كتاب عربي 21

رؤية للفشل والنجاح من الواحات إلى العالمين

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600
أكدنا مرارا وتكرار أن هذه المنظومة الانقلابية لم تعد ترى في المجتمع إلا ما تريد أن تراه، وأن ما لا يدخل في اهتمامها تغفله أو تتناساه، إنه شعار ذلك النظام حينما يتخير أحداثا ويحتفل بها وحينما يهمل أحداثا فيتركها خلف ظهره، ولكنه لا ينسى أبدا كيف يستفيد من هذا وذاك في شرعنة نظامه المغتصب وإضفاء شرعية البطل على نظام منقلب، إن رؤية لما يحدث في مصر الحبيبة من أحداث هنا وهناك وتجري فيه الدماء أنهارا من كل فريق سواء من المفروض أن يقوموا بحفظ الأمن أو من هؤلاء المطاردين المستهدفين على طول وعرض البلاد من مواطنين، فإنه في حقيقة الأمر يقتل أهل مصر بالكامل، المستبد المنقلب لا يرى إلا نفسه ولا يملأ عليه حياته إلا كرسيه وسلطانه، ويرى أن على جميع من حوله أن يتلمس خطاه ويرعى أوامره ويذعن لكل ما يقوله من حكمة أو إرشاد، المستبد يرى في نفسه أنه صاحب الحكمة وطبيب الفلاسفة.

علينا أن نقارن بين مشهدين لم تكن بينهما مساحة كبيرة في الزمان أو في المكان، مشهد الاحتفال في "العلمين" ومشهد القتل المريع في "الواحات"، بين هذين المشهدين اختار النظام مشهد الاحتفال عن الحديث عن مشهد ضحايا هذا الحادث الإجرامي، هذا الاختيار إنما ينبئ عن شيء خطير، أخطر ما فيه أنه كيف ينظر إلى مسألة شرعنته؟! فإن حدثا مثل الذي وقع في الواحات إنما يشير ويحيل إلى فشل لنظام ظل يردد على أسماعنا ليل نهار أنه يواجه "الإرهاب المحتمل" وأنه سيقضي على ذلك العنف قضاء مبرما، وبعد كل قول وكل خطاب يحدث ما لم يكن في الحسبان تخرج الأخبار لتتحدث عن مقتلة، ولا أحد يقول الرواية الصحيحة. روايات تتناقلها وكالات الأنباء هنا وهناك، لا نعرف من قتل أو من قتل، ولا نعرف عدد هؤلاء أو هؤلاء، وتظل الروايات تأتي من هنا وهناك ولكنها تشير إلى حالة من التناقض في البيانات والمعلومات، ماذا نعرف أو كيف نصدق؟! المسألة غير مهمة، ولكن الأمر يشير في النهاية إلى أمر جلل وخطير أن ذلك النظام الذي جعل من مقاومة الإرهاب شعارا لشرعنته فشل فشلا ذريعا، وجاءت المحصلة لتؤكد أن تكرار هذه المقتلة وإراقة مزيد من الدماء صار أمر يرتكبه النظام بلا أدنى تعقيب أو كلام، والاستخفاف بكل دماء في كل ما يتعلق بتأمين كرسيه ومع ذلك يحدث ما يحدث بلا أدنى حركة أو تمحيص وبلا أدنى حساب أو عقاب.                                                                                                                            

