كتاب عربي 21

فتح تتأنّى إن كانت حماس تستعجل!

ساري عرابي
1300x600
1300x600
اتّخذت السلطة الفلسطينية إجراءاتها العقابية ضدّ قطاع غزّة لدفع حماس لحلّ لجنتها الإدارية، التي عدّتها السلطة، والقيادة المتُنفّذة في حركة فتح بطبيعة الحال، حكومة أمر واقع تُكرّس لانفصال قطاع غزّة، وعدّتها حماس في حينه أداة إجرائية لا بدّ منها لسدّ الخلل الناجم عن امتناع "حكومة الوفاق الوطني" عن القيام بدورها في قطاع غزّة المترتب على اتفاقية الشاطئ (نيسان/ إبريل 2014).

أيًّا كان الأمر، فإنّ حماس حلّت لجنتها الإدارية ضمن رزمة تنازلات قدّمتها في حوارات المصالحة الأخيرة في القاهرة، وتقضي بالتمكين الكامل لـ "حكومة الوفاق الوطني" دون أن تحوز –أي حماس- على أيّ ضمانات مقابلة، فقد جعلت اللجنة الإدارية وديعة لدى المصريين، الذين استقدموا قيادة السلطة الفلسطينية إلى حوارات المصالحة في القاهرة، على أساس التنازلات التي قبضوها سلفًا من حماس.

كان يُفترض إذن أن يكون الأمر أسهل على قيادة السلطة، فقد أخذت من حماس؛ أكثر مما طالبت به مقابل رفع العقوبات. ها هي حماس "تكفّ عن سلوكها الانفصالي" الذي اتهمتها به السلطة، ولا تحلّ لجنتها الإدارية فحسب، بل تمنح حكومة السلطة كل ما تريد لتتمكن من قطاع غزّة، وبإشراف راعٍ لا يمكن أن ينحاز لحماس، حتى لو قرّب منه ومن محوره محمد دحلان خصم الرئيس عباس!

إلا أن قيادة السلطة وحتى كتابة هذه المقالة لم ترفع العقوبات عن قطاع غزّة، وكانت قد انتشرت تسريبات تتحدث عن توصية مرتقبة لمركزية فتح تقضي برفع العقوبات، إلا أن هذه الأخيرة اجتمعت الأحد الماضي لمناقشة ما جرى التوصل إليه في تفاهمات المصالحة الأخيرة مع حركة حماس، دون أن توصي برفع العقوبات، وكانت دلال سلامة عضو مركزية فتح قد قالت "إن رفع الإجراءات عن قطاع غزة مرتبط بما ستقدّمه اللجان المختصة من اقتراحات وتوصيات لحكومة التوافق".

فتح غير مستعجلة، أو كما قال الرئيس محمود عبّاس معقّبًا على جولات الحوار الأخيرة في القاهرة "أنا مش مستعجل"، هذا يعني ضمنًا أن ربط العقوبات بلجنة حماس الإدارية لم يكن أكثر من خدعة دعائية، وأن الأسباب الحقيقية، التي لا يعرفها يقينًا إلا عدد قليل من النافذين في القيادة، تتصل باعتبارات أخرى، قد يكون منها، طالما أن الاستعجال مستبعد، دفع حماس نحو الانفصال، على عكس المخاوف الدعائية التي تبديها قيادة السلطة، على الأقل لم يكن ذلك الاحتمال مستبعدًا تمامًا، بالنظر إلى غرابة الإجراءات وتوقيتها، بل والإمكانية التي تفتحها لعودة محمد دحلان إلى غزّة.

ربما كانت قيادة السلطة بحاجة إلى رشوة تقدّمها لإدارة ترامب القريبة من دوائر صنع قرار عربية ترعى محمد دحلان، هذه الرشوة لا شيء لديها تقدّمه سوى تشديد الموقف من "الإقليم المتمرد"، بمرور الوقت أصبحت العقوبات سلاحًا مفيدًا بيد السلطة، وأداة تمنحها مسارات متعددة للمناورة، وطالما أنّه لا وعود سياسية تقدّمها قيادة السلطة لشعبها، وقد انتهى مشروعها السياسيّ تمامًا، وتُحاصَر بصفقات عربية تسعى لاستبدالها بقيادة بديلة، فما المانع من إشغال الناس بمعركة تُفتح مع حماس، فهذه الأخيرة خصم سياسيّ في كل الأحوال، وسوف تستفيد قيادة السلطة -بالإضافة إلى ذلك- تخفيف الأعباء عن خزينتها، وربما، قطع الصلة بهذه المنطقة المتعبة نهائيًّا!

