كتاب عربي 21

التخاذل الرسمي التونسي والتنطع الإماراتي!

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600

بعد حوالي الأسبوعين من الإعلان الإماراتي "عن استثناء النساء التونسيات من السفر إلى وعبر المطارات الإماراتية"، أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية أنها تعتزم استئناف الرحلات الجوية مع تونس، بعد تبادل للمعلومات الأمنية، في حل لخلاف بشأن حظر على الراكبات التونسيات.

الحقيقة أن هذا القرار ليس منقوصا فقط، بل يمعن في مواصلة إهانة السلطات التونسية. في المقابل، أعلنت الأخيرة، عبر وزارة النقل "عن استئناف شركة الخطوط الإماراتية لرحلاتها الجوية من وإلى تونس". التنطع الإماراتي قابله - للأسف - تخاذل رسمي تونس غير مبرر، خاصة أنه يأتي من قبل قيادة سياسية تونسة تلاعبت على طول الخط، ومنذ سنوات، بشعار "هيبة الدولة" و"تحيا تونس"، وغيرها من الإعلانات "الوطنجية" التي تتهم غيرها ضمنيا بنقص الوطنية. ويؤكد في ذات السياق؛ مضمون "الوثيقة المسربة"، خاصة فيما يتعلق بالتمسك بعدم الاعتذار لتونس.

 

هذا القرار ليس منقوصا فقط، بل يمعن في مواصلة إهانة السلطات التونسية


تضمن الإعلان الإماراتي عددا من النقاط تستوجب التوقف عندها، بدءا من أن الإعلان أتى لأول مرة من قبل وزارة الخارجية الإماراتية، في الوقت الذي كانت المصادر الإماراتية، وأيضا التونسية التي تطوعت للدفاع عن موقف أبو ظبي، تشير باحتشام إلى أن "مصدر القرار من الإمارات"، وتحرص على حصر الموضوع في الشركة الناقلة لا غير. بمعنى آخر، هذا الإعلان يؤكد مرة أخرى أن القرار - كما يفترض بديهيا - هو قرار سياسي تختص به الديبلوماسية الإماراتية، وليس تقنيا أمنيا كما تم الترويج له في البداية.

فيما يخص مضمون البيان الإماراتي، يتعرض إلى ما يعتبره أسباب المشكلة وكيفية حلاه حسب الزاوية الإماراتية: "في إطار دفع الأخطار والتهديدات التي يجب تلافيهما على أوسع مدى.. وفي ضوء التواصل الأمني المكثف والمعلومات التي تم الحصول عليها من الجانب التونسي، قررت السلطات المختصة في دولة الإمارات عودة الإجراءات المتبعة لما كانت عليه من قبل الظرف الطارئ".

وهنا يستوجب الأمر ملاحظتين أساسيتين:

 

 

صيغة البيان الرسمي تتجاهل الاعتذار، رغم الطلب الرسمي التونسي للاعتذار، في تصريح لوزير الخارجية التونسي

أولا: صيغة البيان الرسمي تتجاهل الاعتذار، رغم الطلب الرسمي التونسي للاعتذار، في تصريح لوزير الخارجية التونسي.

ثانيا: تواصل السلطات الإماراتية في البيان تحميل المسؤولية ضمنيا للجانب التونسي (أنه مدها بمعلومات أمنية بما يرفع أسباب الحظر)، في حين ممثلي وزارة النقل بينوا بوضوح أن الطلب الإماراتي الأصلي غريب، وأنه كان يمكن التعاون وفقا لصيغ معروفة وجاري بها العمل منذ البداية؛ إذا كان الأمر متعلقا بمخاطر أمنية.

