كتاب عربي 21

هذا اسمي ولست إرهابيا

طارق أوشن
1300x600
1300x600
في فيلم (اسمي خان ولست إرهابيا – 2010) للمخرج كاران جوهر، تستيقظ مانديرا وزوجها رضوان خان، على رنات الهاتف.

مانديرا: ألو.. نعم سارا.. ماذا؟ خان.. افتح التلفزيون من فضلك.

يعرض التلفزيون صورا مباشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر مع تعليق: لم أر شيئا كهذا من قبل.. يا إلهي طائرة أخرى تصطدم بالبرج الثاني للتو.. لقد تغيرت سماء مانهاتن إلى الأبد.. لقد ضرب البرجان.. لابد أنه كان هجوما منسقا.

ومن يومها تغير وجه العالم، ولا تزال الدول الإسلامية "الشقيقة" تتقاذف المسؤولية على الهجمات وتنتج لذلك الأفلام وتعقد الندوات، في حين أقرت المؤسسة التشريعية بالولايات المتحدة الأمريكية قانون جاستا الذي يحمل المملكة العربية السعودية مسؤولية الهجمات، وهو بذلك "سيف دمقليس" مسلطا على مقدرات البلاد وثرواتها بالابتزاز كما بإعمال القانون.

في نفس الفيلم يختصر رضوان خان الوضع الجديد بالقول: في الغرب كانوا يشيرون إلى التاريخ بتعبيرات "قبل الميلاد" و "بعد الميلاد". اليوم صار هناك تمييز جديد هو الحادي عشر من سبتمبر.

ولأن "جنود الخلافة" ومن والاهم نقلوا، منذ ذلك التاريخ، المعركة إلى معاقل دول "الكفر"، فقد صار لكل دولة ما قبل وما بعد جديدا.

في فرنسا، على سبيل المثال لا الحصر، صار التاريخ المفصلي الجديد يوم الثالث عشر من نوفمبر حيث قتل مائة وثلاثون فرنسيا في العام 2015 بعد هجمات ضربت باريس، فتحول معها الاعتداء على مقر مجلة شارلي ايبدو في السابع من يناير من نفس السنة مجرد "لعب أطفال"، وأصبح تعبير "الإرهاب الإسلامي" دارجا على ألسنة الطبقة السياسية الفرنسية متأسية برئيسها فرانسوا هولاند وبعده مانويل ماكرون الذي أعاد التأكيد على الأمر في أول حوار مطول أجراه بعد انتخابه قبل أيام على شاشات القنوات الفرنسية.

كان الساكن الجديد للإليزيه معتمدا في خطابه على جريمة إقدام شاب تونسي، مقيم بطريقة غير شرعية، على ذبح وقتل مواطنتين فرنسيتين بمرسيليا قبل أن تجهز عليه قوات الشرطة. بعد الحوار الرئاسي بيوم، كشفت جريدة لوموند ومعها قناة إم6 عن اعتقال الشرطة لخلية من اليمين المتطرف كانت تخطط لاغتيالات واعتداءات على المسلمين واللاجئين. أعضاء فرقة الاغتيالات كانوا موزعين بين باريس ومرسيليا اللتان ضربهما "الإرهاب الإسلامي".

سينتهي الموضوع كله على تكييف الأمر "تكوينا لتشكيل عصابي" وليس إرهابا أو "جريمة ضد الإنسانية" أو "عمل حربي" كما اعتبرت زعيمة اليمين مارين لوبن اعتداء مارسيليا. فالمعتقلون العشرة فرنسيون "أقحاح" ومن حظهم أنهم أنصار الملكية لا الخلافة، ولم يسجل عليهم يوما أن هتفوا "الله أكبر"، ولا وطئت أقدامهم أبواب مسجد أو زاوية تجعل أسماءهم مدرجة في قائمة "الإرهابيين" بالنية.

بعد اعتقال رضوان خان وهو يحاول الوصول إلى حيث موكب الرئيس الأمريكي، يواجهه المحققون بما تمكنوا من جمعه من معطيات تؤكد متابعته لتنقلات الرئيس وبحثه المستمر عنه على مواقع الانترنت.

