قضايا وآراء

حماس المتآمر عليها

أميرة أبو الفتوح
1300x600
1300x600
لن نزايد على حماس ولا على أهلنا فى قطاع غزة فقد تحملوا مالا يتحمله شعب، ثلاث حروب في عشر سنوات شنها عليها الكيان الصهيوني الغاصب، حصار اقتصادي خانق فرضه عليها العدو الصهيوني وذوو القربى في مصر الذي تحكم في معبر رفح ومات المرضى على بوابته بعد غلقها أمامهم ومنع وصول المساعدات الإنسانية من دول العالم وقوافل الإغاثة العالمية إليها فشحت الأدوية والمواد الغذائية، ومنع عنه مواد البناء.

وقطعت السلطة الفلسطينية سلطة محمود عباس المنتهية ولايته وصول الرواتب للموظفين ودفع فواتير الكهرباء للكيان الصهيوني مما جعله يقطع الكهرباء عن القطاع وعاش أهل غزة في ظلام دامس وتوقفت الأجهزة في المستشفيات وفي المؤسسات الحيوية وعانى المواطن الغزاوي أشد معاناة وعاش حياة قاسية ومع ذلك وقف بجانب حكومته الحمساوية التي انتخبها رغم وقوف العالم كله ضد حماس واتهامها بالإرهاب. 

ومع كل هذه المعاناة التي ذكرتُ جزءاً منها إلا أنني أرفض تماماً أن تكون هي المبرر الذي من أجله اضطرت حماس لتقديم التنازلات المؤلمة والمصالحة مع فتح لما فيه من إهانة للشعب الفلسطيني في غزة هذا الشعب الأبي العزيز المقاوم بطبعه لم تكن قضيته في يوم ما هي الكهرباء أو الماء والخبز بل قضيته الأبدية تحرير أرض فلسطين المغتصبة من النهر إلى البحر ويؤمن أن وسيلته الوحيدة لتحقيق هذا الهدف السامي هو المقاومة ولا بديل عنها، وهي ليست خيارا إستراتيجيا بل هي حياتهم وروحهم كما سبق وعبر خالد مشعل من قبل، فلماذا الإصرار على التركيز على النواحي الحياتية للمواطن وتصدير صورة المنتصر للعالم وكأن الحصار قد آتى أكله وأن النظام المصري استطاع أن يذل حماس ويخضعها لشروطه المذلة في المصالحة مع حركة فتح والتي بموجبها سلبت أو نزعت السلطة من حماس أو تنازلت حماس عن السلطة.. سمها كما تشاء فكلاهما أدى لتولي سلطة محمود عباس الوهمية مهمة القطاع وإبعاد حماس عن حكم قطاع غزة!!

وقد لعب الإعلام المصري الفاجر دوراً مهماً فى إظهار هذه الصورة المشينة بلقاءاته الميدانية مع الناس المنتقاه بعناية شديدة ليشيدوا بدور مصر العظيم والأخوة التي تربط الشعبين المصري والفلسطيني وكأنه في غمضة عين وإنتباهها نسيوا كل معاناتهم وإذلالهم عند معبر رفح الذي يجعلك تكره الجغرافية وتلعنها وعلقت صور السيسي التي حملها الوفد المصري معه في زيارته لغزة مع التركيز الشديد عليها في شاشاته التي تنقل الحدث الهام أو الإنجاز العظيم الذي حققه النظام وليزيد من عبثية المشهد أن المذيعين اللذين اختارتهما المخابرات لإجراء حوار مع إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس هما أكثر من هاجما حماس وقياداتها وسباها بأقدح الألفاظ، بل إن أحدهما وهو عمرو أديب قال في برنامجه أثناء الاعتداء الصهيوني الأخير على غزة: "ياكفرة يا إرهابيين"، وحيا نتنياهو وضرب له تعظيم سلام قائلاً له أنت صح!! أما سخرية القدر الحقيقية فكانت محاكمة الرئيس المنتخب محمد مرسي في نفس ذاك اليوم في قضية التخابر مع حماس وتأجلت لغياب الشاهد وهو رئيس المخابرات المتواجد في غزة والذي يعانق قادة حماس ويبلغهم سلام وتحية الرئيس السيسي وثناءه عليهم بالصوت والصورة من خلال في فيديو يحمله معه!!!