    تجري الأمور هنا وهناك ويحدث ما لا يحمد عقباه دماء تسيل وتجار الدم يقبعون على كراسيهم بدون أن تهتز لهم شعرة، يموت من يموت فداء لصاحب الكرسي، هذا هو معنى الوطنية الجديدة، وطنية حماية المستبد من كل سوء وشر، أمن الدولة يتحول إلى أمن شخص، وأمن الشخص صار هو القضية مهما سالت من دماء ومهما ستسيل من دماء، هذا الأمر الذي يشير إلى الفشل والتقصير هو مشهد يمارس فيه النظام أقصى درجات التعتيم والتعويم، إنه لا يريد أي اتهام بالفشل أو الإهمال أو التقصير، وقد صار عاجزا عن القيام بمهمة اختطها لنفسه وحددها لتكون أولوية من أولوياته، لكن الأحداث تتزايد وتتراكم وفي كل مرة يخرج صاحب الكرسي ليقول أن "ثمن مكافحة الارهاب كبير"، يدفع الآخرون من دمائهم ثمنا وهو ينعم بكرسيه لا أحد يستطيع أن يواجهه بالحقيقة؛ ماذا بعد كل هذه الدماء؟ هو لا يتحدث إلا عن مزيد من دفع الثمن وإراقة الدماء، كرسيه يتحصن وهو باق والكل يفنى، هذا هو حال المستبد الخطير، يخرج إعلام إفكه ليبرر ويسوغ، فإن خرج أحد عن تلك المعزوفة هدد بأنه قد خرج على أصول الأمن وانتهك ستر أمن الدولة، فماذا بعد إلا أن نرى أحداثا أخرى ودماء أخرى تسيل، فنرى في المستقبل، للأسف الشديد تصفية لخيرة شباب مصر تحت دعوى هنا وهناك بأن هؤلاء من فعلوا وهؤلاء من قتلوا، الكل مقتول ويبقى المستبد.                                       

    وعلى مسافة ليست بالكبيرة اختار المستبد أن يذهب لاحتفال في العلمين، لم يتحدث عن الحادث إلا بعد مرور ساعات طوال، ولكنه استكمل رحلته وذهب محتفلا بذكرى حرب العلمين، إنه يحتفل بذكرى قتلى من دول أخرى في حرب جرت على أرض وطنه منذ زمن بعيد نسبيا، ولكنه لا يهتم بضحايا من مؤسسات داعمة لأمنه ولكنها علامة على تقصيره وفشله، فلننسى أو نتناسى مشهد الفشل ولنذهب إلى مشهد الاحتفال، لا ترى له من مبرر إلا أنه قد تقرر ليخاطب بها دول الغرب التي سقط قتلاها على أرض الوطن في معركة فيما بينهم، هؤلاء هم من يستحقون حتى لو مرت الأيام والسنون، هؤلاء يستحقون الاحتفاء في عرف المستبد لأن هذا هو النجاح، احتفال بقتلى غيره بعد مرور زمن طويل حتى ترفع عليه أكاليل الرضا من كل صوب وحدب من دول الغرب، وبعد كلمات قليلة عن حادث مقتلة الواحات، يذهب إلى زيارة فرنسا لا أحد يعرف كيف يتحرك هذا الرجل أو أين يذهب؟! يذهب إلى قبلته حيث يحج وأهل مصر يضربون أخماس في أسداس، لا يرون إلا مزيدا من دماء تراق على أرض الوطن من أجل هذا المستبد الذي يسرح ويمرح ولا يكلف خاطره إلا أن يتحدث معنا عن مزيدا من دفع الثمن، هو من يجني غبطة الغرب به ونحن لا نجني سوى مزيد من الدماء تراق في جنبات الوطن.

    إنها قصة الفشل والنجاح في ذهن المستبد، النجاح هو ما يرضي به أسياده في الغرب، والفشل يجب أن يتوارى حتى لو كلف أهل هذا الوطن مزيدا من الدماء، المهم تحيا مصر به وليس بغيره، المهم يموت كل أهل الوطن ويبقى هو لأنه صار هو مصر، مصر لا تتعداه، مصر لم تعد إلا كرسيه وسلطانه فماذا بعد؟ تسيل الدماء ومزيد منها، لا يعترف بتقصير أو فشل فإن خيابة منظومته ليست إلا نوعا من الخيانة، خيانة لدماء المصريين سواء من سالت من قبل أو تلك التي ستسيل، إنه لا يكترث!! يستخف بدماء الوطن ولكنه يقدر رفات قتلى الغرب في احتفاء واحتفال في "العلمين" وتظل "الواحات" وغيرها ساحات لإراقة دماء المصريين من كل صنف ولون، فليبق المستبد على كرسيه وليفنى أهل مصر عن بكرة أبيهم لأن ثمن مكافحة الإرهاب ليس بالقليل، فهل سيظل أهل مصر يدفعون ثمن فشله وخيانته؟!
0
التعليقات (0)

خبر عاجل