مقالات مختارة

في الذكرى السابعة للربيع العربي عندما كان ربيعا

عبد الحميد صيام
1300x600
1300x600

قبل سبع سنوات بالتمام والكمال، هبت نسائم الحرية في أرجاء الوطن العربي الكبير؛ فهزت العروش وأطاحت برزمة من الطغاة، وهددت الديكتاتوريات العريقة وأحنت رؤوس السلاطين، الذين راحوا يقدمون الرشاوى لشعوبهم لشراء الولاء. 

مع انطلاق شعلة الثورة الشعبية من سيدي بوزيد في تونس، تفاءلنا بأن نهاية عصر الذل والخنوع والتفتيت وهدر الأموال قد بدأت. انفتحت شهيتنا لكل ما يبشر بمستقبل عظيم لهذه الأمة، التي سفهتها مجموعة من الجهلة والقتلة والمتخلفين ذهنيا وجسديا. بتنا نحلم، ومن حقنا أن نحلم، أن عهد الطغاة الأكثر رعونة ووقاحة يكاد ينتهي، كما انتهى من قبله طغاة أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وإفريقيا. 

رقصنا في الشوارع والساحات بعد سقوط فرعون مصر الذي كان بمنزلة كلمة السر التي تلقتها جماهير الأمة من محيطها إلى خليجها، فانطلقت إلى الساحات والميادين رافعة شعارا يهز الجبال: «الشعب يريد إسقاط النظام».

هاج بي الشوق إلى تلك الأيام بعد انقضاء سنوات سبع عجاف، تحول فيها الربيع إلى أرض يباب، واستبدل الطغاة بطغاة أكثر شراسة وقبحا، معلنين انتصار قوى الثورة المضادة الممثلة في العملاء والعسكر والإرهابيين وجماعة البتروردولار. فتحت دفاتري على ما خربشت من مقالات عام 2011 حول ذاك الربيع المغدور، لأستذكر فرحة تلك الأيام مرة أخرى:

تونس: انكسر القيد واستجاب القدر – طوق من الياسمين على جبين أبي القاسم 25/1

مئات الألوف يا أبا القاسم، التي تربت على وقع كلماتك الخالدة، التي أطلقتها من مصحتك التي كنت تعالج فيها في «عين دراهم» قبل نيف وثمانين سنة، خرجت وجابهت الرصاص وانتصرت عليه. أبناؤك يا أبا القاسم الذين لم تنجب أيا منهم، لكنهم جميعا كونوا وعيهم على يديك، قرروا صعود الجبال، لأن الذي لا يتحدى الصعاب «يعش أبد الدهر بين الحفر». قم يا أبا القاسم استقبل شعبك العظيم الذي انتفض لكرامته وعزة نفسه، وقرر أن يعانق الحياة، لأنه لا يريد أن «يتبخر في جوها ويندثر». أنظر الألوف المؤلفة في شوارع بوزيد والعاصمة وصفاقس والقصرين ونابل وسوسة وحلق الواد، وهي تردد معا نشيد الحياة الخالد الذي تعلمناه في مشارق الوطن العربي ومغاربه منذ طفولتنا. أنظر إلى سواعدهم المتشابكة وهي تهتف يا أبا القاسم للحرية، كما علمتهم وبثثت فيهم دروس التحدي والتغلب على الصعاب، وأن النفوس إذا طمحت في الحياة «فلا بد أن يستجيب القدر».

