مقالات مختارة

كيري والآغا وثالثهم الآي- فون!

علي الصالح
1300x600
1300x600

خرجت علينا في الأسبوع ما قبل الماضي صحيفة «معاريف» الإسرائيلية بخبر مفاده أن وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، التقى في لندن بحسين الآغا وهو من الشخصيات التي كان لها دور في الاتصالات المعلنة وغير المعلنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويتردد اسمه بين الحين والآخر، خاصة في غياب المفاوضات المباشرة والقنوات الرسمية.

وزعمت «معاريف» أن كيري بعث عبر الآغا رسالة إلى أبو مازن طالبه فيها بتقديم خطة سياسية إيجابية تحدد أسس السلام الفلسطينية، واعدا إياه باستخدام علاقاته لحشد الدعم لها. ومن بين ما أوصى به كيري في رسالته أيضا، أن «يثبت على موقفه وأن يلعب على الوقت، ولا ينكسر أو يستسلم لمطالب ترامب». ونصح كيري بـ «ألا يهاجم أبو مازن الولايات المتحدة أو الإدارة الأمريكية، وأن يركز هجومه على ترامب نفسه، كونه المسؤول الوحيد والمباشر عن الوضع». وقال كيري حسب الصحيفة إن الكثير في الإدارة وأجهزة المخابرات، غير راضين عن أداء ترامب والطريقة التي يقود بها الولايات المتحدة.

لا غرابة في أن يكون اللقاء قد تم بين كيري والأغا، الذي طالما يبرز اسمه بين الحين والآخر كمقرب من أبو مازن، وهو أحد من أداروا المفاوضات مع مساعدي يوسي بيلين، الوزير والمفاوض الإسرائيلي الأسبق، وفي نهايتها أعلن عما يسمى «وثيقة بيلين – عباس « وتنكر في النهاية الطرفان لها». وتردد اسم الآغا أيضا في لقاءات جرت في عام 2013 ومرة أخرى في غياب المفاوضات التي توقفت في سبتمبر 2009، مع المحامي إسحق مولخو أحد كبار مستشاري نتنياهو. وتوصل الطرفان في حينه إلى وثيقة وافق نتنياهو بموجبها عمليا على صيغة قريبة جدا من صيغة الرئيس بيل كلينتون في مفاوضات كامب ديفيد 2000. ومرة أخرى تنكر نتنياهو للوثيقة.

وليس خبرا مثيرا أن يتواصل كيري مع حسين الآغا اللبناني الأصل وحامل الجنسية البريطانية، فهو، كما أسلفنا، أحد قنوات الاتصال المباشرة مع السلطة الفلسطينية، وحلقة الوصل معها في غياب القنوات الرسمية أو المفاوضات. وقد تردد اسم حسين الآغا أكثر من مرة وجميعها في سياق الاتصالات السرية بين السلطة وإسرائيل، وهو العنوان الذي يلجأ إليه حتى المسؤولون الغربيون لإيصال الرسائل السرية إلى الرئيس أبو مازن، أو الاستيضاح حول قضايا بعينها. 

مع كشف «معاريف» عن اللقاء مع كيري، وبحكم فضولي الصحفي اتصلت هاتفيا لحظة قراءة الخبر بحسين الآغا ولم يستغرب اتصالي، وبادرته بالسؤال المتوقع، مرة أخرى تتناقل الصحف، لاسيما الإسرائيلية اسمك، فأين تقع الحقيقة؟ لم يحاول النفي أو التلاعب بالكلمات، بل أكد اللقاء بينه وبين كيري محاولا التقليل من أهميته بالقول، إنه يلتقي بين الحين والآخر مع مسؤولين غربيين سابقين وحاليين لتبادل الأفكار وبحث آفاق مستقبل العملية السلمية المترنحة، أو الأصح الميتة. ليس هنا مربط الفرس أو بيت القصيد كما يقولون، فاللقاءات السرية، متعارف عليها ودارجة. وهي بالتأكيد ستتكرر مرارا في غياب القنوات الرسمية التي قطعت بعد وعد ترامب المشؤوم بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والاستعدادات لنقل سفارته إليها في نهاية العام المقبل، وبعد العقوبات المالية التي يفرضها على الشعب الفلسطيني بقطع مساهمات أمريكا في ميزانية الأونروا، ووقف المساعدات للسلطة التي تقدر بحوالي 300 مليون دولار في السنة مقابل 3.8 مليار دولار لإسرائيل.

وبعد تأكيده خبر اللقاء وتأكيد بعض وليس كل ما نشرته «معاريف»، كان سؤالي التالي للآغا وهو حقيقة ما كان يعنيني، هل حضرت الاجتماع شخصيات أخرى من الطرفين؟ وجاء الرد أن الاجتماع اقتصر «عليّ وعلى كيري، ولم يكن هناك أحد آخر حاضرا الاجتماع سوانا». فأضفت متسائلا: هل سربت أنت الخبر إلى «معاريف»؟ فجاء نفيه واضحا لا لبس فيه. وأتبعته بسؤال آخر حول ما إذا كان كيري وراء تسريب الخبر، فنفى ذلك بالقطع. وهذا طبعا مستبعد خاصة من شخص ادعت «معاريف « في خبرها أنه كشف للآغا عن نيته الترشح للرئاسة في عام 2020. 