المحقق: لماذا تسعى لمقابلة الرئيس؟ لماذا تعرف الكثير عن الرئيس؟ لماذا كنت تقرأ عن الرئيس؟ هل تعرف هؤلاء الناس؟ أزهر، محمود، عمر، خان...؟

وفي معتقله يناجي خان زوجته مانديرا: أعتقد أنهم غاضبون لأني لا أملك أجوبة لأسئلتهم بشأن منظمة القاعدة. أنا لا أعرف شيئا عن المنظمة. كان واجبا عليّ أن أقرأ عن منظمة القاعدة من قبل..
كل مسلم مشروع إرهابي أو إرهابي يدين بالولاء للقاعدة، وبعدها لتنظيم الدولة ولو لم يقترف جرما حتى يثبت العكس. وكل "آخر" منزه عن السقوط في براثن التنظيم ولو قتل من الناس العشرات، أو المئات.. تلك هي المعادلة التي تجعل من اعتقلوا، من غير المسلمين، في فرنسا أو بريطانيا أو أمريكا مجرد مختلين أو عنصريين أو في أقصى الحالات متطرفين يمينيين.

في بريطانيا عمليات قتل لنائبة في البرلمان وعمليات دهس أمام مبنى المتحف الطبيعي وطعن خارج محطة بارسونز غرين، انتهت إلى حوادث عادية لا شبهة إرهاب فيها، والقاسم المشترك أن مقترفيها لم يكونوا من المسلمين. وفي أمريكا عمليات دهس في شارلوتسفيل ومعركة حربية حقيقية بلاس فيغاس استمر إطلاق النار فيها عشر دقائق كاملة أودت بحياة ما لا يقل عن ستين شخصا لم تحرك في الرئيس ترامب غير حديث عن "رجل مريض ومختل عقليا" اسمه ستيفن بادوك. ليس في اسم الرجل ما يوحي بأصول إسلامية ولا في سيرته ما يشي أنه على علاقة بتنظيم الدولة بعيدا هناك في العراق الذي حوله الاحتلال الأمريكي إلى مجرد كومة خراب.

في فرنسا وجدوا عند قائد الخلية اليمينية أسلحة، أما منفذ اعتداء لاس فيغاس فكان يمتلك في غرفته بالطابق الثاني والثلاثين من فندق ماندالاي ترسانة حربية، ومع ذلك لم يجرؤ أحد عن نعتهم بالإرهابيين.

أما السكاكين فهي في أيدي محمد وعلي وفاطمة في باريس ولندن وبرشلونة ونيويورك والقدس أسلحة دمار شامل لا يمتلكها إلا إرهابيون بالتنشئة والنية والفعل. الإسلام كما تشرحه المدرسة الأمريكية في فيلم (اسمي خان ولست إرهابيا) "هو الأكثر عنفا وعدوانية من بين كل الأديان. إنه يحض على القتل أو "الجهاد" كما يسمونه في سبيل الله". لأجل ذلك صار على كل مسلم أن يسعى لنفي التهمة عنه خارج الديار بل داخلها أيضا بعد أن صار الحكام وولاة الأمر والشيوخ حلفاء ل"أعداء الله" السابقين في مواجهة الإرهاب "الإسلامي" واجتثاثه من المقررات الدينية نسخا للآيات، ومن المساجد عزلا للأئمة وتوحيدا للخطب ومن الخطاب السياسي اعتقالا لل"إخوان"، وتجفيف منابع تمويله وقتل وتصفية المعتنقين للفكر "الجهادي" ودك حواضر المسلمين على رؤوسهم.

ألم تصرح وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي قبل يومين أن "ما نريده هو الوصول إلى نهاية هذه المعركة، وبالتأكيد إذا ما قضى متشددون في هذه المعارك، سيكون ذلك أفضل بكثير"؟

يقف رضوان خان، الهندي المسلم، في انتظار دوره للمرور عبر بوابة المطار حيث يتم التأشير على الجوازات. يتمتم رضوان بصوت خفيض ببضع آيات من القرآن الكريم فتسمعه إحدى المسافرات، وما هي إلا لحظات حتى وجد رضوان نفسه مطالبا بالانصياع لأوامر الشرطة التي تطالبه بمرافقة الضباط إلى غرفة تفتيش.

في الغرفة يتم تفتيش الرجل وأغراضه بشكل مهين، والنتيجة: لا شيء. مجرد بلاغ كاذب.
رضوان خان مصاب بالتوحد، لكن العالم هو الذي صار منذ أحداث سبتمبر 2001 مصابا بداء التوحد والاختزال. اسم عربي أو "إسلامي"، قراءة للقرآن أو تكبير، حجاب أو صلاة في الشارع معناها أنك على درب الإرهاب تسير.

اختزل رضوان الأمر كله وهو يهم بالخروج من غرفة التفتيش حيث التفت إلى رجال الشرطة قائلا: إسمي خان ولست إرهابيا.

0
التعليقات (0)