كتاب عربي 21

الثمن الباهظ لمشروع تقسيم اليمن

ياسين التميمي
1300x600
1300x600

يعاني التدخل العسكري للسعودية والإمارات في اليمن؛ من ازدواجية ومراوغة في موقف البلدين الذي اعطى انطباعاً بأن السعودية ليست متسقة مع أبو ظبي على الأرض، على المستويين العسكري والسياسي.

هذه الازدواجية أفضت في النهاية إلى ممارسة أكبر خديعة لليمنيين؛ الذين اعتقدوا يوماً أن هذا التدخل العسكري جاء لمصلحتهم ولإعادة دولتهم المنهوبة، قبل أن تكتشف النخب واللاعبون الأكثر احتكاكاً بدولتي التحالف أن البلدين متحدان في الأهداف، ويمارسان تكتيكاً مخادعاً للوصول إلى هذه الأهداف.

كانت السعودية تقف في المنطقة الرمادية بين المشروع الإماراتي الذي يأخذ اليمن إلى الانفصال، وبين المشروع الوطني الذي يعاني من الحصار والإقصاء والعزل، والذي بلغ ذروته بمنع الرئيس من العودة إلى العاصمة السياسية المؤقتة عدن، وبوضع العراقيل العديدة أمام الحكومة كي لا تقوم بمهمتها على الوجه الأكمل في المناطق المحررة.

 

كانت السعودية تقف في المنطقة الرمادية بين المشروع الإماراتي الذي يأخذ اليمن إلى الانفصال، وبين المشروع الوطني الذي يعاني من الحصار والإقصاء والعزل

يُنقل عن رئيس الوزراء السياسي المحنك، الدكتور أحمد عبيد بن دغر، قوله أن الحكومة تقدمت خمسة كيلومترات عن قصر المعاشيق، حيث تقيمُ معزولةً عن المدينة وعن الناس، في الوقت الذي تعربدُ فيه التشكيلات المسلحة المناطقية التي أنشأتها أبو ظبي والمسكونة بهاجس الانفصال في أنحاء المدينة وتحولها شيئاً فشيئاً إلى سجن كبير للحريات والضنك المعيشي.

كان الرئيس بن دغر يتحدث حينها عن بعض الإجراءات التي اتخذتها حكومته لتأكيد نفوذها في العاصمة السياسية المؤقتة على الأقل، والتي تجلت في إعادة الخدمات إلى طبيعتها، وإزالة العشرات من نقاط التفتيش التي أقامتها التشكيلات المسلحة المناطقية التابعة للإمارات.

 

سارعت أبو ظبي إلى خلق العديد من المتاعب، ومن أهمها وقف تصدير النفط، ومنع الحكومة من استئناف تصدير الغاز الطبيعي المسال

لم يهنأ رئيس الوزراء بانطباعاته الجيدة عن عدن الجديدة التي تستعيد الحياة تحت أنظار حكومته، في وقت أصبح بمقدور وزرائه أن يتحركوا بعيداً عن المعاشيق ويختلسون بعض اللحظات السعيدة في مطاعم المدينة، يشعرون معها بالفعل أنهم وزراء وقادة سياسيون في بلدهم اليمني الموحد.

فقد سارعت أبو ظبي إلى خلق العديد من المتاعب، ومن أهمها وقف تصدير النفط، ومنع الحكومة من استئناف تصدير الغاز الطبيعي المسال من مأرب، وعبر مصنع تسييل الغاز وميناء التحميل في بلحاف على خليج عدن.

وفوق ذلك، أوعزت لأدواتها للمضاربة بالعملة اليمنية (الريال)، ما ساهم في تدهوره إلى مستويات قياسية أمام الدولار الأمريكي، تجاوز معه مستوى الـ500 ريال مقابل الدولار الواحد.

 

كانت الإجراءات رداً مباشراً على موقف رئيس الوزراء الذي وجه رسالة خاصة للتحالف؛ طالبه فيها بإنقاذ اليمن من الجوع، والتي جاءت كاشفة وأشارت بوضوح إلى الإخفاق

خططت أبو ظبي للإطاحة بالحكومة وإفساد مهمتها بجريرة العجز عن إدارة الشأن الاقتصادي والمعيشي، مع تصعيد إعلامي في وجه الحكومة من جانب ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي سارع إلى عقد اجتماع مع ما يسمى قيادات القوات الجنوبية، في 21 كانون الثاني/ يناير، هدد خلاله بالتصعيد، بل وضع مهلة ثمانية أيام للرئيس هادي لتغيير الحكومة.

كانت تلك الإجراءات رداً مباشراً على موقف رئيس الوزراء الذي وجه رسالة خاصة للتحالف؛ طالبه فيها بإنقاذ اليمن من الجوع، والتي جاءت كاشفة وأشارت بوضوح إلى الإخفاق الفاضح للتحالف في اليمن، الذي يأخذ شكل خيانة كاملة لليمنيين، وتآمر على حاضرهم ومستقبلهم.

