كتاب عربي 21

"الإصلاح" الديني المحكوم بالفشل.. في السعودية والمنطقة

فراس أبو هلال
1300x600
1300x600

هل نحن بحاجة لإصلاح ديني؟

الجواب المباشر بدون تردد هو نعم.

فمن ناحية أولى، فإن كثيرا من التفسيرات للنصوص الدينية وكثيرا من الأحكام الفقهية بنيت على تجربة تاريخية للمسلمين الأوائل، فيما نحن نعيش الآن في عصر السرعة وعصر القرية الواحدة، وعصر المتغيرات التي لا يستطيع أي إنسان أن يتوقعها، وبالتالي فقد أصبح المسلمون بحاجة إلى قراءة واعية للنصوص الدينية بما يتلاءم مع العصر. وهذا لا يعني بحال تغيير الدين بما يتوافق مع العصر، بل البحث عميقا في النصوص الدينية بأدوات البحث العصرية؛ للإجابة عن أسئلة العصر التي تلح على المسلمين اليوم ولم يجب الموروث الديني سابقا عنها.

 

 

الخطاب الديني يستخدم اليوم من جميع اللاعبين
الدينيين والسياسيين، ويطوع لخدمتهم

 


ومن ناحية أخرى، وأهم، فإن الخطاب الديني يستخدم اليوم من جميع اللاعبين الدينيين والسياسيين، ويطوع لخدمتهم، وهؤلاء اللاعبون يجدون ضالتهم دائما في تفسيرات تاريخية للنصوص المقدسة تلعب لصالح أهدافهم الدنيوية والسياسية، ويستوي هنا بممارسة "استخدام" الدين، وإن بدرجات متفاوتة، الأنظمة الحاكمة، والمنظمات الإرهابية، والحركات الدينية غير العنفية.

ومن ناحية ثالثة، فقد كان الدين محورا أساسيا  في المعارك السياسية والحروب الدامية التي تدور رحاها في المنطقة العربية منذ سنوات، وهذا إن كان يدل على أن الدين قد استخدم بطريقة بشعة من الخصوم المتحاربين، فإنه يدل أيضا على أن الدين لا يزال مكونا أساسيا، إن لم يكن المكون الرئيسي لهوية المنطقة، وهو ما يجعله محورا للصراعات، بين كل الأطراف التي تدعي تمثيله والدفاع عنه لتكسب مزيدا من الشرعية لدى الشعوب. ولأن الإسلام مكون أساسي لهوية المنطقة، فإن من الضروري مراجعة الخطاب المنسوب له باستمرار منعا لاستغلاله من هذا الطرف أو ذاك.

 

 

تشهد المرحلة الحالية ما يشبه "الموضة" في الدعوات لإصلاح الخطاب الديني

 

 

موضة جديدة؟!

تشهد المرحلة الحالية ما يشبه "الموضة" في الدعوات لإصلاح الخطاب الديني، ابتداء من مصر التي أعلن رئيس نظامها عدة مرات أنه يولي أهمية كبيرة "لإصلاح" الخطاب الديني، مرورا بنخب عربية ليبرالية وحتى "إسلامية" شعبية تدعو لمراجعة الموروث، وليس انتهاء بالقرارات التي تتخذها السعودية بشكل متسارع وتنضوي جميعها في إطار عودة السعودية إلى "الإسلام المعتدل"، حسب تعبير ولي العهد محمد بن سلمان.

وليست هذه المرة الأولى التي تجتاح فيها المنطقة دعوات مراجعة الخطاب الديني خلال العقود الماضية، فقد شهدت الدول العربية والإسلامية مناخا مشابها بعد اغتيال السادات وتصاعد أعمال العنف في مصر، وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وفي غيرها من المحطات التاريخية التي عصفت بالمنطقة.

 

 

تتخوف الأنظمة من خسارة "السيطرة على الدين" بعد أن أظهرت الأحداث
أن القوى الإسلامية هي الطرف الأكثر قدرة على منافسة القوى التقليدية


فما هي أسباب تصاعد هذه الظاهرة لدرجة تحولها إلى ما يشبه الموضة؟

إن السبب الأول يرتبط بخوف الأنظمة من خسارة "السيطرة على الدين"، وخصوصا بعد أن أظهرت الأحداث التي رافقت الثورات الشعبية في عدة دول وما تبعها من "ثورات مضادة"؛ أن القوى الإسلامية بكافة أنواعها هي الطرف الأكثر قدرة على منافسة القوى التقليدية وأنظمة ما بعد الاستقلال. لقد استطاعت القوى الإسلامية أن تتقدم في الدول التي سمح فيها بانتخابات نزيهة، فيما تقدمت القوى والمنظمات المقاتلة التي تنسب نفسها للأيدولوجيا الإسلامية، سواء صنفت معتدلة أو إرهابية في الدول التي شهدت حروبا داخلية.

