كتاب عربي 21

الإسلاميون والثقافة الجنسية

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600

الجدل في تونس لا يتوقف؛ منذ أن أصبح الكلام مباحا في كل شيء، ولا يكلف أصحابه أي ثمن باهض؛ كما كان الشأن في عهد الدكتاتورية. كما أن التونسيين يختلفون حول أي مسألة من المسائل، مهما بدت بسيطة أو معقدة. لا يوجد ترتيب أو أولويات، إنما توجد رغبة لدى النخبة بالخصوص في حسم كل القضايا، مهما بدت عويصة ومحرجة، حالا وبدون تأجيل. ولهذا لم يعد مستغربا أن تندلع معارك غير منتظرة في كل يوم، وفي نفس الوقت.

 

ارتفع صوت نسائي للمطالبة بضرورة إدراج التربية الجنسية ضمن المقررات المدرسية


في هذه الأيام، رغم الصراع المحتدم حول ميزانية الحكومة لسنة 2018، واشتعال الأسعار بشكل غير مسبوق، والجدل المستمر حول التوافق السياسي القائم بين حركة النهضة وحزب نداء تونس، إذ هناك من يرى فيه تجميدا للحياة السياسية في مقابل من يدافع عنه باستماتة انطلاقا من كونه ضرورة حيوية لحماية الانتقال الديمقراطي.. رغم كل هذه الملفات المحتدمة، ارتفع صوت نسائي للمطالبة بضرورة إدراج التربية الجنسية ضمن المقررات المدرسية. ورغم أن هذه الدعوة ليست جديدة، إلا أن الذي أكسبها طابعا مميزا و"طريفا" أن صاحبتها قيادية في حركة النهضة، وعضو بالبرلمان؛ تدعى السيدة أمينة الزغلامي.

هذه الدعوة جعلت صاحبتها عرضة لهجوم الأوساط المحافظة، من داخل حركتها ومن خارجها، حتى بلغ الأمر بأحدهم لأن دعا عليها بقوله: "بصمات الخزي والعار ستظل تلاحقها إلى حين مماتها وبعد مماتها"! وهو أمر متوقع؛ لأن الثقافة السائدة لدى قطاع واسع من المتدينين على النمط التقليدي، أو في صفوف جزء لا يستهان به من الإسلاميين، تستند على رؤية تجعل من الجنس منطقة محظورة، لا يقترب منها إلا المتزوجون؛ المطالَبون بدورهم أن يغلقوا الأبواب والنوافذ قبل أن يشرعوا في الحديث عن هذه المسألة ورموزها ودلالاتها. وحتى في هذه الحالة، لا يوجد ضمان في صحة المعلومات الجنسية التي بحوزتهم، سواء بالنسبة للذكور أو الإناث.

 

تعرضت صاحبة الدعوة للغمز واللمز من قبل بعض الأوساط العلمانية؛ التي لم تر في دعوة هذه السيدة المحترمة إلا نوعا من المناورة الحزبية


من جهة أخرى، تعرضت صاحبة الدعوة للغمز واللمز من قبل بعض الأوساط العلمانية؛ التي لم تر في دعوة هذه السيدة المحترمة إلا نوعا من المناورة الحزبية، واستعمال الخطاب المزدوج من أجل تقديم صورة نقية عن "الإسلام السياسي" المطعون في مصداقيته الأخلاقية والسياسية لدى هؤلاء. إذ هناك من هو مصر على تأويل أي موقف إيجابي يصدر عن إسلامي تأويلا سلبيا لا يخرج عن نطاق المناورة والخداع، اعتقادا من هؤلاء أن الإسلاميين كائنات متحجرة بالولادة، لا يمكنهم أن يصححوا مساراتهم أو يطوروا رؤاهم ومواقفهم، وإذا حصل شيء من هذا القبيل، فهو لن يكون إلا تكتيكا وتعديلا مؤقتا لقضاء حاجة في نفس يعقوب.

