كتاب عربي 21

أسماؤهم وليس إنجازاتهم عربية

جعفر عباس
1300x600
1300x600

السؤال هو: لماذا يصبح العقل العربي قادرا على الابتكار والإبداع والاختراع، بمجرد هروبه بعيدا إلى الغرب أو الشرق الأقصى؟ ستجد الإجابة في حكاية كلب هرب من ألمانيا الشرقية الاشتراكية في حقبة الحرب الباردة، وقبل انهيار النظم الاشتراكية في أوربا الشرقية والاتحاد السوفييتي، ولجأ إلى ألمانيا الغربية، وأثناء تجوله في برلين الغربية التقى بكلب في شوارعها، وبعد التعارف سأل الكلب الألماني الغربي ضيفه الشرقي: ماذا كانوا يطعمونك في بلادك؟ فكانت الإجابة: فطور بيض مسلوق وكبد دجاج، وغداء لحم عجالي، وعشاء لحم مفروم وبعض اللبن، فهبط فك الكلب الغربي من الدهشة وتساءل: ولماذا تترك كل هذا النعيم وتهرب إلى ديارنا ونحن لا نعرف عن تلك الأشياء التي كنت تأكلها سوى طراطيش نشاهدها في التلفزيون؟ فجاء رد الكلب الألماني الشرقي: كما تعلم فإن الواحد منا يحتاج لأن ينبح بين الحين والآخر.


والعقل سواء كان عربيا أو عربجيا، يحتاج لأن يفكر ويدرس ويقيِّم ويقرر، ولا يستطيع فعل كل ذلك في ظل مناخات القمع والكبت والحجر، الذي تمارسه بحقه سلطات غاشمة، وغشيمة في نفس الوقت.


وإليكم الحكاية التالية التي أنقلها عن عدد لصحيفة "المصري اليوم" صدر قبل سنوات قلائل: وقف طفل مصري لم يكمل الحادية عشرة، أمام موظفة شركة للطيران بالإسكندرية، وطلب منها تذكرة سفر إلى كندا، فسألته الموظفة عن "الباسبور" فقال لها: هو ده يا طنط، وقلبت طنط أوراق جواز السفر فوجدته خاصاً بأم الطفل، ووجدت اسمه مضافا في الجواز، فسألته مسافر لوحدك قال:  آآآآ!!  عندك فيزا دخول كندا؟ قال: فيزا يعني إيه؟ طب فين فلوس التذكرة؟ هنا وضع الطفل أمامها رزمة تحوي خمسة آلاف جنيه (لم يكن الجنيه المصري وقتها قد تعلم العوم ومع هذا فقد كان قوي البنية)، هنا نسيت الموظفة التوجيهات التي تقضي بأن تعيد للزبون نقوده وجواز سفره لأنه لا يملك تأشيرة دخول إلى كندا، وبأن تقول له: أدينا عرض كتافك، فقد استيقظت فيها غريزة الأمومة التي تتمتع بها كل أنثى حتى لو كانت في الرابعة من العمرـ وسألته:


أنت في سنة كم يا شاطر؟


في الصف الخامس!!


عايز تروح كندا ليه؟


عايز أدرس هناك!!


طب ليه ما تدرسش هنا؟


الله يخليكي يا طنط أديني التذكرة، مش عايز أدرس هنا. أصلهم بيضربونا ويشتمونا لو ما حفظناش الدروس!!


ماما عارفة إنك مسافر؟


في الحقيقة هي ما بتعرفش أوي. يعني هتعرف لأني سبت رسالة في البيت بقول لها باي باي، وأوعدها بأني هبعت لها جواب كل يوم.


ثم واصل تزويد طنط مصر للطيران بتفاصيل ما حدث:  ماما طلعت الشغل، قمت شلت الباسبور، ولقيت في الدولاب فلوس كثيرة، وخدتها عشان أروح كندا، بيقولوا مدارسها حلوة وما بيضربوش فيها العيال.


هذا الطفل المصري "نابغة"، فقد عرف وهو في تلك السن الغضة أن التعليم في بلده فيه الكثير من "التأليم"، ولم يفكر في الهرب إلى الشوارع، أو إلى بعض أقاربه في مدينة أو قرية أخرى، أو إلى بلد عربي، بل قرر الذهاب إلى بلد أجنبي، يتلقى فيه تعليماً حقيقياً، ومن المهم أن ننتبه إلى أنه، وهو في تلك السن الغضة، ينتمي إلى أقلية ضئيلة العدد، تسافر إلى الغرب ليس بغرض الصرمحة والصياعة، كما يفعل كثير ممن يطلبون – بغير وجه حق- "اللجوء السياسي" هناك، بل للحصول على حق اللجوء الدراسي.


ووصفت الطفل بالنابغة، لأنه وبعبارات قصيرة مكثفة، قال في إدانة لنظامنا التعليمي ما عجز عن قوله خبراء اليونسكو، وجيوش الموجهين التربويين وخبراء المناهج. فهو طفل ذكي يريد استخدام عقله، ويريد أن يعرف لماذا مناخ البحر الأبيض المتوسط حار جاف صيفاً دافئ ممطر شتاء، دون أن يقول له المدرس: مش شغلك يا حمار، هي كده وبس!  ويريد أن يعرف ما معنى أن الماء يتكون من عنصرين من الهيدروجين وعنصر واحد من الأوكسجين، وهل سيتحول الماء إلى قنبلة هيدروجينية لو وضعنا فيه خمسة عناصر هيدروجين إضافية! باختصار رفض النابغة المصري البقاء في مدرسة لتربية الببغاوات، لأنه آدمي، ينبغي أن يكون في مدرسة لبني البشر.


في هندوراس في أمريكا اللاتينية، سيتم إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية خلال أيام، ومن المرجح أن يفوز فيها سلفادور نصر الله، وهو - عليك نور- سليل عائلة لبنانية مهاجرة، درس الهندسة المدنية في تشيلي، ثم درس إدارة الأعمال في بلاده (هندوراس)، وشق طريقه في سوق العمل حتى صار مديرا لشركة بيبسي كولا الهندوراسية، ولمع في فضاءات الإعلام المرئي، كـ"مواطن" يتميز بالجسارة في محاربة الفساد والمفسدين في جهاز الدولة.


تخيل لو أن رجلا متعدد المواهب والقدرات، مثل نصر الله هذا عاش في لبنان المعاصرة. حتما وقطعا لم يكن ليجد فرصة لرئاسة نادي صبرا وشاتيلا الرياضي، فلا هو سليل الجميل أو جنبلاط أو فرنجية أو شمعون، أو الحريري، ولا هو صهر عائلة رئاسية، ليكون من حقه أن يشغل منصبا تنفيذيا قياديا، في بلد لا يعلم أهله اليوم هل لحكومتهم رئيس وزراء أم لا؟


ونواصل الأسبوع المقبل بمشيئة الله، نتناول كيف أن بعض العرب الأفذاذ حفروا أسماءهم في صخرة الإنجازات العالمية، بعد أن هجروا، أو تعرضوا للتهجير القسري من منظومة دول من المحيط إلى الخليج، فلم يبق لنا سوى التباهي بأنهم "أصلا" منا وفينا.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل