مقالات مختارة

قانون الانتخابات البرلمانية: مقال في العبث

يحيى الكبيسي
1300x600
1300x600

أخيرا، وفي سيناريو مكرر للمرة الثالثة، يتم تمرير تعديل قانون الانتخابات البرلمانية في العراق على عجل، وفي اللحظة الأخيرة، تبعا لتوقيتات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات! فقد تم قبل ذلك، تمرير قانون انتخابات مجلس النواب لعام 2010 في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2009، قبل أربعة أشهر فقط من الانتخابات التي جرت يوم 7 آذار/ مارس 2010، وأيضا قانون انتخابات 2014 في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 قبل خمسة أشهر فقط من الانتخابات التي جرت في 30 نيسان/ أبريل 2014، وها هو قانون انتخابات 2018 يمرر اليوم قبل 110 أيام فقط، من موعد إجراء الانتخابات المقررة في 12 أيار/ مايو 2018! أي بعد عشرة أيام من بدء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بإجراءاتها الخاصة بجدولها الزمني انطلاقا من تشكيل التحالفات وتقديم أسماء المرشحين، مع أن هاتين المسألتين ترتبطان ارتباطا وثيقا بالقانون وأحكامه؛ إذ يفترض أن طبيعة التحالفات تتأثر تأثرا شديدا بالمعايير التي يحددها هذا القانون.


فقد أعلنت المفوضية يوم 7 كانون الثاني/ يناير موعدا نهائيا لتسجيل التحالفات، ثم مددت هذا الموعد إلى يوم 11، واضطرت أخيرا إلى تمديد هذا الموعد ضمنيا، عبر الصمت المطبق، لخمسة أيام أخرى تقريبا، بسبب عدم توصل «الأقوياء» إلى الاتفاق على تحالفاتهم في الموعد المحدد! فحزب الدعوة الإسلامية لم يحسم الصراع بين الأمين العام للحزب نوري المالكي ورئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، إلا يوم 13 عندما أصدر الحزب بيانا قرر فيه عدم دخوله في التحالفات السياسية والانتخابية بصفته كحزب سياسي، وأعطى لأعضائه الحرية بالمشاركة في الانتخابات بعناوينهم الشخصية! وهو بيان يضرب قانون الأحزاب عرض الحائط ويكشف طبيعة اللادولة الحاكمة في العراق! 


ثم أعلن في اليوم نفسه "رسميا" عن تشكيل ائتلاف «نصر العراق» بين ائتلاف النصر الذي يقوده رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، وتحالف "الفتح" المشكل من ميليشيا الحشد الشعبي بقيادة هادي العامري. وأعلن في اليوم التالي عن التوقيع الرسمي على تشكيل هذا الائتلاف! ثم أخيرا الإعلان يوم 16 عن تفكك هذا الائتلاف حين أعلن هادي العامري "رسميا" انسحاب تحالفه! وكل هذا تم بعد الموعد المحدد الذي أعلنته المفوضية وأمام أعينها، خضوعا لإرادة "الأقوياء".


واستمرارا لسلسلة التواطؤات، أصدرت المفوضية "المستقلة" يوم 16 كانون الثاني/ يناير، جدولا بالتحالفات وضعت فيه كتلة "الحكمة" بزعامة السيد عمار الحكيم ضمن ائتلاف النصر برئاسة العبادي على الرغم من أن هذا التحالف لم يتم تشكيله إلا في يوم 14 من الشهر نفسه، أي بعد انتهاء المهلة الرسمية المعلنة بثلاثة أيام!


لقد تضمن القانون المعدل خمسة شروط على السلطة التنفيذية توفيرها، وهي: توفير البيئة الآمنة لإجراء الانتخابات، وعودة النازحين إلى مناطقهم، وأن يكون التصويت "إلكترونيا" في جميع المناطق، وان لا يكون للأحزاب، التي تخوض الانتخابات، أجنحة مسلحة، وأخيرا أن تتولى وزارتا الدفاع والداخلية تأمين إجراءات العملية الانتخابية أمنيا. وهي شروط عبثية بكل معنى الكلمة! وقد وضعت لحفظ ماء وجه الأطراف التي كانت تدعو لتأجيل الانتخابات، مع علم الجميع أن أيا من هذه الشروط لن يتحقق! فقد عجزت السلطات التنفيذية عن ضمان "البيئة الآمنة لإجراء الانتخابات" في جميع الانتخابات السابقة! كما لا يمكن تخيل عودة أكثر من 3.385 مليون شخص ما زالوا نازحين تقريبا، تبعا لآخر إحصائية أصدرتها وزارة الهجرة والمهجرين في17 كانون الثاني/ يناير 2018، أو ما يقرب من 2.6 مليون شخص ما يزالون نازحين تبعا لآخر إحصائية أصدرتها منظمة الهجرة الدولية في 13 كانون الثاني/ يناير 2018، مع وجود إرادة صريحة لأطراف، مغطاة سياسيا، بمنع عودة النازحين إلى مناطق عديدة تمت استعادتها منذ أكثر من ثلاث سنوات، كما هو الحال في مناطق جرف الصخر وسليمان بيك ويثرب وعزيز بلد، ومناطق عديدة أخرى في محافظة ديالى! أما الشرط الثالث فهو يعكس إشكالية الصياغات القانونية في عراق ما بعد 2003! فالواقع يقول انه ليس ثمة تصويت إلكتروني أصلا لكي يدعوا إلى الاعتماد عليه في جميع المناطق، والمفارقة أن تعديل القانون نفسه قد تضمن فقرة تحدثت عن إجراء "عملية الفرز والعد باستخدام جهاز تسريع النتائج الالكتروني"، وهو التوصيف الصحيح. ويبدو أن التسرع كان السبب الرئيسي في هذا التناقض الفاضح! 


