كتاب عربي 21

سعودية "بن لادن" واتحاد "القرضاوي"!!

محمد طلبة رضوان
1300x600
1300x600
بعد ضياع هيبة الأزهر وقيمته الدينية والأخلاقية عند عموم المسلمين، وتحوله حقيقة لا مجازا إلى ذراع دينية لدولة مبارك على يد الشيخ سيد طنطاوي رحمه الله، هنا تحول عنه بدورهم بعض أبنائه من العلماء والأساتذة ورأوا أهمية وجود مؤسسة علمية أكثر "احتراما" لنفسها، ولثقة جماهير المسلمين فيها.

من هنا، كانت فكرة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي تأسس في تموز/ يوليو 2004 برئاسة أزهري هو الشيخ يوسف القرضاوي، يعاونه علماء كبار محل اعتبار داخل المنظومة الأصولية، ليسوا مصريين مثل الشيخ أحمد الريسوني من المغرب والشيخ أحمد الخليلي من سلطنة عمان والشيخ عبد الهادي أونغ من ماليزيا، والشيخ علي محي الدين القره داغي من العراق.

حرص الاتحاد منذ البداية على الانفتاح على أغلب المشتغلين بالمعارف الشرعية دون النظر لاعتبارات اللون أو المذهب أو الجنسية، وحرص على ضم المشتغلين بالفكر الإسلامي ولهم فيه مؤلفات وإسهامات هامة سواء كانوا من أبناء "المؤسسة" بالالتحاق والدرس الأكاديمي والشهادات المعتمدة، أو من أبناء "الفكرة" بالاجتهاد والدرس والتحصيل والإبداع. 

وهي خطوة "اعتراف" نوعية بأهمية هؤلاء لم يخطها الأزهر لاعتبارات سياسية تتعلق بضمان الولاء للمؤسسة والدولة المصرية على السواء.

الاتحاد أثار "قلقا" منذ البداية لدى الأنظمة التي تعودت أن تستمد شرعيتها من مؤسسات دينية مدجنة، وهيئات علمية تطوع النصوص وفهمها وأحكامها وفقا لمزاج الحاكم (المؤيد من الله) فيصبح الحلال حراما والحرام حلالا بين عشية وضحاها، بل وتتحول كبائر الذنوب إلى ضرورات لحماية الدولة، وأعظم القربات إلى محرمات تهدد الأمن القومي!!!

رفضت مصر استقبال الاتحاد، ومن ورائها كل العواصم العربية، واضطر القائمون عليه للحصول على ترخيص ومقر وإجراء أول اجتماع في عاصمة أوروبية هي لندن.. 

أصدر الاتحاد بعض المطبوعات، له موقع على الإنترنت يحمل بعض أفكاره، نشاطاته، بياناته في المناسبات المختلفة، لكنه لم يتحول إلى مؤسسة قوية تمثل عموم المسلمين كما كان يأمل أصحابه وبعض المتابعين له في البداية، بدا كمؤسسة "عجوز" لا تتخذ مواقف مخزية، لكنها أيضا لا يسعها اتخاذ مواقف "علمية" ثورية.. 

والحاصل، أن الاتحاد صار المؤسسة الأكثر اتزانا بين مؤسسات سنية أخرى باعت شرف عمائمها ولحاها للمستعمر الوطني، أو بالتعبير المصري، تحولت المؤسسة إلى أعور وسط العميان!!

والآن، جاءت دول الحصار لتهاجم المؤسسة، أمر طبيعي، وتجردها من صفتها العلمية، عادي، وتتهمها بالتسييس، لا يهم، وتتهمها بالإرهاب، عبث مما نعيشه يوميا، وتتهمها بأنها مشروع ابن لادن الذي نفذه القرضاوي!!

إي نعم، ما قرأته صحيحا، تداولته مواقع سعودية وإماراتية في الأيام السابقة ورددته بنصه مواقع سيساوية على اعتبار أن السيسي يعتبر مصر من دول الحصار. 

