مقالات مختارة

المشروع القومي للبحث عن مرشح رئاسي

1300x600
1300x600

واكتشفنا أن الثورة كانت ضرورة من أجل تطور انتخابي مهم، وهو ترشح منافس يتميز بأنه مؤيد للرئيس الموجود في السلطة، ولكن بدون طربوش. وبهذا بدلا من أن يكون المرشح المنافس والمؤيد للرئيس القائم بطربوش، كما كان الوضع مع رئيس حزب الأمة أحمد الصباحي في انتخابات 2005، نصل في انتخابات 2018 إلى تقديم منافس- مؤيد من غير طربوش، كما تردد مع أسماء مثل رئيس حزب الوفد السيد البدوي، ورئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى، إلى جانب أسماء أخرى غير حزبية بالضرورة.

صورة تحمل قدرا كبيرا من الكوميديا النابعة من تناقض المشهد أحيانا، وتناقض الخطاب أحيانا أخرى، مع تصدير صورة كبيرة لحالة اللامنطق والعبث المسيطرة على الأحداث. صورة تحمل بشكل ساخر تعبيرا عن حالة خاصة من الديمقراطية، والإيثار المستحدث، وبدلا من حديث الصباحي عن ترشحه من أجل دعم مبارك والديمقراطية، فإن موسى مصطفى موسى مرشح الساعات الأخيرة، يعلن أن فكرة الترشح نفسها لم تخطر على باله، وأن الرئيس عبد الفتاح السيسي هو من أقنعه بالترشح. 
في الوقت نفسه الذي شهدنا فيه تفكير رئيس حزب الوفد بالترشح، رغم تأييد الحزب للسيسي، مع اعتذار سكرتير عام الحزب المستشار بهاء أبو شقة عن رئاسة الاجتماع الذي عقدته الهيئة العليا للحزب، لأن نجله يتولى التمثيل القانوني لحملة السيسي. وفي حين لم يكن لدى مرشح 2005 صفحة فيسبوك يعلن فيها عن تأييده ومبايعته للرئيس القائم، الذي يفترض أن يترشح ضده وينافسه، ويضع صورته بوصفها صورة خلفية لصفحته الشخصية، واعتمد على الوسائل التقليدية من تصريحات ولقاءات عبر الصحف وقنوات التلفزيون، فإن انتخابات 2018 يتقدم لها من يضع على صفحته صورة الرئيس القائم والمنافس المفترض، مع كلمات الدعم والتأييد، ويضع صور مشاركته في احتفاليات تأييد السيسي، مثل احتفالية «كلنا معاك من أجل مصر»، ويعلن عبر وسائل إعلامية مختلفة وبكل وضوح عن تأييده للرئيس القائم -السيسي- لأنه الوحيد القادر على حكم مصر. وكما قال موسى ضمن الكثير من التصريحات عن السيسي: «إنجازاتك تتحدث عنك، مجهودك نابع من إرادتك في إدارتك وحكمتك في اتخاذ قراراتك ونجاحك».

تلك الرؤية تجعل تقدم مثل تلك الشخصيات المؤيدة وبشدة لاستمرار السيسي في موقع المرشح المنافس نوعا من السخرية المريرة، لأنها تحمل قدرا كبيرا من التناقض الواضح والمعلن. صورة كان من الطبيعي أن تثير تعليقات ساخرة على طريقة هتافات المشاهدين في دور السينما، عندما يتم اكتشاف أن الفيلم المعروض لا يستحق المشاهدة، وتطالب الجماهير بالحصول على أموالها. في الواقع، يدخل الجمهور إلى فيلم يقدم على أنه جديد، في حين أنه قديم وتمت مشاهدة النسخة الأكثر تطورا منه من قبل، بإخراج قد يكون أفضل بكثير، بالإضافة إلى أن نهايته معروفة سلفا. هكذا دخلت مصر في دائرة من الأحداث الساخنة بحكم قيمة الحدث وأهميته لمستقبل مصر، والتعليقات الساخرة بحكم طريقة إدارة الحدث وتناقضات المشهد. وأثيرت الكثير من التساؤلات عن الانتخابات الرئاسية، ووجود مرشح من عدمه، لدرجة أن تلك التعليقات وحدها تستحق أن تفرد لها كتابة منفردة، كونها تكشف عن الكثير في ما يتعلق بالنظام الحاكم وانكشاف آلياته. 

جاءت الأحداث وكل ما أحاط بها من تعليقات أقرب إلى لحظة الاستيقاظ في قصة الطفل والسلطان العاري، حين كان الطفل وحده قادرا على مكاشفة السلطان والجميع بأن لا ملابس تغطيه، وأن كل ما قيل عن الذهب والفضة وغيرها لا يمكن أن تكون كافية لإخفاء الحقيقة، التي تواطأ الجميع على تجاهل رؤيتها، وكأنها غير موجودة رغم كل الوضوح الذي يحيط بها.

انتخابات تعرف نتيجتها سلفا، ولا يعرف من يترشح فيها، ونداءات تتصاعد بالابتعاد عن الترشح لأن «فيه سما قاتلا» على طريقة نداء حكمدار القاهرة الشهير في فيلم «حياة أو موت»- 1954. وما حدث من إعلان ترشح وعقاب للبعض، خاصة من الأسماء المحسوبة على القوات المسلحة، التي جاء عقابها على يد القوات المسلحة نفسها، كان بدوره مثيرا للكثير من التساؤلات حول الأسباب التي دفعت النظام إلى إدارة الانتخابات بتلك الصورة، رغم تأكده من الفوز، بالإضافة إلى ما طرحه البعض من مخاطر إدخال الجيش في عالم السياسة والانحياز لمرشح دون آخر بتلك الصورة.

