كتاب عربي 21

فرنسا ومصر.. الصفقات تدفن حقوق الإنسان

محمد هنيد
1300x600
1300x600

في مشهد سريالي صادم استقبلت فرنسا أحد طغاة العصر الحديث وواحد من أكبر مستبدي مصر الذي ارتكب خلال شهر واحد أبشع المجازر في حق المدنيين العزل. فُرش السجاد الأحمر القاني بلون الدم المصري للجنرال الانقلابي واستقبله الرئيس الفرنسي استقبال الرؤساء ضاربا عرض الحائط كل المجازر التي ارتكبت في حق الأبرياء وغاضا الطرف عن الآلاف من المعذبين الذين تغصّ بهم سجون الانقلاب. 

 

الندوة الصحفية التي عقدها الرئيسان كانت كاشفة لحجم الوهن والضعف الذي بدت عليه مصر العسكرية وفاضحة لزيف شعارات الإنسان وحقوق الإنسان التي طالما رقصت عليها نخب العار العربية بعد أن بان جوفها وخواؤها في عقر دارها.

 

لقاء الرئيس الفرنسي سبقه لقاء مع وزيرة الدفاع التي ناقشت مع الجنرال الانقلابي مزيدا من الصفقات الجديدة المربحة بعد كل ما ضخه النظام من مليارات في الخزينة الفرنسية خاصة إثر شراء أربع وعشرين طائرة حربية وحاملتي طائرات رفضت روسيا اتمام صفقة شرائهما من قبل.

 

وزير الاقتصاد الفرنسي صرح بأنه يطمح إلى مزيد العقود العسكرية التي تشمل بالتأكيد كل أدوات القتل التي سيستعملها النظام في تصفية شعبه وفي قصف المدنيين في سيناء بحجة محاربة الإرهاب والإرهابيين. لا حديث في فرنسا إلا عن الصفقات والعقود التي يسيل لها لعاب الساسة والاقتصاديين ورجال الأعمال بعد أن تحولت مصر والمنطقة العربية إلى ساحة واسعة للنهب والسطو ومصادرة الثورات.

 

كل التصريحات الرسمية أو شبه الرسمية في دوائر القرار الفرنسي لا تتحدث إلا عن الكعكة المصرية التي تثير شهية الكثيرين في سياق انتعاش اقتصادي بطيء. فرنسا الرسمية تدرك اليوم جيدا ثلاثة قناعات حول الرجل ونظامه:  

 

أولها أن الرئيس المصري الحالي هو رئيس غير شرعي وجاء بانقلاب دام على حساب رئيس منتخب هو اليوم في السجن مع كثيرين من خيرة رجال مصر ونسائها. بناء عليه فإن الرجل يفتقد الشرعية الانتخابية التي يمتلكها رؤساء أوروبا أو الرئيس التركي أردوغان مثلا.

 

ثانيها أن الجنرال الانقلابي قد ارتكب عددا فظيعا من المجازر التي دش بها رجاله الحقبة الأولى من مدته الانتخابية ولا يزالون وهو ما يجعله تحت طائلة القانون الدولي فيما يتعلق بالجرائم ضد المدنين في حالات السلم. الجنرال ونظامه إذن عراة من الشرعية الأخلاقية والقانونية مما يجعلهما سهلي المنال إجرائيا كما الحال مع الدكتاتورية التي تنتهي مدة صلاحيتها.

 

الثالثة هي الفساد الكبير الذي يسبح فيه النظام المصري بكل هياكله من العسكر إلى الاقتصاد إلى المالية إلى المجتمع وصولا إلى أهم القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم. الفساد بما هو الدولة الحقيقية التي تحكم مصر يمثل في الوقت ذاته مجال السطو على ثراوت البلد في الداخل من قبل النظام وفي الخارج من قبل شركات السطو العالمية.

