قضايا وآراء

هل تنتظر إسرائيل مكافأة للدفاع عن أمنها؟

غازي دحمان
1300x600
1300x600

تبرق وترعد إسرائيل، لكن المطر في حالة احتباس. ومرّت فصول كثيرة ما بين صيف وربيع كانت إسرائيل خلالها تضرب مواعيد الحرب القادمة ضد إيران وحزب الله، وكانت في كل مرة توحي بأن الأمر لم يعد يحتمل التأجيل، فالخطر الإيراني صار محدقا، بل إنه بات يقرع أبواب إسرائيل الشمالية.

إسرائيل لم تعد دولة حروب كبيرة. عسكرها ومجتمعها تغيرا كثيراً، وجيل الحروب رحل ولم يبق منه أحد يروي للأجيال الجديدة حماس ذلك الجيل لتوسيع مساحة إسرائيل وإخضاع العرب المجاورين.. حينذاك كان الإسرائيلي يعمل بأكثر من محرك، ديني وقومي واستعماري، ومحرك إثبات تفوق الشعب اليهودي عن غيره، وربما استنساخ تجربة الرجل الأبيض الذي كان يحارب من أجل تحضير الشعوب المتخلفة وتطويرها.

 

إسرائيل لم تعد دولة حروب كبيرة. عسكرها ومجتمعها تغيرا كثيراً، وجيل الحروب رحل

يدفع فائض القوّة، أو فائض الضعف لدى الخصم، إلى ترف البحث عن مبررات لشن الحروب، حيث تصبح المبادرة بحد ذاتها دلالة تفوّق. وعلى العكس من ذلك، يدفع الضعف إلى البحث عن معوقات المبادرة ومبررات القعود وتضخيمها إلى أبعد الحدود، ثم التلطي خلفها بانتظار أن تتغير المعطيات وتنحرف المقادير.

نعم إسرائيل ضعفت، ولم تعد قادرة على حمل أعباء حرب أو الالتزام بالاستحقاقات التي ترتبها. ثمّة أعطاب كثيرة بنيوية أوصلتها إلى هذه المرحلة؛ تبدأ من المتغيرات الإيديولوجية وانخراط المجتمع الإسرائيلي بمجتمع العولمة العالمي وشبكاته المتداخلة واندماجه في هموم وطموحات هذا المجتمع، ولا تنتهي عند المتغيرات الإقليمية والدولية في ساحة الصراع الشرق أوسطية.

ولا يمكن القياس على نشاط إسرائيل، في السنوات السابقة، عبر تنفيذ ضربات هنا وهناك ضد مواقع حزب الله وقوافله، ذلك أن إسرائيل كانت تدرك ان نسبة الأمان تتجاوز نسبة الخطر بكثير، كما أنها كانت تعرف أن تحالف إيران يخوض حربه المقدسة الحقيقة في قتل خصومه الإيديولوجيين في سوريا والعراق. وليس المقصود هنا تنظيم الدولة الإسلامية، بل شعوب سوريا والعراق التي ثارت ضد الأنظمة التي تدعمها إيران. وبكلام أدق: الأنظمة القريبة من العقيدة الدينية لإيران.

 

جميع الأطراف التي انخرطت في الحرب السورية مستهلكة ومستنزفة إلى حد بعيد، وهي تتجنب أي صدام مع إسرائيل في الوقت الراهن

ولا يعني ضعف إسرائيل وترددها أن الطرف الخصم بات أكثر قوّة منها. على العكس من ذلك، فجميع الأطراف التي انخرطت في الحرب السورية مستهلكة ومستنزفة إلى حد بعيد، وهي تتجنب أي صدام مع إسرائيل في الوقت الراهن، وربما بعد سنوات، ذلك أن قوتها باتت بحاجة إلى إعادة ترميم طويل المدى لتصبح قادرة على إستيعاب أي هجوم إسرائيلي محتمل وتقليل خسائرها بمواجهته. لكن الفارق أن هذه الأطراف ليست مضطرة لخوض حرب على إسرائيل، وهي تجد البدائل من خلال تعزيز وجودها في سوريا وزيادة هواجس إسرائيل ودفعها إلى وضعية الاستنفار الدائمة. ووفق هذه المعادلة، فإن إسرائيل تصبح خاسرة ومستنزفة فيما وضعيتها الاستراتيجية تتراجع، ومعها تنخفض قوّة ردعها.

لم تخف إسرائيل، سواء عبر تقديراتها الاستراتيجية أو من خلال تحليلات صحفها، هذه الحقائق، وتعرف أن كل يوم زيادة في البقاء ضمن هذه المعادلة هو خسارة كبرى لها، حيث يتم قضم مساحة الأمان التي كانت تمتلكها وتضييقها إلى أبعد الحدود. ويقوم الطرف الآخر (إيران وحزب الله) بهندسة مسرح العمليات السوري بشكل ممنهج وتراكمي، عبر تشكيل ألوية وكتائب جديدة، وبناء خطوط دفاعية وقواعد عسكرية، والتي من الممكن تحوّلها إلى معطيات ثابتة في الجبهات المقابلة لإسرائيل.

ومن الواضح، أن إسرائيل، وبالإضافة للمعوقات الداخلية التي تمنعها من شن حرب لتغيير المعادلة؛ حيث لم تعد الغارات المنفردة كافية لتغيير هذه المعادلة بعد أن وسّع تحالف إيران نشاطاته في سوريا، تراهن أو تنتظر تحقّق أمرين لا يبدوان متاحين في التحليل الواقعي:

 

تنتظر إسرائيل تحقّق أمرين لا يبدوان متاحين: تكفّل أمريكا باستحقاقات الحرب، دبلوماسيا وعسكريا، والحصول على مكافأة إقليمية من الدول العربية


- تكفّل أمريكا باستحقاقات الحرب، أو الجزء الأكبر منها، دبلوماسيا وعسكريا، وحتى بشريا إن أمكن، عبر المشاركة بألوية عسكرية، وذلك لسد النواقص والثغرات الموجودة في قطاعات الجيش الإسرائيلي، والتي كشفت عنها المناورات الأخيرة، وخاصة قطاع السلاح البري وقوّة الاقتحام. وهذا أمر لا يبدو ممكناً في الظروف الحالية، وفي ظل انشغال أمريكا بأزمات عديدة، وحالة الفوضى التي تضرب نظامها السياسي، فضلا عن المزاج الأمريكي الذي لم يعد يفضل الحروب، وبات يبحث عن أي ذريعة للابتعاد عنها، حتى لو مع خسائر معنوية وسياسية.

- انتظار حصول إسرائيل على مكافأة إقليمية من الدول العربية، كأن يتنازل لها العرب بشكل نهائي عن المطالبة بحقوق الفلسطينيين والاعتراف لها بالسيادة عن الجولان، وهو أمر لا يستطيع أحد من العرب التعاطي معه بالبساطة التي تطرحها إسرائيل. وبالرغم من تحمّس نخب وقطاعات عربية كثيرة لقمع التمدد الإيراني في المنطقة، لكن شرط ألا يكون ثمن ذلك إطلاق يد إسرائيل في المنطقة.

على ذلك، فإن حال المراوحة في المنطقة باقية لأجل طويل، وقد تتكيف جميع الأطراف مع حالة الصراع المضبوط بدرجة كبيرة ولا تنزلق إلى حرب ساخنة، إلا في حال وقوع أحد الأطراف في خطأ تقديري أو حصول حادث خارج عن السيطرة.

التعليقات (0)