أما الشرط الرابع فيبدو عبثيا بشكل واضح جدا! فقد عجز مجلس النواب نفسه عن ضمان الالتزام بالمادة الدستورية التي قررت حظر تكوين ميليشيا مسلحة خارج اطار القوات المسلحة (المادة 9/ ب)، وقبل بإنشاء ميليشيا خارج إطار القوات المسلحة! او بالمادة التي قررت أنه لا يحق لعضو مجلس النواب الجمع بين عضوية المجلس وأي عمل أو منصب آخر (المادة 49/ سادسا)، فسمح لأعضائه بتشكيل ميليشيات مسلحة وقيادتها! كما أن المجلس لم يتوقف للحظة لمساءلة دائرة الأحزاب في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، التي سجلت عشرات الأحزاب التي هي في الأساس ميليشيات مسلحة، أو لديها ميليشيات مسلحة، على الرغم من أن قانون الأحزاب رقم 36 لسنة 2015 الذي أقره مجلس النواب نفسه قد اشترط لتأسيس أي حزب ألا يكون "متخذا شكل التنظيمات العسكرية أو شبه العسكرية، كما لا يجوز الارتباط بأية قوة مسلحة"! وقد فشل المجلس نفسه في إنفاذ قانون هيئة الحشد الشعبي رقم 40 لسنة 2016 الذي أقره مجلس النواب نفسه، والذي قرر فيه فك الارتباط بين منتسبي هذا الحشد وكافة الأطر السياسية والحزبية والاجتماعية! فقد بقيت هذه الميليشيات تحت إمرة زعمائها! بل أن قيس الخزعلي، زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق، تحدث صراحة عن ضرورة التمييز بين الانتماء من الناحية العسكرية للحشد الشعبي والانتماء من الناحية التنظيمية للميليشيات! 


الشرط الخامس والأخير كان إشارة ضمنية إلى التحفظات تجاه نفوذ ميليشيا الحشد الشعبي في المحافظات ذات الغالبية السنية، فالحديث عن تولي وزارتي الدفاع والداخلية تأمين إجراءات العملية الانتخابية، يعني ضمنا إبعاد هذه الميليشيات عن التدخل والتأثير في العملية الانتخابية. 


وبالتأكيد لن يتمكن المجلس من إلزام السلطة التنفيذية بهذا الشرط! خاصة وأن المادة قابلة للتأويل، كما كان يجري دائما! من خلال تسويق أن الميليشيات هي جزء من القوات المسلحة، وأنها تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة، وبالتالي هي من ضمن القوات الرسمية التي يحق لها أن تؤمن إجراءات العملية الانتخابية! لاسيما أن هذه الميليشيات عمدت إلى إنتاج قوى محلية، أطلقنا عليها تعبير "سنة الحشد"، والتي ستدعمها بشكل مباشر عبر المال السياسي وسياسة الخدمات من جهة، وبشكل غير مباشر عبر التأثير على نتائج الانتخابات لضمان فوز أتباعها. وهي إمكانية متاحة بالنظر لضعف توزيع البطاقات الانتخابية الإلكترونية في هذه المناطق، ولإشكاليات توزيع أجهزة العد والفرز الإلكترونية (توزيعها على مستوى المراكز وليس على مستوى المحطات الفرعية، وبالتالي إمكانية التزوير عبر "التسويد" في هذه المحطات)، وللقدرة على التأثير على قرارات الناخبين بالقوة من خلال مسلحيها، أو منع الناخبين غير الموالين من الوصول إلى المراكز الانتخابية أصلا! 


إن السيناريوهات المتكررة للهاث اللحظة الأخيرة لإقرار قانون الانتخابات، تعكس مرة أخرى أزمة الدولة، أو بالأحرى اللادولة في العراق! كما يعكس أزمة حقيقية في طبيعة تعاطي ممثلي الشعب المفترضين مع التزاماتهم السياسية والقانونية، بل وحتى الأخلاقية. وليس ثمة مؤشر واحد على إمكانية تجاوز هذه الحالة قريبا!

0
التعليقات (0)