 

بناء على هذه القناعات الثلاثة يتشكل الموقف الفرنسي الرسمي وشبه الرسمي من رئيس مصر وهو موقف لا يرى فيه إلا صفقات ممكنة تزكيها بشدة مطرقة حقوق الإنسان التي يرفعها الغرب في وجه الطاغية العربي إذا تأخر في عقد الصفقات. 

 

ملف حقوق الإنسان والانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الإنسان في مصر ليست في الواقع إلا ورقة للابتزاز. فليس أعلم من الفرنسيين أحدٌ ببشاعة النظام المصري في هذا الملف حيث لا يتفوق عليه إجراما وبشاعة إلا النظام السوري الذي قصف شعبه بالأسلحة الكيماوية على مرأى ومسمع من العالم كله. 

 

صحيح أن وضع الرئيس الفرنسي لم يكن مريحا وهو الممزق بين مطالب الشركات ورجال الأعمال وبين مطالب الجمعيات الحقوقية والمنظمات غير الحكومية المدافعة عن ملف حقوق الإنسان. لكن يبدو أن الغلبة لا تكون دائما إلا لصدى جرة القلم الأخيرة على العقود المغرية والصفقات المدوية وهو ما يجعل منها مقبرة حقيقية للإنسان ولحقوقه خاصة إذا كان قادما من العالم العربي.

 

الثابت اليوم بعد انحسار الموجة الأولى للربيع العربي العظيم هو حجم الكشف الهائل في المشهد الدولي والإقليمي على حد سواء. فإذا كان الشارع العربي يرى في الغرب "المتحضر" إلى وقت قريب واحة للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان فإن الثورات الأخيرة كشفت بجلاء أن هذه الحقوق والحريات لا تشمل الضفة الجنوبية للمتوسط ولا تنطبق إلا على الأوروبي الذي يرى هو الآخر أن رفاهه لا ينفصل عن نهب الآخرين وعن دعم الدكتاتوريات الحارسة لثروات الآخرين. 

 

أما الإرهاب والحرب على الإرهاب فلا يكاد ينكر أحد اليوم كيف تحول الشعار إلى أداة وظيفية لتحقيق أطماع سياسية وأجندات توسعية آخر همها هو محاربة الإرهاب والإرهابيين.

 

الرئيس المصري وضع كل تبريراته في سلة الإرهاب بل ذهب به الأمر إلى تصوير الواقع المصري واقعا خاصا يستلزم العنف ويستلزم القمع ويستلزم إرهاب الدولة. نفس التبريرات استعملها الرئيس الفرنسي الذي حاول جاهدا إقناع الرأي العام بأن القمع والدكتاتورية مسألة خاصة بالداخل المصري وليس من حق فرنسا أن تقدم دروسا لأحد متناسيا تاريخ التدخل الفرنسي والأوروبي عامة في قضايا المنطقة العربية وفي تحديد واقعها المتأزم اليوم. 

 

يبقى أهم دروس ربيع العرب وثوراته وكذلك ثوراته المضادة الدامية هو أن تحرر الشعوب واستعادة السيادة لن يكون إلا بفعل داخلي وليس انتظار الدعم الخارجي أو حتى التنديد بجرائم الحكام إلا كحال المستجير من الرمضاء بالنار لأنه لا صوت يعلو فوق صوت الصفقات حتى لو أباد الطاغية العربي كل شعبه أو يكاد كما يفعل طاغية الشام. 

1
التعليقات (1)
ياسين فؤاد
السبت، 28-10-2017 07:01 ص
ألا يخشى مكرون أن طريقة السيسى فى الاختفاء القصرى والقتل خارج القانونوالسجن بدون محاكمه قد تولد عند عائلات الضحايا الغل والضغينه وبخاصة عندما يجدوا مكرون يرحب بهذا القاتل ألا يخشى مكرون ان يقوم أحد أقارب المظلومين بأى عمل إرهابى ضد فرنسا أو مصالحها إنتقاما من الطاغيه وليعلم مكرون أن السيسى هو معمل تفريخ للارهابيين الذين تبكى منهم فرنسا أشد البكاء؟