هذا في حال كانت تلك العقوبات بتقدير سياسيّ ذاتيّ صرف، ولم تكن بإيحاءات خارجية، تفتح المسارات نحو ترتيبات معينة للحالة الفلسطينية، إلا أن الحاصل، والحال هذه، وأيًّا كانت تلك الدوافع، هو أن قيادة السلطة غير مستعجلة، وهذا يعني أن ذريعة اللجنة الإدارية لم تكن حقيقية.

لم يكن في وسع قيادة فتح، ألا أن تأتي إلى القاهرة، لاسيما بعدما فاجأتها حماس بحلّ اللجنة الإدارية وسحبت منها تلك الذريعة، وليس في صالحها تعقيد العلاقة أكثر بنظام عبد الفتاح السيسي، أحد رعاة محمد دحلان، ومن ثمّ، فلماذا لا تناور داخل هذه المحاولات الأخيرة، وهي التي تملك السلطة، وبيدها سيف العقوبات، وحماس تُظهر أقصى ما يمكن من العجلة والحاجة؟!

من المحتمل أن قيادة فتح غير راغبة مطلقًا بالمصالحة، وأن بعضًا من استحقاقاتها ليست مستعدة لها، كالانتخابات وإعادة تأهيل منظمة التحرير، ومن المحتمل أنها مرتبكة تجاه التطورات الأخيرة التي قد تكون متعارضة مع إيحاءات سابقة شجعتها على عقاب قطاع غزّة.

وربما هي تخشى من أن تكون هذه المصالحة تمهيدًا لترتيبات تعمل على إقصائها وعزلها لاحقًا، وفي أحسن التقديرات، ينمّ سلوكها غير المستعجل عن قدر من التأني والتريث، إن في سياق المناورة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، أو تحسبًا من مفاعيل معاكسة لتطبيق المصالحة على الأرض، أو خشية من انتكاس جهود المصالحة، وبالتالي فإنّها لا ترغب في خسارة مبكّرة لسلاحها الفعّال، أي العقوبات.

يمكن أن نضيف احتمالات أخرى، غير بعيدة عن غموض الموقف الإسرائيلي، وحقائق المواقف الإقليمية والدولية، وإن كان ثمّة تناقضات هنا، فإنّ قيادة السلطة ستبرع في استثمارها.

لا تبدو قيادة فتح، بالحماس نفسه الذي تبديه حماس للمصالحة، قد يكون هذا مفهومًا، ولكنها غير مستعجلة في رفع العقوبات، ربما هي لا تعبأ كثيرًا بصورتها لدى الجماهير في هذه اللحظّة جراء ذلك، وجوهريًّا يعني استمرار العقوبات حتى اللحظة أنّ لا تغير في الوجهة السياسية، ولا اعتبار بفشل مشروع التسوية، ولا خطّة لمواجهة التحديات التصفوية باستئناف وحدة وطنية فعلية، سياسيًّا هذا سلوك غير مستغرب من قيادة فتح، لكن المشكلة الحقيقية في أن الشعب في غزّة هو الذي يدفع ثمن تلك العقوبات، ثمة اعتبار وطنيّ وأخلاقي لا يظهر فاعليّة بالقدر الكافي في المسلكية السياسية هنا.

أخيرًا، سيلاحظ القارئ أنني أستخدم تعبيرات "السلطة، وقيادة السلطة، وقيادة فتح" للدلالة على الشيء نفسه، إذ لا فرق في المدلول، ولكن اختيار دالّ واحد مربك، فتلك الهيئات كلها، في النتيجة تُختصر، في عدد قليل من الأفراد، يحتكرون المعلومة والقرار، والتجسيد الخطير لذلك؛هو أن حركة مثّلت العمود الفقري للآمال التحررية للفلسطينيين لعقود طويلة، صارت تجتمع لبحث عقوبات تفرضها على شعبها. مشكلتنا هنا.
0
التعليقات (0)