قضايا وآراء

شروط نجاح المصالحة الفلسطينية

عبد الله الأشعل
1300x600
1300x600
مفهوم المصالحة لا ينطبق على ما يجري بين مختلف الفصائل الفلسطينية، والأدق أن تسمى التوافق الفلسطيني لأن الموضوعات التي تفصل بين فريق السلطة وفريق المقاومة سببها إسرائيل كما أن إجراءات السلطة ضد غزة سببها إسرائيل بشكل أو بآخر. 

وهذه الجولة الثالثة للفلسطينيين تأتي في ظروف معينة أبرزها تقدم المشروع الفلسطيني وتراجع وتمزق العرب وتصميم واشنطن على استكمال المشروع الصهيوني بصراحة بحيث ترضى عن الحاكم العربي الذي يخدم المشروع ويقضي على المقاومة، وخلال هذه الجولات أرسيت أرضية وتصورات واستجلاء للمواقف التي يجب أن تناقش بصراحة كاملة. 

والموضوعات التي يتصور أن تكون محل الحوار يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات:

المجموعة الأولى: هي قضايا الحياة في غزة الناجمة عن الحصار وسياسات إسرائيل العدوانية والإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة على غزة وهذه المجموعة تدخل فيها المقاومة مع السلطة ومصر ومن خلفهم إسرائيل، لأن إسرائيل تريد صراحة أن تسوء الأحوال في غزة حتى يتخلى أهل غزة عن المقاومة ويستسلموا لإسرائيل أو يكون هناك مقايضة لحل مشاكل غزة والتضحية بالمقاومة. 

فالارتباط واضح بين إسرائيل وبين التضيق على غزة وإغراقها في بحور من المشاكل، أضيفت مصر إلى القائمة منذ أزمة النظام في مصر مع الاخوان المسلمين وظهور الجماعات المسلحة في شمال سيناء فتعقدت علاقة حماس بالنظام وأثر ذلك على تسهيلات المرور في معبر رفح وتصدر الملف الأمني اهتمامات الجانب المصري مع حماس، ولذلك فإن تسوية العلاقة بين مصر وحماس كان أحد الأسباب في إقبال القاهرة على المصالحة بين فتح وحماس ورعاية هذه المصالحة.

المجموعة الثانية: تتعلق بالمقاومة ومنهج المقاومة وعلاقته بمنهج التسوية على أساس أوسلو التي طرحت المفاوضات كبديل للمقاومة وشقت إسرائيل الصف الفلسطيني بين فريقين، الأول يرى أن المقاومة ورقة أساسية في المفاوضات والفريق الثاني يرى أن المقاومة إعلان عداء لإسرائيل، مما ينسف فرص المفاوضات ورغم تجربة التفاوض مع إسرائيل التي استغلتها إسرائيل ستاراً لتمدد المشروع الصهيوني والاستيطان والوقيعة بين الفريقين فإن إسرائيل يضرها توحيد الصف الفلسطيني إلا إذا كان التوحيد على أساس منهج المفاوضات الذي يعني تصفية المقاومة.

 ولا يخفى أن أوسلو قد استخدمتها إسرائيل كمحطة في تمدد المشروع الصهيوني، وبينما نظرت إليها حماس على هذا الأساس فإن السلطة التي أنشأتها أوسلو تتظاهر ثم تفصح بأنه يستحيل التفاوض الإيجابي مع إسرائيل بغير أوراق قوة وأولها  السيطرة على كل الأراضي الفلسطينية من جانب السلطة أي التخلص من المقاومة عن طريق ما يسمى بالتنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة. 

المجموعة الثالثة: هي المتعلقة بقضايا التسوية عن طريق المفاوضات، ولذلك فإن توحيد الموقف الفلسطيني بالنسبة لموضوعات المجموعتين الأولى والثانية يمكن أن يساعد على توضيح الموقف الفلسطيني في هذه المرحلة وترتيب البيت الفلسطيني والدخول في مفاوضات مع إسرائيل.

التحديات التي تعترض التوافق الفلسطيني:

التحدي الأول: هو أن قرار فك الحصار عن غزة قرار إسرائيلي وهو قرار استراتيجي فشلت في مواجهته كافة المنظمات الدولية وتركيا فهل تستطيع مصر أن تحل مشكلة المعبر بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية دون تدخل إسرائيل أم أن إسرائيل تقايض رفع الحصار مع إنهاء المقاومة.

التحدي الثاني: سلاح المقاومة.

الحديث عن سلاح المقاومة، هو اجتزاء للموقف تماماً كما يحدث فى لبنان بالنسبة لحزب الله، فسلاح المقاومة ليس موجهاً ضد الفلسطينيين أو السلطة ولكن وظيفته هي الدفاع عن غزة ضد العدوان الإسرائيلي،كما أن المقاومة وسلاحها مرتبطان ارتباطاً مطلقاً باستمرار الاحتلال وتوسع رقعته بالاستيطان وكذلك حالات العدوان على غزة وردع تصرفات إسرائيل ضد الأقصى وبقية الأراضى الفلسطينية. 