قد يبدو موضوع الثقافة الجنسية مسقطا على المرحلة الصعبة التي تمر بها تونس؛ نظرا لتعدد المخاطر التي تحاصر تجربة الانتقال من جوانب متعددة. لكن الخطأ الذي يرتكبه الكثيرون؛ عندما يتعمدون، بوعي أو بغير وعي، تأجيل النظر في القضايا التي تشغل الملايين من الشباب بحجة أنها لا تشكل أولوية لدى أصحاب القرار والنفوذ. ولهذا، يطلب من هذه الشريحة العمرية باستمرار تأجيل مشاغلها، وحتى همومها، في "انتظار أن تتهيأ الظروف المناسبة". ويخدع هؤلاء أنفسهم عندما يعتقدون بأن هؤلاء الشباب واليافعين سينزوون في مكان ما، وسيبقون ينتظرون دعوة الكبار عندما يحين الوقت المناسب. إذ لا يزال هؤلاء الكبار يعتقدون بأنهم "السلطة" الوحيدة التي تتحكم في تحديد مصير أبنائهم وتوجيههم نحو الأفضل.

 

الخطأ الذي يرتكبه الكثيرون؛ عندما يتعمدون، بوعي أو بغير وعي، تأجيل النظر في القضايا التي تشغل الملايين من الشباب بحجة أنها لا تشكل أولوية


ما هكذا تسير الأمور، ولا هكذا تتغير المجتمعات. والنخب الحاكمة التي لا تضع في حسبانها ضرورة الاستماع إلى مطالب الشباب، والدخول معهم في حوارات مستمرة وصريحة وتشاركية؛ هي ليست مؤهلة لإدارة الشأن العام وقيادة شعوبها. والمسألة الجنسية لم تعد حكرا على الآباء والأمهات، مهما حاولوا إبعاد أبنائهم وبناتهم عن التفكير فيها وتخويفهم منها. إن حجم المعلومات الجنسية المتداولة حاليا بين اليافعين واليافعات، وحتى في صفوف الأطفال، هي أضعاف أضعاف ما كان متوفرا للأجيال السابقة. والمشكلة اليوم لم تعد تكمن في كمية هذه المعلومات، وإنما في مدى صحتها، وفي غياب المعرفة العلمية لدى هؤلاء الشباب للتمييز بين ما ينفعهم وما يضرهم. والأخطر من ذلك؛ هو ما سيترتب عن فقدان المعرفة العلمية من من كوارث لن يستطيع الكبار تقبل نتائجها. ويكفي النظر في تعاظم الظواهر السلبية التي تفشت في أوساط الشباب، حتى ندرك أهمية التعجيل بإدراج الثقافة الجنسية الضرورية ضمن برامج التدريس. وهي معرفة لن تضعف الأخلاق الحميدة - كما يتوهم البعض - وإنما، على العكس من ذلك، ستساعد على تمكين هذه الأخلاق من سند علمي، إضافة إلى بقية مرتكزات المنظومة الأخلاقية.

المهم أن يدرك الجميع بأن العالم قد تغير، وأن دخول التكنولوجيا في أدق تفاصيل الحياة قد قضى على الأنظمة التقليدية في كل مجال، بما في ذلك المجال التربوي. أبناؤنا لم يعودوا ملكا لنا، وعلينا أن نمكنهم من الأسلحة الضرورية ليكونوا ملكا لأنفسهم؛ حتى لا يصبحوا على ملك الغير!

التعليقات (1)
الباشا
السبت، 10-02-2018 10:19 م
السلطة الشرعية الآتية من الاختيار الحر وحدها من يمهد لمواجهة التحديات ، ولما لا السبق في اختيار ما يؤهل مجتمعها للسلامة والأمن والأمان ، قليل من الكلام وكثير من العمل في سبيل حياة وأمن المجتمع كفيل بتوضيح الرؤية . حركة النهضة مطالبة بعمل غير معتاد ولا كما يتوقعه كثير من المنتمين انتماء مجردا ، النخبة على مستوى هذه الحركة مطالبة ببعض العمليات القيصرية الطارئة لتغيير كثير من الذهنيات ، في سبيل تونس آمنة ومزدهرة يهون كل شيء . والبداية تكون بوجوب تفعيل المبدأ الذي يؤسس : مبدأ اللاعنف يحكم فكرة التدافع .