سياسة عربية

غضب بالجزائر لرفض باريس الاعتذار عن جرائمها الاستعمارية

الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون يزور البلاد غدا وحقيبته خالية من ملف الذاكرة- أرشيفية
الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون يزور البلاد غدا وحقيبته خالية من ملف الذاكرة- أرشيفية

يقوم الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، بزيارة عمل وصداقة، إلى الجزائر الأربعاء، تدوم يوما واحدا، وسط جدل بالجزائر إزاء خلو برنامج زيارته من ملف الذاكرة واقتصاره على الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية.

وقال بيان للرئاسة الجزائرية، الثلاثاء "بدعوة من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، سيقوم فخامة السيد إيمانويل ماكرون، رئيس الجمهورية الفرنسية غدا 6 ديسمبر 2017، بزيارة صداقة وعمل إلى الجزائر". 

وأكد البيان "أن هذه الزيارة تندرج في إطار الشراكة الاستثنائية التي ما فتئت الجزائر وفرنسا تعملان على بنائها وتعزيزها. إنها ستكون سانحة للبلدين ولاسيما خلال المباحثات التي ستجرى بين رئيسي الدولتين، لإيجاد السبل الجديدة لتعزيز التعاون والشراكة بين الجزائر وفرنسا والتشاور حول المسائل الإقليمية والدولية محل اهتمامهما المشترك".


من جانب آخر، قال بيان للسفارة الفرنسية بالجزائر، الثلاثاء، أنه " في إطار الزيارة التي سيقوم بها الرئيس مانويل ماكرون إلى الجزائر، الأربعاء، سيتناول الجانب الجزائري و الجانب الفرنسي، أهم المسائل الاقتصادية والأمنية والسياسية ذات الاهتمام المشترك".

ولم يتطرق بيان السفارة الفرنسية بالجزائر إلى المسائل التاريخية، وأهمها ما يعرف في العلاقات بين البلدين بـ"ملف الذاكرة" المرتبط بالحقبة التي كانت خلالها، الجزائر، تحت نير الاستعمار الفرنسي، الذي خلف مليون ونصف مليون شهيد وآلاف الأرامل و الأيتام.

لا سقوط بالتقادم

 

وأثار خلو برنامج زيارة الرئيس الفرنسي، من أي حديث عن ملف الذاكرة، غضبا واسعا لدى العديد من الأطياف السياسية في الجزائر، وما يعرف بالبلاد بمنظمات العائلة الثورية، التي رأت أن زيارة ماكرون، دون التطرق لجرائم "فرنسا الاستعمارية" غير ذات جدوى.

وأفاد ناصر حمدادوش، رئيس المجموعة البرلمانية لحركة مجتمع السلم، الإسلامية، في تصريح لصحيفة "عربي21"، الثلاثاء، بأن "ملف الذاكرة لا يمكن المساومة عليه ولا التنازل عنه، وهو حق تاريخي لا يسقط بالتقادم ولا تملك أي سلطة حقّ التراجع عنه". مضيفا بأن "ماكرون مطالبٌ بالأفعال وليس بالأقوال، وأن الحق التاريخي لا يُقابل بحقّ التنقل والهجرة والتأشيرة للأجيال الحالية، وإننا لن نقبل بالسلام في ملف الذاكرة".

وتكتسي زيارة الرئيس الفرنسي، مانويل ماكرون للجزائر، أهمية كبرى علاقة بما كان منتظرا بشأن الجانب التاريخي، إذ سبق لماكرون، وعلى غير عادة رؤساء فرنسا، أن أكد خلال زيارته الجزائر شهر شباط/ فبراير الماضي بصفته مترشحا لانتخابات الرئاسة الفرنسية، بأن "ما قامت به فرنسا شكل جرائم ضد الإنسانية"، مضيفا بمؤتمر صحفي آنذاك "أن الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي، إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية".

وفهم الجزائريون تصريح الرئيس الفرنسي، على أنه إيذان بعهد جديد في العلاقات مع فرنسا، سيفتح مع رئيسها "المحتمل" إمانويل ماكرون (قبل إنتخابه رئيسا بالفعل)، وأثار هذا التصريح موجة سخط على نطاق واسع بفرنسا، خاصة من جانب اليمين المتطرف الذي تمثله زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان، المعروف عنها عداؤها للإسلام والمهاجرين العرب في فرنسا، باعتباره اعتراف غير مسبوق من رئيس فرنسي إزاء جرائم بلاده في شمال أفريقيا.

تراجع


غير أن ماكرون بعث برسالة إلى الجزائريين، في تصريحات على هامش المنتدى الذي جمع دول الاتحاد الأفريقي ودول الإتحاد الأوروبي، الخميس الماضي، قال خلالها إن "فرنسا اليوم لا تتحمل استعمار الأمس".

