كتاب عربي 21

"سوريا وايت": ملاحظات على فيلم هندي من هولندا!

أحمد عمر
1300x600
1300x600
وجدت معارف نابهين وأصدقاء حاذقين؛ قد شاركوا الفيلم الهولندي، مع ثناء وتقريظات تصفه بالمؤثر. هو فيلم من إنتاج أمنستي، وعنوانه على فيسبوك: "ماذا حصل عندما اختبر هولنديون رحلة لجوء السوريين عن طريق التنويم المغناطيسي! شارك الفيديو، ودع الجميع يشاهد ردة فعل الهولنديين على قصة لجوء السوريين". وعنوان الفيلم حسب شارته "رحلة من خلال عيون لاجئ".. والصواب: "عينيّ لاجئ"، وهذا شأن نافل، فمن سيهتم بصوابات اللغة والترجمة والنحو، والمنطق الإنساني ضالٌّ على هذا النحو.

تحكي وقائع الفيلم الهولندي أن مختصا بالتنويم المغناطيسي طلب من متطوعين هولنديين على منصة مسرح؛ خوض التجربة السورية عبر النوم القسري. مدة الفيلم حوالي ست دقائق، ويشرك فيه المنوّم بضعةَ أشخاص هولنديين في التجربة السورية، فيحكي لهم حكاية النوم، كما كانت الجدات أو الأجداد يروون لنا حكاية وداع اليوم، وما قبل النوم. وحكاية وداع اليوم تشبه حكايات ليلى والذئب، لكن المنوّم يروي لهم هذه المرّة حكاية ليلى، أو فتاة القهر السورية التي رأت كل أنواع الموت والخوف، ونزحت عبر البحار، وغرق الأطفال أمام عينيها، من غير ذكر للذئب، ووصلتْ إلى بلاد الغرب وحقوق الإنسان؛التي لا يضام فيها مظلوم ولا يهان فيها مكلوم. الفيلم يحاول إيقاظ الغربيين، وهم رقود، وصحافتهم باسطة ذراعيها بالوصيد.

بعد نهاية التعريض للتجربة السورية، وهي غير تجربة عادل إمام الدانماركية، تظهر سيدة سورية، هي من أوسط ما تحبون، تشبه أكثر السوريات هيئة وسلوكا، يعني لا تشبه نساء ديمتسورا المختارات بالملقط "العلماني"، فيعانقها الجميع تضامنا، وربما شفقة، ولا بأس بالشفقة في هذه المقتلة. أظن أنها بطلة، وتستحق وساما، وأشياء أخرى، مثل إنقاذ بقية أهلها، أو لجم من يقتل بقية أهلها. قد يقال: إن هذا فوق طاقة العفو الدولية. وقد عاب كثيرون معجبون بالفيلم عيبا وحيدا فيه، وهو أن ليلى السورية، كريمة بالحب والحنان، وهي امرأة صُناع، لكنها بخيلة بالعناق، إلا على زوجها وأهلها. ولعل الفيلم يسارع إلى إدماج بطلة الفيلم في الغرب، فدين الغرب هو: الإدماج.

هذه ملاحظات على الفيلم

أولى الملاحظات، هي أني أشك في أن هذه هي الطريقة المثلى في التعاطف والتراحم، وهو أكرم من وصف العطف، ولعل الفيلم يعطف، ولا يتعاطف. فالتنويم المغناطيسي ليس له طرق علمية سديدة، وقلائل هم الذين يجيدونه، ولا يمكن أن تخضع شعوب للتنويم حتى تتمثل التجربة السورية المُرّة، وهي شقيقة التجربة الفلسطينية، وربما ابنتها. وجدير بالذكر تنبيه المشاهد إلى أنّ الفيلم السينمائي، يستشفع في رسالته بالمسرح والتمثيل، فلا يقعنَّ في ذهنك أيها المشاهد الكريم، أن تنويما قد جرى للممثلين، فإنما هي وسيلة سعى بها صانع الفيلم إلى الإبلاغ والتبليغ، اللهم فاشهد.

الملاحظة الثانية: هي أنّ الفيلم، عاطفا أو راحما أو سارقا، ينسى الإدانة، كأن هذا ليس من شأن العفو الدولية، وأظنه نابع من وجدان مسيحي، ولا يخلو من التراحم، بل إن في الوجدان المسيحي كثير من الرحمة، لكن قاعدة: باركوا لاعنيكم، خالية من العدل، ومثالية. فالفيلم يهمل الجلاد الأول، الذي ما يزال مفضلا لدى الغرب، بل ويحظى برعايته، مقارنة بداعش؛ لأن الجلاد الأول علماني في زيه، أو في خطابه، أو في نسائه. وجدير بالذكر، أنّ الفيلم لم يذكر داعش، وإلا تحول إلى دعاوة سافرة.