 

تقويض السلطة الشرعية، والذهاب باليمن نحو واقع جديد عنوانه التقسيم، ليست مشروع الإمارات لوحدها، فقد تبين بما لا يدعم مجالاً للشك أن السعودية تتحد مع أبو ظبي

سارعت الرياض إلى وضع ملياري دولار في البنك المركزي اليمني، وأرسلت سفيرها إلى عدن، فكان رد الانفصاليين المدعومين من الإمارات هو التصعيد، لكن ليس بالأدوات الشعبية والجماهيرية؛ لأن الجماهير كانوا في الحقيقة إلى جانب الحكومة، وتبين أن الانفصاليين معزولون شعبياً أكثر من أي وقت مضى، بعد أن بدأ سكان العاصمة السياسية المؤقتة يلمسون جهود الحكومة على المستوى المعيشي.

لكن مهمة تقويض السلطة الشرعية، والذهاب باليمن نحو واقع جديد عنوانه التقسيم، ليست مشروع الإمارات لوحدها، فقد تبين بما لا يدعم مجالاً للشك أن السعودية تتحد مع أبو ظبي في هذه المهمة، لذا أراد البلدان أن تكون حرب الثلاثة الأيام التي شهدتها عدن (من 28 - 30 كانون الثاني/ يناير)، بمثابة الصدمة التي ستدفع جميع الأطراف إلى تقبل ما هو مخطط لمستقبل اليمن، وهو إعادته بلداً مقسماً ومتصارعاً.

كرس خطاب التحالف الذي تزامن مع اندلاع المواجهات في عدن؛ الانفصاليين طرفاً أساسياً في معادلة الصراع والسياسة في عدن والمناطق الجنوبية، وبدأ الوفد العسكري الذي زار عدن لإتمام التهدئة وتكريس المكاسب السياسية للحرب؛ بدوره في تهيئة الأرضية للقبول بالحلول المفترضة، متزامناً مع شغل ممنهج للنخب السياسية والإعلامية السعودية لتسويق مشروع التقسيم، والذهاب بعيداً إلى حد تأييد الانفصال.

 

التحالف بدأ بفرض حلٍ وسط، يقضي بالإبقاء على الحكومة ورئيسها، مع تعديل يسمح للانفصاليين بالانقضاض على نسبة مهمة من حقائبها، لمواصلة العمل مع التحالف في مخطط تقسيم البلاد

كان الهدف السياسي للتحرك العسكري ضد الرئيس وحكومته هو إسقاط حكومة بن دغر، ولكن لأن هذا الهدف - على الرغم من سهولة إنجازه - سوف يفضح مخطط التحالف، بدأ بفرض حلٍ وسط، يقضي بالإبقاء على الحكومة ورئيسها، مع تعديل يسمح للانفصاليين بالانقضاض على نسبة مهمة من حقائبها، لمواصلة العمل مع التحالف في مخطط تقسيم البلاد تحت مظلة الشرعية المحتجزة في الرياض.

هذا الأمر دفع بالحكومة إلى إصدار بيان سياسي غير مسبوق؛ نقل مستوى المواجهة مع التحالف إلى مستويات خطيرة من التصعيد والاتهام المباشر بالخروج عن الأهداف التي تأسس لأجلها التحالف.

لا أحد يستطيع في هذه الظروف السيئة أن يقنع المملكة بالكف عن المضي في مغامرة أبو ظبي لجر اليمن إلى التقسيم مجددا، لكن لا بد من تذكيرها بأن هدم الدولة اليمنية الديمقراطية القوية المرتبطة بالمنظومة الإقليمية، سوف يكرس الحوثيين المرتبطين بإيران حكاماً راسخي الجذور في الشمال، وحينها ستتحول دولتهم إلى ملاذ آمن وحصناً حصين للآلاف من القادة والناشطين، من الشيعة وغير الشيعة، الذين سيشرعون في مهمة تفكيك المملكة والانقضاض عليها انطلاقاً من اليمن.

التعليقات (2)
خالد الحمادي العدني
الإثنين، 05-02-2018 02:57 ص
الله يعينك انت وعبد الباقي شمسان احبكم في الله واتمنى من الله ان تتحقق امانيكم انتم ذخر هذه الامة المكلومة
مُواكب
الإثنين، 05-02-2018 01:02 ص
على قافية " الصهيونية اليهودية "يكثر الحديث عن " الصهينية المسيحية " التي أحد أهم ممثليها الرئيس ترمب. وقد يتحتم الحديث عن " الصهيونية المُتأسلمة " بزعامة توأم الشر السعودي الإماراتي، ابن سلمان وابن زايد. وبين الصهيونيات الثلاثة يصعب معرفة من هو أشدُّ عداءً لِأمة محمد عليه الصلاة والسلام. برأي المُتواضع أن الصهاينة المُتأسلمين، نظراً لطبيعتهم الماكرة والمُخادعة وعداؤهم الحاقد المهووس لكل مُسلم سني مُؤمن، هم الأشد عداءً.