وبما أن المنافس الوحيد للسلطات القائمة هي القوى التي تتبنى الأيدولوجيات الإسلامية سواء كانت سياسية أو مقاتلة، معتدلة أو إرهابية أو متشددة، فإن السلطة القائمة ترى نفسها الآن معنية أكثر من أي وقت مضى بمحاولة التحكم بالدين، هذه المرة عبر دعاوى "الإصلاح الديني".

 

 

كثير من أنظمة الحكم في المنطقة بدأت تستثمر بهذا النوع من الخطاب
فباتت تعتقد أنه "جواز سفرها" لتحسين العلاقات مع الغرب

 


السبب الثاني لتصاعد "موضة" المطالبة بالإصلاح الديني هو أن كثيرا من أنظمة الحكم في المنطقة بدأت تستثمر بهذا النوع من الخطاب، بمعنى أنها باتت تعتقد أن "جواز سفرها" لتحسين العلاقات مع الغرب، وتحديدا مع الولايات المتحدة، يأتي عبر بوابتي التطبيع مع الاحتلال (وهذا موضوع يحتاج للنقاش في مناسبات أخرى)، وادعاء تمثيل الاعتدال ومحاربة الخطاب المتشدد باسم الدين.

ولم يكن استخدام مزاعم "الاعتدال" و"محاربة الإرهاب" كبوابة للشرعية أمام الغرب جديدا، فقد استخدمتها من قبل أنظمة كثيرة، أهمها نظام بن علي في تونس ونظام مبارك في مصر ونظام علي عبد الله صالح في اليمن، وهي نفس المزاعم التي استخدمها نظام بشار الاسد للالتفاف على الثورة الشعبية السلمية من خلال وسمها بالإرهاب. أما اليوم، فإن من الواضح أن صانعي القرار في مصر والسعودية حريصون كل الحرص على الظهور بمظهر المدافع عن التحديث والاعتدال أمام القوى الإقليمية والدولية؛ للحصول على دعم دولي أكبر لشرعيتها.

 

 

تصاعد الدعوات للإصلاح الديني جاءت مع انتشار الإرهاب
وزيادة ظاهرة التوحش"باسم الإسلام" وصعود نجم "تنظيم الدولة"

 


أما السبب الثالث لتصاعد الدعوات للإصلاح الديني، فهو انتشار الإرهاب وزيادة ظاهرة التوحش "باسم الإسلام"، وصعود نجم "تنظيم الدولة" قبل هزيمته في العراق وسوريا. هذه الظواهر جعلت من المطالبة بمراجعة الخطاب الديني أمرا ملحا ومشروعا، إذ أن الكثير من الجرائم ترتكب باسم الإسلام، والإسلام منها براء، كما أن الكثير من الأيدولوجيات تنسب أفعالها لتفسيرات معينة للنصوص الدينية موجودة في الموروث الديني؛ الذي كان مرتبطا بتاريخيته وجغرافيته وظروفه الاجتماعية والسياسية، وليس شرطا أن يناسب العصر الحالي بكل تعقيداته.

 

مراجعة الخطاب الديني أمر مشروع، بل إنه "واجب الوقت"
لتخليص الدين من التفسيرات التي أساءت له ومارست الإرهاب باسمه


"إصلاح ديني" محكوم بالفشل.. لماذا؟

بعيدا عن الأسباب السياسية والبراغماتية لبعض أنظمة الحكم في المنطقة في ركوب موجة "الإصلاح الديني"، فإن السبب الثالث المذكور آنفا، والمتعلق بتصاعد ظاهرتي التوحش والإرهاب باسم الدين، يعني أن مراجعة الخطاب الديني هو أمر مشروع، بل إنه "واجب الوقت" كما يقال، لتخليص الدين من التفسيرات التي أساءت له ومارست الإرهاب والتجهيل باسمه. وإذا كان الإصلاح الديني مشروعا ومطلوبا.. فلماذا نتوقع أنه محكوم بالفشل إذن؟