إزاء هذا التنطع الإماراتي الواضح، قامت السلطات التونسية بالالتزام بالمقاربة التقنية، حيث لم تصدر الخارجية بيانا مقابلا، بل أصدرت وزارة النقل التونسية بيانا عرض زاوية أخرى لما حصل: "تعلن وزارة النقل عن استئناف شركة الخطوط الإماراتية لرحلاتها الجوية من وإلى تونس. ويأتي هذا القرار اثر رفع إجراءات المنع في حق المواطنات التونسيات، وبعد اتصالات مع الجانب الإماراتي على مختلف المستويات، والتوصل إلى اتفاق تلتزم بمقتضاه الشركة الإماراتية باحترام القوانين والمعاهدات الدولية، وأحكام الاتفاقية الثنائية في مجال النقل الجوي المبرمة بين الجمهورية التونسية ودولة الإمارات العربية المتحدة بتاريخ 23 نيسان/ أبريل 2000، والحرص على تفادي ما حدث مستقبلا؛ وكل ما من شانه أن يمس أو يسيء للعلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين، بما يحفظ مصالح البلدين وأمنهما المشترك".

 

تواصل السلطات الإماراتية في البيان تحميل المسؤولية ضمنيا للجانب التونسي (أنه مدها بمعلومات أمنية بما يرفع أسباب الحظر)


ومن الواضح هنا؛ أن "الجانب الإماراتي على مختلف المستويات" لا يخص فقط شركة الخطوط الإماراتية، وأن التفاوض كان يتم مع السلطات الإماراتية مباشرة، وأن تفاوضا من هذا النوع كان يستوجب بالضرورة تدخل وزارة الخارجية التونسية.. وإذا اضفنا إلى ذلك زيارة كاتب الدولة للخارجية التونسية إلى أبو ظبي، فمن الواضح أن الطرف التونسي المفاوض هو الخارجية وليس النقل. في المقابل، امتناع الخارجية في الظهور في الصورة؛ يعني أن الطرف التونسي يخشى من نقل الموضوع رسميا للخارجية، لإبقائه في إطار وزارة النقل، بداعي عدم إحراج الجانب الإماراتي الذي لم ير مانعا - في المقابل - أن يعلن رفع الحظر عبر الخارجية وليس غيرها.

في المحصلة، السلطات في تونس، بل السبسي مباشرة؛ ضرب بعرض الحائظ طلب حكومته بالاعتذار العلني، وتجاهل الجانب السياسي في الموضوع. وقبل التبريرات الإماراتية التي تحمّل الجانب التونسي مسؤولية ما حصل، عبر "تخلفه" في القيام بإجراءات أمنية محددة، ولم يشر إلى أي التزام بالمعاهدات الدولية القائمة. وهذا يعني تحديدا أن إعادة الكرة ممكن في أي وقت.

فوق ذلك، كان على الطرف التونسي إعادة التفاوض حول ارجاع الخطوط التونسية للعمل على دبي، عبر طرح المنافسة غير العادلة التي تقوم بها السلطات الإماراتية؛ من خلال فرض الحصول على تذاكر من الخطوط الإماراتية لأي تونسي يريد الحصول على فيزا للإمارات، وهو ما جعل رحلات الخوط التونسية غير قادرة على المنافسة، وأدى لتوقف رحلاتها، منذ سنة 2015، إلى دبي، رغم وجود جالية تونسية في الإمارات تفوق العشرين ألف مواطن.

 

هناك فوائد فيما حصل، من حيث تعرية الشبكة الإماراتية في تونس من سياسيين وإعلاميين؛ ذادوا عن الإمارات أكثر من تونس


لكن هناك فوائد فيما حصل، من حيث تعرية الشبكة الإماراتية في تونس من سياسيين وإعلاميين؛ ذادوا عن الإمارات أكثر من تونس، وخاصة أولئك الذين تشدقوا بشكل مستمر بشعارات "وطنجية"، والمزايدة بالانتماء إلى تونس، ما يبين بوضوح أمام الرأي العام التونسي ما هو واضح لدى النخبة السياسية؛ من أن ولاءهم لأبو ظبي وليس لتونس، وأن أي مغامرة تدفعهم إليها الأخيرة؛ فلن يتأخروا عن سداد الدين.

التعليقات (0)