هذه مصر التي نعشق 7/2

هذا وجه مصر الجميل الذي عرفناه وعشقناه منذ فتحنا عيوننا على هذا الكون. هذا هو الوجه البريء «النقي التقي» لحبيبتنا أرض الكنانة دون أصباغ أو شد وجه أو صباغة شعر. هذا هو الوجه الغض الأسمر المرتوي بماء النيل العذب، الذي تربينا على عشقه منذ الطفولة. هذه هي الجماهير التي تمثل طيبة الشعب المصري واعتزازه ببلده واعتداده بكرامته والتزامه بقضايا أمته. بدأت نهاية عصر التشويه والتهميش والفساد. بدأت نهاية تحويل مصر إلى حارس للمصالح الإسرائيلية، على حساب لقمة عيش البسطاء والغلابى وسكان القرافات. هذا صوت مصر الجميل الذي تربينا عليه جميعا، وتلقيناه علما وأدبا من عباس محمود العقاد وطه حسين وأحمد أمين وشوقي ضيف وجمال حمدان. هؤلاء الشباب الأنقياء هم الذين يحملون ميراث محمد عبدو وقاسم أمين وأحمد لطفي الزيات ومصطفى المنفلوطي ويحيى حقي ومحمود تيمور ويوسف السباعي وتوفيق الحكيم وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس ونجيب محفوظ. هذه الجماهير هي الوفية لتراث أمير الشعراء أحمد شوقي وشاعرالنيل حافظ إبراهيم وأحمد رامي وإبراهيم ناجي وأمل دنقل وأحمد عبد المعطي حجازي وصلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد نجم. هذه مصر التي رضعنا علمها وأدبها وفنها ورواياتها ومسرحياتها ومسلسلاتها وأغاني سيدتها وأهازيج عندليبها وألحان موسيقار أجيالها. هذه مصر التي عشقناها أطفالا وتعلمنا على يديها طلابا، وافتخرنا بإنجازات ثورتها يافعين، ورقصنا لإنجاز سدها العالي وبكينا حرقة عند هزيمتها وهزيمتنا جميعا، وسرنا في جنازة زعيمها. تفضلي يا مصر فكرسي قيادة الأمة الخالي منذ زمن بانتظارك.

الثورة اليمنية.. قد قارب ليلك بالبلج 26/6

الجديد لم يكتمل بعد والقديم لم يندثر تماما، هذه حال الثورة اليمنية العظيمة الآن. الميلاد رغم عسره سيتم بهدوء وسيخرج عنه نموذج رائع للدولة المدنية الراقية، التي ستستفيد من تجربة ارتهان البلاد لطاغية جاهل شبه أميّ لأكثر من 33 سنة. دولة عصرية تقام على أساس متين من سيادة القانون وتداول السلطة والتعددية السياسية والشفافية ونظام مساءلة سليم وحماية لحقوق الإنسان وانطلاق عقلاني نحو التنمية والتطور والاستقرار، لتؤدي دورا إيجابيا في قضايا المنطقة وعلى مستوى عالمنا العربي الكبير.

أنا من أشد المعجبين بالثورة اليمنية الخلاقة المبدعة الحضارية الشجاعة، وربما تكون الأرقى والأعظم من بين الثورات العربية المعاصرة. فرغم أن الشعب اليمني مسلح ولا تكاد تجد رجلا واحدا دون حيازة سلاح فردي أو القدرة على حيازته أنّى ومتى شاء، بعكس الشعبين التونسي والمصري، إلا أن الشعب اليمني العظيم ظل متمسكا بثورته السلمية وبشكل أسطوري، رغم ارتفاع عدد الضحايا الذين اغتالهم بلطجية النظام المتهاوي.

ليبيا – العقيد من القومي إلى الأممي إلى سقوط جماهيرية الوهم 1 /4

ليس من الغريب بل ومن المنطق، عندما هب الشعب الليبي الطيب الصبور أن يجد العقيد نفسه محاصرا من دون أصدقاء، لا في الممالك الإفريقية التي نصب نفسه ملكا عليها كلها ولا عند القادة العرب الذين أعلن أنه عميدهم، ولا ثوار إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، الذين يدعي أنه قائدهم. ها هو قائد جماهيرية الوهم يسقط وحيدا في باب العزيزية من دون أنصار ومن دون أصدقاء ومن دون أتباع. يسقط وحده وأبناؤه وحفنة من زبانيته الفاسقين، ومن تبقى من المرتزقة الذين استأجرهم لذبح شعبه. وكغيره من الطغاة، لن يجد في هذا الكون من يذرف دمعة عليه، بل ستسري موجة من الفرح لدى أبناء الشعب العربي كلهم، وأولهم أحفاد عمر المختار الذين أذلهم واحتقرهم، عندما قرر نقل رفات أسد الصحراء من بنغازي إلى بلدة سلوق في مجاهل الصحراء عام 1980، وإقامة سوق تجاري مكانه، لأن الطاغية لا يعترف بتاريخ لليبيا قبل انقلابه المشبوه في الفاتح من سبتمبر1969.

