قضايا وآراء

7 سنوات على ثورة يناير.. ماذا قدمت؟

قطب العربي
1300x600
1300x600

مع انطواء سبع سنوات من عمر ثورة يناير 2011، ودخول الثورة عامها الثامن دون أن تسقط رايتها، يحق لنا أن نتذكر ماذا قدمت الثورة لمصر والمصريين، وماذا خسر المصريون بمرضها وتراجعها.

يحلو لقوى الاستبداد الادعاء بأن ثورة يناير، التي يصفونها بكل نقيصة، انتهت، وأصبحت نسيا منسيا، بعد ثورتهم المضادة التي بلغت ذروتها في 30 حزيران/ يونيو و3 تموز/ يوليو 2013. والحقيقة أن ثورة يناير رغم كل ما تعرضت له من ضربات موجعة، إلا أنها لا تزال صامدة في مواجهة تلك الضربات، ولا يزال نفر من أبنائها ينزلون إلى الشوارع كل جمعة دفاعا عن مكتسباتها، مع تحركات أخرى لقوى ينايرية أيضا؛ دفاعا عن تيران وصنافير ومياه النيل، وحقول الغاز، وتحركات في الخارج لملاحقة النظام حقوقيا وقانونيا؛ أسفرت عن صدور العديد من الإدانات الدولية لهذا النظام ولما يصدره من أحكام مسيسة.

 

ثورة يناير رغم كل ما تعرضت له من ضربات موجعة، إلا أنها لا تزال صامدة في مواجهة تلك الضربات

أثبتت ثورة يناير قدرة الشعب المصري على التغيير، فقد أطاحت برأس النظام، وأدخلته مع أبنائه ورموز حكمه قفص المحاكمة (حتى وإن أخرجهم القضاء الفاسد لاحقا)، وهو أمر كان ضربا من الخيال عند عموم المصريين. لم يكن مبارك هو الرأس الوحيد الذي أطاح به الثورة، بل كانت هناك رؤوس أخرى كثيرة، منها وزراء ومحافظو مبارك، ومنها جنرالات المجلس العسكري، وعلى رأسهم الكاهن الأعظم حسين طنطاوي، ومنها رؤساء مجالس وتحرير الصحف القومية، وتمت إحالة الكثيرين منهم للمحاكمة بتهم الفساد، مع مئات الرؤوس في وزارة الداخلية، وأكبرها رأس حبيب العادلي وكبار مساعديه، وهو ما تكرر في قطاعات كثيرة أخرى. صحيح أن هذه الرؤوس حصلت على البراءات من قضاة مبارك، إلا أن ذلك لا ينفي إزاحتهم من مناصبهم بفضل الثورة، وهو ما يمكن أن يتكرر مستقبلا معهم ومع غيرهم.

فتحت ثورة يناير أبواب الحرية واسعة، ومارس المصريون حرياتهم كاملة في التعبير عن آرائهم، والتظاهر والاعتصام السلمي دون إذن مسبق، وأتاحت الثورة أول انتخابات تنافسية حقيقية، سواء في مجلس الشعب أو الشورى أو الرئاسة، أو الاستفتاءات الدستورية، أو الاتحادات الطلابية والعمالية. ووقف المصريون بالملايين في طوابير انتخابية، في مظهر لم تشهد له مصر من قبل مثيلا عبر تاريخها كله. واستعاد المصريون في الداخل والخارج كرامتهم المهدرة، في أقسام الشرطة ولدى كفلاء العمل. كان المصري بعد الثورة يدخل إلى قسم الشرطة مرفوع الرأس، فإن لم يتمكن من حل مشكلته لدى "النوباتجي" أو الضابط الصغير، دخل إلى مكتب مأمور القسم مباشرة دون أي خوف، بعد أن زالت دولة الخوف، وتهتكت أستار أمن الدولة الذي كان بمثابة بيت الرعب للمصريين. كان المصري "هو المواطن السيد في الوطن السيد" حقا، حسب تعبير سامي عنان. فالكرامة لم تعد للمواطن فقط، بل للوطن الذي أصبح محل احترام شعوب الدنيا، وأصبح ميدان التحرير قبلة لقادة العالم الزائرين، باستثناء عواصم وقادة دول المؤامرة على الثورة المصرية، سواء تل أبيب أو وصيفاتها العربيات.

