كتاب عربي 21

راياتُ الأمل على أطلال يناير

وائل أبو هلال
1300x600
1300x600

قِف! تمهّل، تهيّأ، فأنت في أرض "حرام"! هنا سُكِب الدّم الحرام! هنا تلفّع الثوار برايات الحريّة فكانت لجثثهم أكفانا! هنا قُطّعت الأصابع فلم تبق إلّا بصمة الإبهام تشهد على صاحبها أنّه "ثائر"!


قِف هنا على الأطلال؛ أطلال الشهداء والثوّار والأحرار، قف هنا على أطياف الأسرى في سجون الطغاة! تمرّغ في التراب الطاهر! فلربّما لامَس جسدَك رفاتُ ألف شهيد! اقبض حفنة منه وخلّلها بين أصابعك "الأربعة"، بل تطهّر بها ففيها طُهر الشهادة!


"انهض" بسرعة؛ قبل أن يجرفك طيف الجثث المحترقة، ارفع يدك اليمنى واقبض إبهامك وودّع مئذنة الميدان! ودّعها فلطالما صدحت بهتاف الحريّة والثورة!


أدّ التحية بتهيّب وأنشد: "أنا الشعبُ أنا الشعبُ لا أعرف المستحيلا"؛ وامضِ شامخا بما يليق بشموخ "حبيبة" و"أسماء" وأرواح آلاف الشهداء!


ولا تنسَ أن ترمق – بنظرة إجلال - "آثار" المشرّدين من كرامِ مصر وكبارها، الذين ما غادروها إلّا ليعودوا إليها كراما وكبارا رغم أنف صغارها! ثمّ امضِ!


امضِ نحو "ميدان التحرير"؛ وقل لكل ركن ورمز وأثر وطيف فيه سلام!! تحسسس هواءه، وشمّ أرضه. قِف في وسطه بسكون وعزّة وكأنّك في محراب العز بن عبد السلام! كبّر فأنت في حضرة الشهداء!

 

صلّ على أرواحهم فهي تحلّق في كلّ زاوية! ... لا تستثنِ أحدا، لا تنسَ روحا.. كلّ الشهداء الذين قضوا فداء للحرية منذ سبعين عاما يستحقون الصلاة وقوفا، وخصّ منهم من تشرّف بالشهادة على يدي جلاده المصري شنقا أو حرقا أو سجنا أو سحلا أو رميا برصاص حيّ أو مطاطي أو دهسا تحت عجلات سيارة معربد مأجور أو قهرا أو وأْدا ... آهٍ! يا للقتل المستعرّ في هذه الأمّة متى يخبو أواره؟!


طُف بأرواحهم في حواصل طير خضر تحت عرش الرحمن، وأمّلهم بنصر ما اكتحلت لنا به عينٌ، ولا خفق له قلبٌ منذ أكثر من مئة عام. ارفع لهم راية الحرية التي بذلوا حياتهم في سبيلها ليرحل عنّا سلاطين الجور، ليطمئنّوا أنّنا ما زلنا على العهد نحمل الراية، ولن نخذلَ دماءَهم.


هنيئا لكم أيها الشهداء، فقد فزتم مرّتين! مرّة إذ نلتم الفردوس الأعلى، ومرّةً إذ لم تَرَوا من الفجور ما نرى!
لا تجلس! اتركهم في شغل فاكهين!


خلِّف الميدان وراءك ويمّم شطر النهر الخالد، ضمّه بعينيك، تنّفس نسيمه عبيرا صافيا يملأ رئتيك، تغزّل به كما ناغاه متغزلا "جريس فضل دبيات":


أفديكِ يا مصرُ نيلا


للمجد يَروي الغليلا


لا يقبل الظلم سيفا


فوقَ الرقاب مَهولا


ولا يُساير وغدا


ذيلاً يجرّ الذيولا

 


 وغنّ له بقلبك: "أنا الشعبُ أنا الشعبُ لا أرتضي للخلود بديلا"ّ، هكذا هي الثورة وهكذا هم الثوّار؛ خلودهم من خلود أرضهم ومائهم ومسك دمائهم!


إيه أيها النهر! لم تعد وحدك تنافس بعظمتك الهرم! فها هو جارك "الميدان" يسطر للعظمة سفرا ستتلوه كل الميادين! ولن يُساير الأوغاد مهما طغوا؛ فهم طارئون على "العظمة" وإن ادّعوا الألوهيةَ واستعبدوا الأحرار حينا! هم زائلون كما الزبَد، سيذهبون جُفاء وإن ظنّوا أنّهم ماكثون! ستلفظهم الأرض الطيبة لأنّها لا تقبل خبثا طارئا!


لست وحدك يا قاهرة المعزّ حبيبة الثورة والثوار؛ فشقائقك على ضفاف النيل وشواطئ المتوسط والأحمر كلها قامت تنفض غبار الذلّ عنها، وترقص طربا للحرية والأحرار، وما زالت راياتها تخفق في سماواتها الحرّة، رغم تخضّبها بدماء الملايين من الشهداء!


طبتِ يا مصر – كلّ مصر- حرّة أبيّة، حتى وإن كَبَوْتِ لحظة أمام سطوة الجلاّد، حتى وإن خبتْ نارُ ثورتك فلن تُطفئها "ريح" الطغاة! ستعودين – بأحرارك - " أمّ الدنيا " إلى عرشك من جديد.


وبعد سبع عجاف، مُلئِت الأرض فيها قتلا وظلما وسجنا وتشريدا؛ آن لليلك أن ينجلي، وآن لشعبك أنْ يعتزّ بانتمائه لك ولهذه الأمة، وأن يحلم بمستقبل أفضل، بعد أن بذل في سبيله أغلى ما يملك.
وكلّ ثورة وأنتِ موطنٌ للأحرار!

0
التعليقات (0)