إن السبب الأول والمباشر لتوقعنا بفشل محاولات السعودية وبعض دول المنطقة  لقيادة الإصلاح الديني؛ هو أن أي إصلاح للخطاب الدني لا يمكن أن يفرض من الدولة، بل إن الدول هي التي كانت سببا في التطرف والعنف، سواء برعايتها لخطاب ديني متشدد أو بممارساتها الظالمة التي تصنع الأرضية الخصبة للتطرف. وإذا أخذنا السعودية كمثال، فإن قرار التمكين للوهابية (التي تتهم الآن بالتشدد) كان دائما هو قرار الدولة، وليس ما أطلق عليه ولي العهد السعودي "الصحوة"، حيث كانت "الصحوة" ورموزها المعروفين - سواء اتفقت معهم أو اختلفت - تمظهرا إسلاميا أكثر اعتدالا من الوهابية التي رعتها الدولة وتحالفت معها، كما إن قرار الذهاب لأفغانستان "للجهاد ضد الشيوعية" كان أيضا قرارا حكوميا تفاعل معه الشعب، ولم يكن قرارا شعبيا بالأساس.

لا يمكن لأي دولة أن تفرض تفسيرا خاصا للدين، وليس من مهمتها، حتى في الدول العلمانية، أن تسيطر على "الدين"، بل إن مهمتها في المنظومة العلمانية هي الحياد تجاه الدين. أما الإصلاح فهو مهمة العلماء المستقلين عن الدول والأحزاب، والمجردين من الأغراض السياسية والدنيوية والوظيفة العامة. لم يحصل تطور علمي في صياغة الخطاب الديني في التاريخ الإسلامي إلا عبر المستقلين، ولم يُسئ استخدام الدين مثل السياسيين، وخصوصا من يملكون زمام السلطة.

 

لا يمكن لأي دولة أن تفرض تفسيرا خاصا بها للدين
والإصلاح من الأعلى سيصطدم بالمؤسسات الدينية التقليدية


أما السبب الثاني لتوقعاتنا بفشل الإصلاح الديني المفروض من "الأعلى"؛ هو أن الدول التي تحاول الآن فرض "رؤيتها" للدين ستصطدم بالمؤسسات الدينية التقليدية، فلا يمكن للسعودية فجأة أن تقرر تغيير رؤيتها للدين بعد أن رعت "تفسيرا" معينا للدين خلال عقود طويلة، وكونت مؤسسات لتمثيل هذا التفسير، ودعمت وصول رموز هذه المؤسسات لمراكز مهمة في الدولة، ما جعلها شريكة بشكل أو بآخر في الحكم، بل إنها تمثل نوعا من "الدولة العميقة" في السعودية. والأمر ينطبق أيضا على مصر، وإن بشكل أقل، إذ أن الأزهر يمثل أساسا مهما في التشريع والحكم والغطاء الديني للحكم، وبالتالي فليس من السهولة تجاوزه في أي محاولة لتغيير الخطاب الديني.

وإذا اعتبرنا مشاريع "الإصلاح الديني" ثورة تقودها الحكومات في بعض دول المنطقة، سواء اتفقنا مع هذه الثورة أو اختلفنا، فإن محاولة فرضها بتسرع من "فوق" كما يجري الآن، خصوصا في السعودية، ستواجه بما يشبه "الثورة المضادة" من شخصيات ومؤسسات متجذرة في الدولة العميقة، ما يجعلها "ثورة محكومة بالفشل".

 

مشاريع "الإصلاح الديني" ثورة تقودها الحكومات في بعض دول المنطقة بتسرع
وستواجه بما يشبه "الثورة المضادة" ما يجعلها "ثورة محكومة بالفشل"


لقد فشلت الموجة الأولى من الثورات الشعبية العربية لأنها كانت متسرعة وبدون برنامج، ولأنها اصطدمت بثورات مضادة من الدولة العميقة، ومن المتوقع أن تفشل محاولات بعض الأنظمة العربية بالثورة على خطاب ديني ساهمت هي بصناعته وتقويته، لأنها محاولات متسرعة وغير مدروسة، ولأنها ستصدم بلا شك بمؤسسات دينية عميقة.

التعليقات (1)
ابو شامل
الخميس، 02-11-2017 06:08 ص
واهم سبب .. هو ان الحكام لا يسعون لتطوير الدين و انما كما شوهوه قديما لصالحهم يريدون الان تشويهه مرة اخرى بوجه جديد لصالحهم ايضا ... ليس من المستبعد اشراك بعض القسس و الكهان في صياغة الدين الجديد ....اللهم سلط امريكا عليهم لتخلصنا من عكارة وجوههم ....