فسألت مستغربا إذا كان اللقاء ثنائيا ولا ثالث لكما، فكيف يمكن أن تفسر وصول خبر اللقاء وتفاصيل ما دار فيه إلى «معاريف»، فقال إنه لا بد أن يكون ثالثنا الشيطان! الهواتف الذكية الآيفون. وهذا يقود إلى السؤال: هل يمكن أن يكون الهاتف الذكي قد أنهى عصر الخصوصية عند الإنسان؟ وهل حقا أن هذا الهاتف الذكي، الذي لا يفارق جيوبنا وأيدينا وحتى غرف نومنا على مدار الساعة، هو جاسوس ذكي يدس أنفه في أدق خصوصيتنا ويعرف أدق أسرارنا وهو مغلق، وحتى لو سحبت الشريحة منه طالما بقيت البطارية فيه؟

إذا كان كلام الآغا صحيحا وأعتقد أنه كذلك، إذن لا حاجة لأن يقول غير الحقيقة، فهذا الكلام يقطع الشك باليقين. إننا تحت سمع وبصر «الأخ الأكبر» ولا نفارق دائرة تجسسه في حلنا وترحالنا، فهو دائما الحاضر الغائب. والتجسس والتنصت لا يقتصر فقط على الهواتف الذكية، فمع انتشار مفهوم «إنترنت الأشياء» الذي يربط كل الأجهزة بالإنترنت بما فيها الأجهزة المنزلية والكهربائية،

 

انتشرت أدوات التجسس أو التنصت. فعلى سبيل المثال وعلى ذمة موقع تحرير «نيوز.كوم»، تكون آلة تحضير القهوة سببا في الكشف عن كلمة المرور الخاصة بك، المستخدمة للاتصال بشبكة الـWi-Fi في المنزل، وكذلك شاشة مراقبة الأطفال التي من الممكن التحكم بها عن طريق برمجية خبيثة لطرف ثالث، أيضا نظام الأمن المنزلي الخاضع للتحكم عن طريق الهاتف الذكي، الذي من الممكن اختراقه باستخدام مغناطيس، هذا ما أثبتته شركة «كاسبرسكي» العالمية المتخصصة في أمن المعلومات ومكافحة التجسس. وكشف موقع ويكيليكس، عن استخدام وكالة «سي أي أيه» برامج قرصنة سرية للتجسس على الأشخاص عبر التلفزيونات الذكية التي تنتجها شركة سامسونغ الكورية الجنوبية، موضحا أن برنامج التجسس على تلفزيونات سامسونج الذكية، Weeping Angel»» طورته وكالة «سي.آي.إيه» مع «أم آي 5» البريطاني، ويعمل على تحويل التلفزيونات إلى ميكروفونات سرية. المفاجأة الأكبر أن التجسس عبر تلفزيونات سامسونغ الذكية يتم حتى وهي مغلقة، إذ يبقى البرنامج في داخله يعمل، وتسمى هذه الحالة «الإغلاق الزائف»، وقال ويكيليكس إن هذه التلفزيونات تسجل المحادثات التي تجري في مكان وجودها، وترسلها عبر الإنترنت إلى أحد الخوادم السرية التابعة لـ«سي.آي.إيه».

وهذا ما أكده جيمس كلابر المدير في «سي.آي.إيه»، حسب مقال نشرته مجلة «نيوزويك» الأمريكية، أن الأجهزة المنزلية التي ترتبط بالإنترنت، وهي آخر صيحة في عالم المنتجات الرقمية، يمكن أن تصبح وسائل مراقبة على مقتنيها، ما يتيح لوكالات المخابرات أن تتابع الناس من خلال ثلاجاتهم أو مواقدهم أو حتى حماماتهم.

وتقودنا هذه المعلومات إلى دور ما يسمى الوحدة 8200 التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، التي تتعقب تحركات كل الفلسطينيين وحتى العرب، وتجمع عنهم أدق التفاصيل الخاصة في حياتهم عبر الهواتف الذكية، وحتى عبر الهواتف الأرضية. 

وتعتمد هذه الوحدة في عملها على ثلاثة أوجه من العمل الاستخباري وهي: الرصد والتنصت، والتصوير، والتشويش. وهذه الوحدة قادرة على رصد الرسائل ذات القيمة الاستخباراتية، من خلال معالجة ملايين الاتصالات ومليارات الكلمات. 

وتدخل هذه الوحدة بيوت الفلسطينيين للتجسس عليهم، ما دفع العشرات من الضباط والجنود لرفض الخدمة العسكرية لأسباب أخلاقية، ولعدم قانونية التجسس لأهداف غير مرتبطة بالدفاع عن النفس.

وكشف بعض هؤلاء الجنود عن طرق المخابرات في تجنيد العملاء من الفلسطينيين، من خلال استغلال نقاط ضعفهم، سواء الجنسية أو المالية، بعد متابعة مكالماتهم الهاتفية وأجهزة كمبيوتراتهم.

واختتم بالقول إن الكثير من الفلسطينيين صغارا وكبارا وأناسا عاديين ومسؤولين يفتقرون للحس الأمني، ولا يتوخون الحذر في مكالماتهم الهاتفية، ونتيجة لذلك فإن أعدادا كبيرة من الناشطين والمقاومين والقيادات كانت مكشوفة لأجهزة المخابرات الإسرائيلية، بسبب التواصل عبر شبكات الهواتف الخلوية وحتى الأرضية، فالتجسس والتنصت على أجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية بما فيها الهواتف الأرضية والنقالة، من صلب المهام الأساسية للوحدة 8200. وبسبب هذا الجهل فقد الفلسطينيون ولا يزالون العديد من خيرة قادتهم ومناضليهم بين اغتيال واعتقال.

 

القدس العربي

0
التعليقات (0)

خبر عاجل