وفي هذا الشأن، أوضح حمداودش، بأن "تصريحات ماكرون في بوركينافاسو بأنه ينتمي إلى جيل لم يعش مرحلة الاستعمار، تعتبر رسالة استباقية للجزائر بأنّه غير معني بملف الذاكرة، وهي تشبه رسالة ساركوزي سنة 2007 عندما قال: لا تطلبوا من الأبناء أن يتحمّلوا مسؤولية الأخطاء التي ارتكبها آباؤهم".

كما تابع حمدادوش، أن زيارة الرئيس الفرنسي تأتي في سياق "تكسير منه للتقاليد الرئاسية الفرنسية بزيارة الجزائر أولا مغاربيا، حيث تأتي هذه الزيارة بعد زيارته للمغرب، وهي تحمل دلالات رمزية في تراجع الدور الدبلوماسي والاقتصادي للجزائر ومكانتها الدولية، مقارنة مع المغرب".

وفي إطار ملف الذاكرة، تطالب الجزائر، باريس بضرورة "الاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي بالجزائر والاعتذار عنها رسميا، والذي عمر 130 سنة كاملة (من 1830 إلى 1962)، غير أن باريس ترفض الاستجابة للطلب الجزائري، وتدعو إلى "بناء مستقبل مشترك دون الالتفات إلى الوراء".

لكن الملاحظ أن الحكومة الجزائرية، هي الأخرى، لم تضع ملف الذاكرة، ضمن أولوياتها في العلاقات مع فرنسا، حيث سبق للبرلمان الجزائري أن رفض مشروع قانون يجرم الاستعمار، تقدم به نواب من مختلف الأطياف السياسية، عام 2009، ويطالب القانون فرنسا بالاعتذار عن جرائمها وتعويض الضحايا الجزائريين وعائلاتهم.

ويعتقد المحلل السياسي الجزائري، موسى أولبصاير أن "الحكومة الجزائرية هي الأخرى لا تملك إرادة سياسية تفرض من خلالها، على باريس الاستجابة لمطلب قطاع واسع من الجزائريين، كما أنها تفتقد لنقاط القوة وأوراق الضغط".

وتابع أولبصاير في تصريح لصحيفة "عربي21"، الثلاثاء: "سحب مشروع قانون تجريم الاستعمار تم بأوامر فوقية، ودائما تقع الجزائر ضحية مساومة بين المصالح الاقتصادية وملف الذاكرة".

توتر دائم 


وتتسم العلاقات الجزائرية الفرنسية بتوتر دائم، وعلى مدار السنوات العشر الأخيرة، زار الجزائر، كبار المسؤولين الفرنسيين، بمن فيهم الرؤساء: جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند وأخيرا إمانويل ماكرون، وتشابهت خطاباتهم بضرورة طي صفحة الماضي و التأسيس للمستقبل من خلال تعزيز العلاقات السياسية و الاقتصادية.

غير أن معظم الملفات التي تم التفاهم بشأنها لم تعرف طريقها إلى النجاح بسبب عجز الطرفين عن حسم ملف الذاكرة، ورفض الجزائريين، استمرار باريس في سياسة التجاهل إزاء مطلبهم القاضي بالاعتراف ثم الاعتذار رسميا عن الجرائم الاستعمارية وتعويض ضحاياها.

ويعتقد القيادي بحزب الشباب الجزائري، مسعود حاسيم أنه "لا يمكن أن تكون هناك علاقات طبيعية مع فرنسا دون تسوية ملف الذاكرة"، متابعا في تصريح لصحيفة "عربي21": "فرنسا دوما تستفيد من قاعدة رابح – رابح في علاقاتها الاقتصادية مع الجزائر وهذا على حساب الشعب الجزائري".

غير أن النائب عن حزب العدالة و البناء، منصور بلخيثر، يقول لـ"عربي21": "لا أعتقد أن تشبث الجزائريين بمطلب الاعتراف والاعتذار عن جرائم الاستعمار، سيضع حدا للأزمة التي تمر بها البلاد"، في إشارة منه إلى أن الجزائر بحاجة إلى التفكير في تجاوز الأزمة الاقتصادية وليس المكوث خلف مطالب من الماضي".

وأضاف بلخيثر "أمام الجزائريين رهان تجاوز المرحلة العصيبة التي تواجههم، ولا يمكن أن يكون مطلب الاعتراف والاعتذار، عاملا يلهي المواطنين عن الأهم الذي يكمن في البحث عن توافق فيما بينهم لفط الانسداد القائم في البلاد التي تواجه مستقبلا غامضا".

ونشرت مجلة "لوبوان" الفرنسية، الإثنين، ملفا كاملا وشاملا حول الوضع بالجزائر تحت عنوان "الجزائر البلد الأكثر غموضا في العالم" تضمن مجموعة من التحقيقات التي تناولت الواقع الذي تعيشه الجزائر، ومن أهم ما جاء بالملف  "الجزائر وبالرغم من كونها البلد الآمن الذي يحافظ على أمنه وسط جاراتها، إلا أنها تعاني من مستقبل سياسي مجهول ونمو اقتصادي ضعيف ومجتمع على حافة الانفجار".

التعليقات (0)