 

لم تشهد مصر خلال العامين ونصف العام بعد الثورة جرائم إرهابية كالتي تشهدها منذ انقلاب السيسي وهو الذي بنى حكمه على مواجهة ما وصفه بالإرهاب

عاش طلاب مصر أزهى عصورهم، وكذلك المثقفون والعمال، وحتى الفلاحين الذين أعفوا من دفع مديونياتهم للبنك الزراعي، ولم يحرم الموظفون من خير الثورة التي أقرت الحد الأدنى للأجور، وبدأت تنفيذه تدريجيا، والتي أتاحت تثبيت حوالي نصف مليون من العمالة المؤقتة، والتي رفعت رواتب أساتذة الجامعات بما يليق بهم، بعد أن منحتهم لأول مرة الحق في انتخاب عمدائهم ورؤساء أقسامهم، وهو ما تم سلبه بعد الانقلاب.

لم تشهد مصر خلال العامين ونصف العام بعد الثورة جرائم إرهابية كالتي تشهدها منذ انقلاب السيسي وهو الذي بنى حكمه على مواجهة ما وصفه بالإرهاب المحتمل. فباستثناء حادثي كنيستي ماريناب في أسوان وصول في اطفيح (الجيزة)، لم تتعرض الكنائس لاعتداءات كالتي تحدث حاليا، ولم تشهد سيناء سوى عمليتين أو ثلاث من العمليات الإرهابية الكبرى، تم التعامل معها سريعا، وتمت إعادة الجنود المخطوفين في إحداها.

 

لا يمكننا تجاهل أخطاء كبرى وقعت فيها الثورة وقادتها منذ لحظاتها الأولى، والتي بدأت بترك الحبل على الغارب للمجلس العسكري خلال فترته الانتقالية


بعيدا عن المكتسبات العملية التي تحققت مثل الانتخابات وأهمها الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية، فإن دستور الثورة الصادر في 2012، والذي جرى تشويهه في 2014 بإضافة "خازوق 30 حزيران/ يونيو" لمقدمته مع ثورة يناير، وإلغاء بعض المكتسبات التي تضمنها. ورغم كل ذلك، ظلت رائحة يناير تملأ جنبات هذا الدستور الذي ضمن توازن السلطات بين رئيس الدولة والحكومة، وهو الذي قصر مدة الرئاسة على أربع سنوات ولفترتين رئاسيتين فقط، وهو الذي أوجد الهيئات والمجالس المستقلة، وهو الذي ضمن حرية التعبير والتظاهر السلمي، وضمن كرامة المحتجز أمنيا بحيث يتم حسم أمره خلال 24 ساعة، وهو الذي ضمن حرية حقيقية للصحافة والإعلام وتدفق المعلومات ومساءلة من يحجبها، وهو الذي وضع نسبا محددة لميزانيات التعليم والصحة، وهو الذي حمى النيل وثروات وأرض مصر، وهو الذي تضمن نصا عن تنمية سيناء والمناطق الريفية والبدوية.. الخ، وهي كلها نصوص وردت للمرة الأولى في دستور الثورة، وتم الإبقاء على غالبيتها في تعديلات 2014، ما يعني أنها بقت كمكتسبات لثورة يناير حتى الآن، رغم أن سلطة الانقلاب لا تعبأ بها، بل تتجاوها جهارا نهارا. وقد صرح السيسي شخصيا بأن هذا الدستور "كتب بنوايا حسنة"، بهدف التشكيك في مواده العظيمة التي يراها السيسي قيدا عليه، ويسعى لتعديلها، ومنها المواد الخاصة بمدة الرئاسة، والمواد الخاصة بالحريات العامة، وكذا تلك التي تحصن منصب وزير الدفاع، والتي وضعت خصيصا من أجله هو شخصيا، لكنها أصبحت تغل يده تجاه وزير دفاعه صدقي صبحي.

 

كل الضربات والتشوهات التي لحقت بثورة يناير، إلا أنها قدمت على مدى عامين ونصف العام الكثير للمصريين

لا يمكننا تجاهل أخطاء كبرى وقعت فيها الثورة وقادتها منذ لحظاتها الأولى، والتي بدأت بترك الحبل على الغارب للمجلس العسكري خلال فترته الانتقالية، والتي كان أفظعها ذاك الإعلان الدستوري المنبثق من تعديلات 19 آذار/ مارس والتي انصبت على ثماني مواد فقط، فإذا بالإعلان الدستوري يخرج متضمنا 62 مادة، ويمر مرور الكرام، وهو الذي تسبب في شرخ الجماعة الوطنية المصرية مبكرا. كما استغل المجلس العسكري الحق الذي صنعه لنفسه في إصدار قرارات لها قوة القانون، ليصدر العديد من تلك القرارات، والتي لا زلنا نكتشف بعضها حتى الآن (لعدم نشرها في الجريدة الرسمية)، مثل اعتبار كل أعضاء المجلس العسكري ضباطا مستدعين، بهدف حمايتهم من المحاكمات المدنية على جرائمهم بحق الثورة والثوار في محمد محمود وماسبيرو والمتحف الحربي؛ عقب خروجهم من الخدمة، وهو القرار الذي استخدم لحرمان الفريق سامي عنان من الترشح مؤخرا. كما لا يمكننا إنكار حالة الانفلات الأمني أعقبت الثورة، رغم أنها أمر طبيعي ملازم لكل الثورات الكبرى. ولا يمكننا تجاهل أن الثورة لم تقدم الكثير لتحقيق أول شعاراتها (العيش)، وذلك بسبب قلة الموارد من ناحية، واختلال الأولويات من ناحية أخرى، وأيضا بسبب تحركات الثورة المضادة مبكرا لإحداث أزمات تموينية مستمرة؛ لتشويه صورة الثورة والحكم المدني الذي أنتجته.

رغم كل الضربات والتشوهات التي لحقت بثورة يناير، إلا أنها قدمت على مدى عامين ونصف العام الكثير للمصريين خاصة في مجال الحريات العامة وتحقيق الكرامة والعدالة، وإعادة الأمل والقدرة على التغيير، وتنشيط الحياة العامة، وحق اختيار الحاكم والنواب بكل حرية وشفافية، وهي المكتسبات التي حرم المصريون منها بعد انقلاب الثالث من تموز/ يوليو. ولعل المشهد الانتخابي الأخير؛ خير دليل على عظمة ثورة يناير التي جرت في ظلها أول انتخابات رئاسية تعددية حقيقية، لم يعرف أحد نتيجتها مسبقا، والتي أتت بأول رئيس مدني لمصر (من بين 13 مرشحا) بعد 60 عاما من الحكم العسكري، بينما يرى الجميع الآن ما حدث لزعماء سياسيين وعسكريين أعربوا عن نواياهم لخوض المنافسة مع السيسي، فما كان منه إلا اعتقالهم، ومحاكمتهم، واغتيالهم معنويا وحتى بدنيا، لتنتهي المهزلة بالسيسي مرشحا وحيدا ينافس نفسه.

التعليقات (1)
مصري جدا
الإثنين، 29-01-2018 06:48 م
يا استاذ قطب الى متى المراوغة وعدم وضع النقاط فوق الحروف ،،، الى متى لا تسمى الاشياء باسمائها ،،، فالتشخيص الدقيق الواضح هو الزم وسائل الوقاية والعلاج ،،، ما معنى اخطاء الثورة وقادتها ،،،تحدث بوضوح عن اخطاء الاخوان واخطاء العسكر واخطاء شباب الثورة واخطاء النخبة ،، اللف والدوران لا يحل الازمات الكبرى بل يبعد المسافات ويربك المساحات ،،، اصحابك الى الان يبرر ون ما تم ،، ولا يعترفون باخطائهم بل ويدعون ان الرئيس مرسي لو اكمل ال4 سنوات لتغير وجه مصر ،،، يا استلذ قطب ،،، قد تكون ظروفك الان لا تسمح بما اقول ،،، لكن المشاركه بمراوغة لن تقدم حلا ،،، الا الان لا توجد رؤية جامعة للخروج من المازق ،،، الى الان الاخوان انفسهم يهربون للامام تارة وللخلف تارة اخرى ،،، المرشد بالسجن يقول ان رؤية الحل بيد الاخوان خارج السجن ،،، والاستاذ ابراهيم منير بالخارج يقول ان اخوان السجون لهم الكلمة الاولى ،،، والدكتور طلعت فهمي يقول القرار بيد الرئيس مرسي ،،، ولا احد منهم ولا منا يعرف ما هو الحل الذي بيد المرشد او الرئيس او لي احد ،،، آزمة السابق كان نمط ادارة قيادات الجماعة ،،وازمة الحالي هي طريقة تفكير ما تبقى من قيادات الجماعة ،، وازمة القادم هي اننا بحاجة لجيل جديد وقيادات اكثر احترافية ومهارية