******

ليست هذه هي المحاولة الأولى للمصالحة بين فتح وحماس فقد وقعت من قبل عدة إتفاقيات بينهما، إتفاق جدة إبان الملك الراحل عبد الله ثم إتفاق الدوحة ثم إتفاق القاهرة وكلها باءت بالفشل فما الذي جد لتنجح هذه المصالحة والتي لاشك أنها مطلوبة ويتمناها الجميع ولكن لا نريدها ورقة تستثمرها أحد الأطراف التي لم يعرف عنها من قبل مساندة القضية الفلسطينية بوصفها قضية تحرير أرض وإنهاء الإحتلال، وتستخدمها في إيجاد دور إقليمي ودولي لها. 

نعود لسؤالنا السابق ما الذي تغير؟

أولاً المناخ الدولي تغير تماماً كما أن نجاح الثورات المضادة وغياب مَن قال جملته التاريخية "غزة لم تعد وحدها ومصر لن تقف مكتوفة الأيدي وإن ما كان سائداً في زمن ما قبل الثورة لم يعد قائماً الآن"، الرئيس الأسير محمد مرسي أثناء العدوان الصهيوني على غزة عام 2013، كما أن موقف حماس من الثورة السورية وعدم مساندة بشار في حربه ضد شعبه لم يؤثر فقط في علاقتها مع النظام السوري الحاضن لقادتها على أرضه بل أثر بطبيعة الحال في علاقتها مع إيران الداعم الرئيسي لها، فأصبحت حماس وحيدة تواجه مؤامرات العالم كله عليها ومع تغير القيادات وتولي إسماعيل هنية رئاسة المكتب السياسي للحركة وتولي يحيى سنوار رئاسة الحركة في القطاع بدأ التغير أيضا في سياسة الحركة ولعبت على الخلاف بين محمود عباس ومحمد دحلان وبدت أكثر انفتاحاً على الأخير الذي كان له دور كبير في إتمام هذه المصالحة التي تم تنفيذها مع وصول رئيس الوزراء رامى الحمد الله إلى القطاع واستلامه السلطة فيه وبالطبع سيتم تسليم المعابر بين مصر والكيان الصهيوني والتي كانت تسيطر عليها حماس وهذه كانت رغبة مصرية قبل أن تكون رغبة صهيونية ويأتي الأهم في نظري والذي لم يتطرق الحديث إليه في بنود المصالحة، وهو القوة العسكرية لحماس أي كتائب القسام الجناح العسكري للحركة، بالطبع مصر والكيان الصهيوني ممثلاً في سلطة محمود عباس الوهمية يرغبان في تفكيك كتائب القسام ونزع سلاحها وهذا أيضا مطلب أمريكي، فمن غير المعقول أن تؤيد أمريكا والكيان الصهيوني جهود المصالحة كما يدعون من غير أن تكون قد أخذت تعهدا من السيسي وعباس بتحقيق هذا الإنجاز الهام بل أنه الهدف الأساسي وربما الوحيد من تلك المصالحة المزعومة ولم يخيب محمود عباس ظنهم فمع دخول رئيس الوزراء الفلسطيني أرض فلسطين سارع بالقول لن نسمح بوجود سلاح خارج سلطة الدولة!! ومن هنا تكمن خطورة المصالحة وتكشف أن الغرض منها هو القضاء على حماس كحركة مقاومة وتجريدها من سلاحها، وهذا ما أخشى منه، وهل القضاء على كتائب القسام سيكون بهذه السهولة التي عجزت عنها إسرائيل بجيشها وعتادها في حروبها الثلاث فأوكلت هذه المهمة للفلسطينيين أنفسهم ليقاتلوا بعضهم البعض ويتحول الحال إلى حرب فلسطينية فلسطينية كما يحدث في البلدان العربية الأخرى في سوريا والعراق واليمن وليبيا، هل هذه هي خطتهم الجديدة للقضاء على آخر جذوة مقاومة للمحتل الصهيوني في الأمة؟! هل بهذه المصالحة ترمي حماس نفسها إلى التهلكة؟! هذه الأسئلة وغيرها سوف تجيب عنها الأيام القادمة وما تخفيه من أحداث ولست متشائمة إن قلت إن ما لم يستطع أن يحققه الكيان الصهيوني في ثلاث حروب وحصار جائر لمدة أحد عشر عاماً سيحققه من خلال هذه المصالحة غير معلومة التعريف والرؤية والأهداف ولا حتى الثوابت التي ستبنى عليها، فهي مصالحة لن يكون لها غير الاسم أما الواقع فهو لا يعبر عن أي مصالحة حقيقية على الأرض!! 
التعليقات (0)

خبر عاجل