ما علينا، القرضاوي إرهابي، وينفذ أجندة ابن لادن، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فكرة ابن لادن أصلا، توافق كل المذاهب الإسلامية، العقدية، والفقهية، وكل المدارس الإسلامية، في مؤسسة علمية واحدة تسعى للتقارب والتفاهم والتعايش بين المذاهب والأفكار، فكرة ابن لادن!!

الاتحاد يضم أكثر من 95 ألف عضو بين عالم ومفكر، شيخ وداعية، فقهاء وقانونيون وأساتذة في جامعات الغرب في الفلسفة وعلوم النفس والاجتماع والتاريخ والأنثروبولوجيا والاقتصاد والسياسة، كل هؤلاء إرهابيون؟ ألم يكن تكفيرهم أسهل؟ ألم يكن اتهامهم بالعلمنة -وهي في بلادنا تهمة- أكثر منطقية وأكسب لأصحابه؟!!

يبدو الأمر عبثيا إلى حد السماجة والسخف، ولا يحتاج إلى تعريته فهو يعري نفسه، هيئة كبار العلماء في السعودية (المعروفة بسمعتها الطيبة) قدمت لقرار التصنيف بالإرهاب الشهر الماضي وأصدرت بيانا سخرت فيه من الاتحاد العالمي، ووصفته بأنه ينطلق من أفكار حزبية ضيقة (ضع هنا ألف علامة تعجب). 

هيئة سعودية وهابية شغلتها في الحياة شرعنة وفقهنة قرارات ولي الأمر، كلها مذهب واحد، ورأي واحد، وصوت واحد، وتكوين علمي وفقهي واحد، تصف هيئة من 95 ألف عالم وداعية ومفكر وباحث وفيلسوف بضيق الأفق الفكري والتحزب!

ما المانع؟ مصر تبدي قلقها من أحوال حقوق الإنسان في بعض عواصم أوروبا، السعودية التي أنتجت ابن لادن والقاعدة وصدرت الفكر الوهابي الذي جرف الإسلام حرفيا، تتبنى الإسلام الوسطي الجميل، سلمان وولده يحاربان الفساد، بشار ليس لديه براميل متفجرة، والنَّاس يموتون وحدهم، السيسي ليس لديه معتقل سياسي واحد ولا يعرف شيئا عن الاختفاء القسري، الناس تموت وتعتقل وتختفي وحدها، العبث وجبة يومية على موائد اللئام، فما المانع وما الجديد؟

إن الخطورة الحقيقية من وراء تصنيف الأصوات المعتدلة هي الأخرى بالإرهاب ومساواة بندقية ابن لادن بقلم القرضاوي، وأصحاب مجاهدة الفقه بأصحاب فقه الجهاد، تكمن في توجيه الآلاف من الشباب العربي الذي يعاني فقرا في الوعي وإحباطا من أحوال أمته إلى أكثر الأفكار تطرفا ودعشنة. 

أفكار مثل: طالما أن الجميع يتساوى، وأن الأنظمة التي تتدثر بعباءة الدين تنظر إلى الجميع بعين واحدة، فلننتقم من هذا العالم قتلا وحرقا وتفجيرا طالما أننا إرهابيون مهما فعلنا!!

إن الأنظمة التي أنتجت الإرهاب مذهبا تحكم به، وحركات جهادية توظفها لمصالح الأمريكان في روسيا تحت رايات الجهاد ضد الشيوعيين الملاحدة، تعيد إنتاجه الآن بشكل أكثر إجراما وقذارة دعما لنفس الجيوش وخدمة لنفس الأجندات، ومعهم شيخ يفتي، وإعلامي يزور، وشرطي يحصد الأرواح، لنا الله.
التعليقات (1)
علي بشير
الجمعة، 24-11-2017 08:30 م
لقد صدقت فيما قلت