مقالات مختارة

إفساد العملية الانتخابية

عاصم منصور
1300x600
1300x600

تجزم أجهزة الاستخبارات الأمريكية بأن جهات في روسيا قامت بعمليات قرصنة إلكترونية للانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام 2016 ، ويعتقد سياسيون ومتابعون في الولايات المتحدة أن الروس نشروا كما هائلا من المعلومات المغلوطة والأخبار الكاذبة بشكل منظم، ما ساهم في التلاعب في الانتخابات الأهم في أمريكا والعالم، لتطرح هذه الظاهرة الحديثة نسبيا -التي ما تزال تتفاعل في الولايات المتحدة- أسئلة كبيرة وجوهرية حول صلاحية وعدالة الانتخابات كأحد أهم ركائز ووسائل النظام الديمقراطي الراسخة.

إن الاتهامات المتزايدة بحصول تأثير خارجي وغير قانوني على العمليات الانتخابية قد أصبحت ظاهرة، تكاد تبرز في كل انتخابات مهمة في العالم. حدث هذا في فرنسا وكندا وأوكرانيا وبلغاريا وهولندا والنرويج وغيرها  كما بينت ذلك تقارير رسمية وتصريحات لمسؤولين كبار في مجال أمن المعلومات نقلتها وسائل إعلام من وزن واشنطن بوست ونيويورك تايمز وغيرهما في مناسبات عديدة خلال العام الماضي. كما أشارت تقارير متعددة عن تأثيرات واسعة ممائلة في استفتاء كتالونيا.

المخاطر التي يعتقد أنها نشأت عن القرصنة الإلكترونية واستغلال شبكات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي شملت اختراقات للبريد الإلكتروني وقرصنة الرسائل والوثائق، والتضلبل الإعلامي، وإثارة القلاقل وحشد الجماعات داخل مجتمعات معينة ضد بعضها بعضا، إلا أن هذه التأثيرات تظل أقل خطراً مما يمكن أن تصل إليه التدخلات في المنظومة الانتخابية، والتي يمكن أن تصل بحسب الخبراء إلى العبث المباشر في السجلات الانتخابية، وأوراق الاقتراع ونتائج الانتخابات. فأنظمة الانتخاب المحوسبة  في أكثر  دول العالم تعمل من خلال  شبكات كمبيوتر واسعة تنتشر في أنحاء الدولة، حيث تنساب البيانات بين لجان الاقتراع والفرز ومركز التحكم والسيطرة وقواعد بيانات المصوتين، ما يجعلها عرضة لهجمات المخترقين والمتطفلين.

المرشحة الأمريكية الخاسرة هيلاري كلنتون - والتي تعرضت حملتها الانتخابية إلى هجمات إلكترونية متعددة منها تسريب آلاف الرسائل الإلكترونية إلى موقع ويكيليكس-  وصفت ما حصل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بأنه "كان يمثل  11 سبتمبر سبراني"، والمقصود هنا أنه قد حصلت هجمات إلكترونية مباشرة على مؤسسات الدولة الأمريكية ألقت بظلال من الشك على العملية الانتخابية ونتائجها. وهذا لا شك يفتح الباب للتشكيك في نزاهة ومشروعية أية عملية انتخابية في أي دولة مستقبلا، وبالتالي في الأداة الرئيسية للديمقراطية وتبادل السلطة، وربما يوفر مسوغات للنزعات غير الديمقراطية أيضا.

 وتتواصل المخاوف من تدخلات مكثفة في العمليات الانتخابية على المستوى العالمي، حيث أشار مسؤولون أمريكيون مؤخرا إلى تدخل روسي واضح في الحملة الرئاسية في المكسيك، والتي ستجري في صيف هذا العام . لكن إمكانية التأثير في العملية الانتخابية والرغبة في ذلك ليست حكرا على الروس، -وإن كانوا هم الأكثر جرأة للمبادرة- فيمكن أن تتورط أية جهة تمتلك القدرات الفنية أو ثمن استئجارها من أجل تسميم وتعكير أو إفساد وتزوير إرادة الجمهور في اختيار الحكومات والمجالس التمثيلية. وفي الحد  الأدنى فإن هذه الظاهرة ستثير الكثير من الدخان مستقبلا على العمليات الانتخابية بشكل عام.

كثيرون أملوا مع بداية  الانتشار الواسع للشبكة العالمية وأدوات العولمة أن تكون هذه الأدوات رافعة للديمقراطية في العالم، ولكن يبدو أن العكس قد حصل في كثير من الأحيان؛ فهل فقدت الأدوات التقليدية للديمقراطية صلاحيتها تحت وطأة ضربات التكنولوجيا التي يبدو أنها لم تكن مهيأة لها.    

الغد الأردنية

0
التعليقات (0)