الثورة المنسية في البحرين 3/5

مسألة الحرية لا تتجزأ. والانتصار للحرية والكرامة في مكان يتطلب من حيث المبدأ أن تنتصر لها في كل مكان. فعندما نقف ضد الطغاة في تونس ومصر واليمن وليبيا لا نستطيع أن نختفي ونتهرب من الوقوف ضد الطغاة الآخرين، من مشارق البلاد إلى مغاربها، انطلاقا من سوريا وليس انتهاء بالبحرين أو السودان. 

من هذا المنطق وقفنا وما زلنا مع ثورة اللؤلؤة، التي نعتبرها ثورة حضارية بكل المقاييس: فهي ثورة حافظت على سلميتها، وظلت إلى حد بعيد ثورة مطلبية، وجمعت، خاصة في البداية، أطياف المجتمع البحريني كافة، قبل أن تصدر الفتاوى بأنها تمرد طائفي لتسهيل قمعها من قوات درع الخليج. كان يمكن للبحرين أن تكون نموذجا فريدا في الحرية والعدالة والسلم الداخلي والرخاء الاقتصادي لو انحنى النظام العائلي قليلا، حقيقة لا تكتيكا، للثورة المطلبية التي كانت ترفع شعار: الشعب يريد إصلاح النظام. إن الأسباب التي قامت من أجلها الثورة ما زالت قائمة وربما أعمق من ذي قبل، ولا نتوقع للحراك أن يخمد إلا بتحقيق المطالب الجوهرية الأساسية.

سوريا: الشعب يريد إصلاح النظام (أيام قبل انطلاق الثورة) 8/3/ 2011

الشعب في سوريا قد لا يختلف مع النظام في سياسته الخارجية. الخلاف على ما يجري في الداخل. الشعب قد لا يريد تغيير الرئيس، ولكن ترشيد حكمه وإلغاء الأجهزة الأمنية والتمتع بالحريات الأساسية، ووقف الفساد والمفسدين. الشعب لا يريد أن يرى سجين رأي واحدا. نظرية الحزب الواحد والحزب القائد والحزب الطليعي انتهت. دع الشعب يختار ممثليه بطريقة صحيحة، وأن ينتخب برلمانا حقيقيا يمثل آمال الشعب وآلامه وليس «شاهد ما شافش حاجة». الشعب سيبقى يناضل إلى أن يصل إلى بناء الجمهورية الراشدة المنيعة، التي تتيح التعددية وتداول السلطة وتلتزم بسيادة القانون وترفع من قيمة المواطن، وتحمي الوطن من التحديات الخارجية العديدة والتهديدات المستمرة من العدو الذي يحتل جزءا من الأرض الغالية على قلوب الشعب عامة. يومها سيحمل الشعب الرئيس إلى سدة الرئاسة طوعا لا كرها. 

تعليق- سنبقى نحلم بعودة الربيع فـ«ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل».

 

القدس العربي

1
التعليقات (1)
بشير
السبت، 10-02-2018 02:00 ص
المشكلة في كوننا قاربنا الاستحقاق الجماهيري مقاربة سياسية ، لذلك حضرت الشعوب وغابت قاطرة القيادة ، ومما عقد المشهد أن جو الاحتفالية غلب على كل نشاط ، ذلك الذي ساعد هوامش الاستبداد من استرجاع زمام المبادرة ، إذا كان ولا بد من مقاربة آمال الشعوب وطموحاتها فليكن بناء على رؤية سننية كلية متوازنة تقارب مشروع الأمة الحضاري .