وإذا صحت النوايا يجب المحافظة على المقاومة وسلاحها واستخدامها كورقة في المفاوضات كما حدث في فيتنام وحركات التحرر الأخرى، لأن أوراق القوة عند الفلسطينيين قد نضبت ولم يبق منها سوى الشعور الشعبي والفردي بالتحدي لغطرسة الاحتلال وهذه ورقة لا تملك السلطة توظيفها بل إن مواقفها كانت معادية لها فلا تزال إسرائيل تنظر إلى السلطة من منظور أوسلو الكلاسيكي وهو أن السلطة حارسة لإسرائيل ضد المقاومة. 

ومعلوم أن منهج المفاوضات بلا أوراق هو منهج قاصر ولذلك فالمطلوب لنجاح المصالحة شروط عدة نوجزها فيما يلي:

الشرط الأول: أن يتأكد لدى الفلسطينيين جميعاً أن فلسطين أمانة في أعناقهم وأن المتفاوضين والمتحاورين لا يملكون ترف رهن مستقبل فلسطين وأجيالها بحالة العجز وانعدام أوراق القوة في هذه المرحلة.

الشرط الثاني أن يدرك المتحاورون ألا يسعوا إلى الانصهار الكامل بين القوى الفلسطينية وانما إلى الحد الأدنى من التوافق الذي يضمن صوتاً فلسطينياً واحداً تلتف حوله الشعوب العربية وأن يدركوا أن الرهان هو على العرق الفلسطيني بصرف النظر عن الطوائف والأحزان والأسماء.

الشرط الثالث: أن يدرك المتحاورون أن إسرائيل تريد كل فلسطين وأنها أعدت للأمر عدته وأنها تريد من هذه المصالحة أو التوافق رأس المقاومة وحذار أن تقدم بقية الأطراف لإسرائيل الخدمة الكبرى وعليهم أن يدركوا هذه الحقيقة جيداً.

الشرط الرابع: هو أن تقدم السلطة الفلسطينية دلائل الرغبة فى الوفاق، وليس غيره وبناء الثقة وذلك على الأقل برفع الاجراءات العقابية عن غزة وأن يكف رئيس السلطة عن الحديث بشكل سلبي عن المقاومة وسلاحها، فلن يغفر التاريخ ولا الشعب الفلسطينى أنه تحت ستار بسط سلطة الحكومة الفلسطينية على غزة يمكن تعويق المقاومة أو تمكين إسرائيل منها أو تطويعها أو تدجينها بحيث يكون ثمن الخلاص من هذه الاجراءات هو رأس المقاومة فيدفع الشعب الفلسطينى ثمن مأساته عدة مرات وأخطرها الرهان على بقائه.

الشرط الخامس: إذا كانت حماس والمقاومة قد أظهروا حرصاً على الوفاق والمصالحة وقبلوا بلا شروط أن المصالحة وليس العناد داخل الصف الفلسطيني هو الطريق إلى استنقاذ فلسطين فلا يجوز للسلطة أن تستغل تساهل حماس لكي تحقق على حساب المقاومة مكاسب هي في الحقيقة لإسرائيل.

الشرط السادس: إذا اتفقت الأطراف على التراحم الفلسطيني ثم التعاون على مواجهة المصائب ثم التضامن والتساند فى ذلك فإن ذلك سيكون شهادة بنجاح الوفاق. أما إسرائيل التي تملك كل أوراق القوة فلا يهمها من جولات الوفاق إلا تمزيق المقاومة من الداخل والوقيعة بين المقاومة والسلطة وبين غزة والمقاومة وبين مصر والمقاومة.

الشرط السابع: أن التسوية مع إسرائيل يجب الاتفاق من كل الفرقاء على أسسها وأن أي طرف يريد أن يساعد في التسوية يجب أن يركز جهده على التسوية وفق هذه الأسس بعد أن صار معنى السلام والتسوية هو انتصار المشروع الصهيوني وضياع فلسطين.

وبصراحة أكبر فإن موقف مصر يجب أن يركز على معاني التلاحم الفلسطيني والمحافظة على المقاومة ودعمها وعدم اخضاع هذا الموضوع للتجاذبات الإقليمية التي أهدرت المؤشرات الصحيحة للقضية ولتحذر مصر مما يتردد عن دورها في صفقة القرن وأولى محطاتها تسليم تيران وصنافير ثم ضرب المقاومة عن طريق تفكيكها لأن المقاومة في فلسطين هي خط الدفاع الأول عن مصر وأهم عناصر التوازن في الموقف الحالي.

وأن مصر أو أي طرف عربي أو دولي آخر يجب ألا يطلب شيئاً من الفلسطينيين وإنما يجب أن يتم التركيز على وقف قطار المشروع الصهيوني ومخططاته التي تقوم على ابتلاع الأرض الفلسطينية وتهويدها.

خلاصة القول إن أي توافق أو مصالحة فلسطينية يجب أن تكون انتصاراً لفلسطين ودعما لموقفها ضد إسرائيل فلا يمكن أن تكون المقاومة تهديداً للسلطة أو أداة في يد حماس للتغلب السياسي داخل أرض تتربص إسرائيل بها وبسكانها الآن وفي المستقبل. 

وأخيرا قد يرى المتحاورون تقسيم الحوار إلى مرحلتين تبدأ بتعزيز جسور الثقة والتوحد قبل مناقشة قضية التسوية مع إسرائيل.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل