله مجموعة "سما دبي" القابضة تنشأ عنه مدينة تونس العاصمة الجديدة وقامت السلطات التونسية قبل التأكد من ضمان التمويل بهدم معالم معمارية ومحلات تجارية حول ميناء تونس فتحولت أجمل أحياء قلب العاصمة التونسية إلى أطلال وأغلق أكبر الموانئ وأنجحها اقتصاديا وأروعها عمارة وتم ترحيل آلاف التجار والمتساكنين من دائرة الميناء وتعويضهم نسبيا وظل التوانسة منذ عشرة أعوام يراقبون بصبر وأسف وحزن تلك المجزرة المعمارية وهم يرون الربع الخالي الجديد يستقبلهم حين يدخلون العاصمة من جنوبها على أمل أن تشرع شركة "سما دبي" في البناء على أنقاض الميناء ما برمجته الإمارات من مشروع ضخم! وطال الانتظار حتى أعلنت "سما دبي" إفلاسها سنة 2008 ورحلت من تونس تاركة مقرها الإداري الفخم مثل المعبد البوذي المهجور يقرأ السلام على كل قادم من الضاحية الجنوبية للعاصمة المنكوبة!

ثم جاءت ثورة الربيع العربي التلقائية فركب موجتها جميع الانتهازيين من أولئك الذين كانوا مناصرين لجميع الأنظمة وساكتين عن جميع المظالم وتدخلت الإمارات بإهداء سيارات مصفحة لبعض المرشحين الذين سلموها للدولة التونسية ولم يستعملوها واشتغلت الأجهزة الإعلامية والدبلوماسية المرتبطة بالإمارات لتحويل وجهة بعض السياسيين وأحزابهم نحو خدمة أجندة معلنة وهي منع هذا التيار السياسي أو ذاك من الحصول على ثقة الناس ثم جندت آليات إعلامية تبث من باريس ومن تونس للإساءة المستمرة الممنهجة لدولتين شقيقتين هما قطر وتركيا، في حين أن كلا من السيد رئيس الجمهورية ووزير الخارجية السيد خميس الجهيناوي صرحا أكثر من مرة على القنوات الفضائية بأن من وقف مع تونس وساعدها بالفعل لا بالقول هما قطر وتركيا، وأن هاتين الدولتين الشقيقتين لم يصدر عنهما ما يمس الخيارات الوطنية، ولم تشترطا في التعاون مع تونس أي تنازلات سياسية أو ترضيات انتخابية! فأصبحنا نسمع في البرامج الحوارية محترفين مسخرين لشتم قطر دون حجة أو دليل بل وتطوع أحد هؤلاء المهرجين فنعت قطر بأنها (قطرائيل)، في حين يعلم جميع العرب أن قطر هي التي تحملت أمانة إعادة إعمار قطاع غزة، وهي التي كسر أميرها حصار غزة، وآخر أعانة وصلت القطاع منذ أسبوع بملايين الدولارات لإعادة تشغيل شبكات الكهرباء وتجهيز المستشفيات في غزة، ثم إن قطر هي الوحيدة بين العرب التي أعادت إعمار جنوب لبنان بعد تحريره، وهي التي وقفت صامدة ضد القرار الجائر الموحى به من إسرائيل بتصنيف حماس وحزب الله منظمات إرهابية!

سبحان الله يا حكام الإمارات ويا من تذيلتم من أتباعها لتسويق الأراجيف مدفوعة الأجر لشيطنة دولة قطر واتهامها بالإرهاب بينما اعتبرت واشنطن منذ أسبوعين أن قطر شريكة ناجعة وأمينة في مقاومة الإرهاب في حين يصنف الاتحاد الأوروبي تونس في قائمة سوداء تتعلق بالتهرب الضريبي وتبييض الأموال! ويكيلون التهم لدولة تركيا وهي التي ارتقت باقتصادها وصادراتها من المرتبة 116 إلى المرتبة 11 عالميا! نعتقد أن المخططات أكبر مما يظن المغفلون! كل تلك الممارسات المريبة هي في الحقيقة من أجل تمرير "صفقة القرن" التي أصبحت مكشوفة لكل ملاحظ أمين. هل تريدون من تونس أن تنخرط في تلك الصفقة التي هدفها تصفية القضية الفلسطينية وانتهاك الحل النهائي للحقوق الفلسطينية؟ هل تبيعون شرف تونس وتاريخها من أجل مخططات إمبريالية جديدة تهدف إلى تقاسم بلاد العرب والمسلمين في صفقة "سايكس بيكو" ثانية بعد قرن من الأولى؟

الشرق القطرية

0
التعليقات (0)