في الوقت نفسه لم ينتبه النظام إلى سلبيات الرسائل التي يحملها عقاب المرشحين المادي والمعنوي بتلك الصورة، خاصة المرشحين المنتمين للمؤسسة العسكرية. عندما يتم وضع حديث السيسي المثير للجدل عن عدم سماحه بترشح الفاسد، كما قال في مؤتمر حكاية وطن، الذي عقد لإعلان ترشحه بقوله: «أعرف الفاسد جيدا ولو أملك أن أمنعه من الوصول إليكم.. ولن أسمح بالوصول إلى كرسي الرئاسة.. أبقى عارف أنه كان حرامي أو فاسد وأسمح له يصل إلى الكرسي؟» سؤال مهم يوجه له وليس العكس، فإن كان يعرف الفاسد ويملك ما يؤكد فساده فلماذا لا يحاسب عبر القانون، ولماذا يتم الربط بين هذا الفساد والاقتراب من كرسي الرئاسة؟ وأين كان الجيش من فساد تلك الشخصيات، إن كانت فاسدة حقا؟ وهل إن اكتفى الفاسد بالابتعاد عن كرسي الرئاسة تتم حماية فساده؟ في الوقت نفسه، من يملك أن يسيطر على من يصل إلى كرسي الرئاسة إن كان الحكم للصندوق حقا؟ وكيف لرئيس قائم ومرشح مفترض أن يملك القدرة على السيطرة على مدخلات ومخرجات الانتخابات بتلك الطريقة، إن كانت انتخابات حقا؟

في الواقع، يتسق الحدث بتفاصيله مع طبيعة النظام واحتياجاته المتمثلة في الوصول إلى مرشح وحيد لا ينافس، وفي الوقت نفسه يبدو الحدث معه وكأنه انتخابات يمكن من خلالها عقد لقاءات ومؤتمرات وكتابة مقالات، وغيرها من المناسبات التي تتحدث عن الإنجازات وتؤهل لحديث التفويض الممتد، الذي يحتاج بدوره إلى انتخابات، وما يتبعه من تمرير السياسات الصعبة المقبلة بكل ما يترتب عليها من انعكاسات، مع خطط قصيرة المدى تصب في تعديل الدستور واستمرار الرئيس الوحيد لعقود من أجل تنفيذ الإصلاحات والمشاريع القومية الممتدة. ولأن التفويض مهم، والفرصة للحديث عن الإنجازات مهمة لترويج النظام، تبدو الحاجة مهمة لإيجاد مرشح منافس من أجل تجنب مخاطر الترشح المنفرد، والنسب المعلنة للمشاركة والنجاح في تلك الحالة. يريد السيسي ومن حوله أن تكون النتيجة في شكل تفويض، وهو ما يعني الحاجة إلى إعلان النتيجة في صورة اكتساح، عبر تقديم النتيجة في صورة حصول السيسي على نسبة كبيرة من الناخبين، التي يساعد على تضخيمها وجود منافس آخر، تعلن النتيجة في شكل السيسي مقابل الآخر وليس السيسي من الإجمالي أو السيسي من نسبة الـ 5%المطلوب الحصول عليها في حالة الترشح منفردا.

ينجح السيسي في تأكيد كل المقولات التي أعلنها خلال فترة حكمه الأولى، فما يحدث تعبير عن حالة «أشباه الدول» التي تدار فيها الأمور على طريقة «الطابونة» وصاحب المكان المسيطر الذي يضع شروطه وقواعده بوصفه «الفيلسوف» العارف بالمرض والعلاج. هو وحده يملك صياغة الأخلاق التي أريد أن تتأسس لها لجنة، ولهذا حدد بكلمة قاطعة وبشكل غير مباشر أن كل من يتم استبعاده «فاسد»، مع إعادة تعريف الفساد والفاسد حسب دوره في لعبه كراسي السلطة. في الوقت ذاته الذي يقدم المواطن بوصفه تابع هناك من يفكر ويختار له، لأن التعليم القائم لا يصلح في «وطن ضايع» ما لم يخلق شخصية تلتزم بالطاعة وعدم التعبير عن الرأي، وبالطبع عدم التفكير حتى لا تطرح تساؤلات منطقية عن دولة القانون ودور الفرد، وكيف لمن يتولى السلطة التنفيذية أن يحدد سياسات ومواقف ترتبط بالسلطات الأخرى، وتتجاوز دور التشريع والعدالة ومؤسساتها وتحول مصر إلى طابونة يحدد فيها المرشح الحاكم في اللحظة، من يملك أن يترشح أمامه من عدمه، وبالتالي أجندة السياسات المطروحة خلال فترة الدعاية الانتخابية المفترضة، وآليات المحاسبة وفقا للبرامج والوعود المعلنة، التي لا تقدم خارج صياغة التفويض المتكرر، وكأنه قدر كتب على الشعب المصري أن يدفع ثمنه لعقود مقبلة. وإن كان المطلوب مرشحا حتى تكون الصورة حلوة، فربما يكون المطلوب على الجانب الآخر مقاطعة حتى تكون اللجان خالية، ربما تنزع بعض صور التفويض وتعيد بعض الرشادة للمشهد».

القدس العربي

0
التعليقات (0)