الملاحظة الثالثة: هي أنّ التنويم شعوذة، وكان شائعا في فقرات السيرك الذي انقرض بعد أن تحوّل المشهد الإعلامي العالمي والمحلي إلى سيرك يومي. وإن بالغتُ في نقد الفيلم، لقلت: هذا سيرك، وفقرة من "الجلا جلا " في اللهجة المصرية، فهناك طرق إنسانية واضحة في التراحم الإنساني غير التنويم المغناطيسي، وهي مساندة الحق، وعدم التصفيق أو السكوت عن الباطل.

الملاحظة الرابعة، هي أنّ ملوك الغرب والشرق يمارسون التنويم غير المغناطيسي، بمذاهب وطرق أقوى وأشد وأبلغ، كأن يهجو أوباما الثورة السورية، ويصفها بأنها ثورة أطباء أسنان وفلاحين، أو يغضي عن جريمة استعمال الكيماوي، فيصادر بعضه أو أكثره، ثم يقول للجلاد: كمل شغلك يا ولدي. ولعل الثورات بحسب أوباما؛ هي التي تقوم بها طبقات عاملة أو بياطرة، أو عساكر مؤسسات الدولة وأجهزتها، كما في مصر.

إنّ مؤسسات الأمم المتحدة تذرف أحيانا دموع التماسيح على الشعب السوري، وتتسول له الخيام، وقصعات الطحين، من الدول والحكومات، لكن الطريقة الأقوم ليست في السيرك الذي أحبه شارلي شابلن، وتصدّق مرّة على فقير يريد أن يشاهد السيرك بثمن تذكرة.

الملاحظة الخامسة، هي أنّ أمريكا موصوفة في أدبيات الصحافة، بأنها أكبر ديمقراطيات العالم، ويستشهد بها المحللون السياسيون كما لو أنها كتاب مقدس، وأن شعب أمريكا وزعماءها من أكثر الشعوب والزعماء براعة في ثقافة التنويم المغناطيسي، وما يجاورها من كهانة مكتسية بالزي العلمي، مثل خرافة الصحون الطائرة والأشباح، والزومبي، والهالوين، وكائنات الفضاء.

الملاحظة السادسة، وتتبع الخامسة، هي أن معظم كائنات الفضاء أو كائنات " E.T. the Extra-Terrestrial" التي تحكم أقطار البلاد العربية، وأكثر زعمائهم رضعوا الشعوذة في كليات أمريكية عسكرية، وتقوم بالتنويم المغناطيسي. فالأسد والسيسي، وبقية العائلة الكريمة، مخلوقات فضائية، وتعيش بقدرات تشبه قدرات "آي تي"، وفي كل خطاب تعمل لشعوبها عملية تنويم مغناطيسي، وقدراتها على التنويم ضعيفة، لكنها ناجعة بسبب هيبة الدولة ومؤثرات سبيلبرغ البصرية، والسجاد الأحمر، وقدرة البطش، وجوقة العلماء والموهوبين من الشيوخ وسدنة الإعلام والاستخفاف الذي يجعل الشعوب من غير جاذبية تشدها إلى الأرض.

الملاحظة السادسة، أن الفيلم بنواياه الطيبة، ونزعته، يمكن أن يوصف بأنه فيلم هندي، لأنه يقصد العاطفة لا العقل، وأن العاطفة معزولة عن الوجدان الذي يجمع العقل والعاطفة، وهذا ما يحيلها إلى ميلودراما أوروبية تسعى إلى نيل بعض الدموع والتصفيق.

أعود إلى "السنو وايت"، أو ليلى، أو هيلين السورية، إذا استعرنا أسماء أبطال الملحمة الإغريقية، للملحمة السورية، فأدعي القول: إن "باريس" لم يستطع إغراء هيلين السورية بحبّه، فجعلها تسعى إليه لاجئة لتقع في حضنه.

وأختم فأقول: تذكرني مسرحية "رحلة من خلال عيني لاجئ"، بفيلم اللعبة (إخراج ديفيد فينشر- تمثيل مايكل دوجلاس).. فيلم يروي قصة مليونير يعاني من الضجر، فيشتري له ابنه هدية، يمنحه من خلالها متعة التطهير عبر مغامرة.

الفيلم استشراقي، ومركزي أوروبي، ويشبه كثيرا من أفلام هوليود. ودليلي في ذلك أن المرأة التي تساعد المرأة السورية على العبور يونانية، يا حبة عيني، وليست تركية مثلا. فالفيلم يريد القول: إن القِبلة هي أوروبا، وإن اليونان هي جسر، ولا يقول الفيلم أهلا بكم لاجئين، بقدر سعيه للقول: اقبلوا هؤلاء المساكين.

كثّر الله خيركم يا جماعة، فضلتم على رؤوسنا الفارغة، المنومة مغناطيسيا، بفيلم تحكونه لضمائركم حتى تنام في نهاية يوم دام من القنابل المصنوعة في دياركم "الحضارية". واشتبه في أني أرى نيوب الذئب بارزة وراء الستار، وأنّ فيلمكم لا يخلو من شبهة التنويم المغناطيسي.. بالسين طبعا.
التعليقات (0)