مقالات مختارة

لن يدمروا الأقصى

صالح عوض
1300x600
1300x600

المسجد الأقصى والمقدسات في القدس ليست عقارا برهن البيع والشراء ليوقع عليه رئيس الإدارة الأمريكية بوثيقة تمليك في حفل استعراضي، كما حاول أن يفعل.. والرد هو ما جاء من العالم كله الذي رأى في التصرف الأمريكي عدوانا صارخا على أكبر حقائق التاريخ وأعظم ثوابت الحق الإنساني.. جاء الرد من قادة ومفكرين وإعلاميين وأحزاب ونخب، والأهم أنه جاء من شعوب الأرض قاطبة.. الناس كل الناس، مسلمين ومسيحيين، ويهود منصفين، وقفوا وقفة رجل واحد ضد التصرف الأمريكي الأرعن الذي رأى فيه بعض النابهين الصهاينة أنه سيتسبب في إهراق مزيد من دم الصهاينة.

نحن نعرف أن الخطوات الاستعمارية لا تراعي قانونا ولا حقوقا ولا رأيا عاما، إنما هي القوة الغاشمة المتغطرسة التي ترسم خارطة الواقع بنيران الصواريخ والقتل الجماعي، ولكننا نعرف أيضا وفي الدرجة نفسها أن الواقع الذي تصنعه القوة لا يستقر على حاله وهو آيل إلى الانهيار في أي لحظة يختل فيها ميزان القوى. وهذا درس التاريخ البليغ.

ما حصل حتى الآن هو فحص بتنغيص مكنونات الناس العاطفية ولقيمهم الإنسانية والدينية، أظهر أن الأمة حية وأن الضمير الإنساني حي، بما فيه الكفاية، لإحداث الإجماع الكوني على حقيقة عزلت ترامب حتى بين حلفائه الدوليين وأظهرت لا شرعية الوجود الاستيطاني الصهيوني في فلسطين وأعادت القضية إلى نقطة الصفر قبل أن تشتتها الألاعيب السياسية.. وأشار الفعل القوي لطلائع الأمة في كل مكان إلى أن المستقبل الواعد بالعزة والكرامة قاب خطوتين أو أقل.

والآن ماذا يتوقع الصهاينة؟ أن الخديعة التي مورست على كثير من يهود العالم فانساقوا خلفها منتشين بلحظة الضعف الراهنة للأمة تكشفت عبر عقود سبعة أن هذه الأرض الفلسطينية ليست أرض العسل واللبن، وأن الرب سبحانه لا يمكن أن يعدهم بأرض يُذبحون فيها، وأن تكون ثقافة الطعن بالسكاكين والصواريخ التي تُلجئهم إلى الملاجئ أسابيع وأشهرا هي ما وُعدوا كما حاول مدير المسرح الصهيوني أن يقول.. أن أحمالا إضافية ألقت بها سياسة الإدارة الأمريكية على كاهل الكيان الصهيوني ستعجل بلا شك بتفجيره وتشتيته؛ فهو كيان قائم على البطش والقوة ولا يحتمل هزيمة واحدة، كما قال أخطر قياداته التاريخية "بن غوريون"..

الشعب الفلسطيني أذهل الجميع، بحضوره الفعال وحيويته الحضارية في إحداث الاشتباك الشامل مع المؤسسة الاستعمارية، وهو ينبعث لانتفاضته الرابعة بكل لياقة، مقدما جيلا من الشباب المثقف الواعي الذي غسل يديه تماما من الأحزاب وروح التخاصم بينها، لا هدف له إلا القدس، ولا منهج له إلا المقاومة.. الشعب الفلسطيني يبدع أنماطا متجددة من المقاومة ويوسع ساحات الاشتباك، رغم كبير الإهمال الذي تمارسه عليه المنظومة السياسية العربية والإسلامية، ورغم التلهي الشيطاني الذي أطل بقرون الشيطان الطائفية ودعاتها المتنطعين..

وشباب الأمة ورجالها ونساؤها لن يمرروا للعدو الأمريكي هذه الخطوة التي استهدفت كرامتهم ودينهم وتاريخهم بلا أي مسوغ أخلاقي أو قيمي أو قانوني أو ديني.. ومهما كانت نتائج هذا الصدام الآن، فإن القدس ستكون قنديل الصحوة العربية الإسلامية للوحدة والاستقلال والنهضة، وللتحرر من فتن الطوائف.. تولانا الله برحمته.



الشروق الجزائرية

0
التعليقات (0)