كتاب عربي 21

" الإرهاب الإسلامي" بين الاستبداد والاستعمار

محمد هنيد
1300x600
1300x600
الإرهاب اليوم هو اللفظ الأكثر شيوعا في الخطاب الإعلامي الدولي بشكل عام. لكنه لا يقتصر في حضوره على المظهر اللساني بين المصطلح والخطاب، بل هو يتجاوز الخطاب ليتحول إلى مكون وظيفي قادر على الفعل المباشر وعلى التأثير العميق. 

يمكن القول إن فعل الإرهاب يحدد اليوم مصير دول بكاملها ويحرك مسير تكتلات بأكملها ويحدد مصير شعوب بأسرها. فالحرب على الإرهاب هي اليوم في كل مكان: في الخطاب وفي الصورة في المعنى وفي التأويل، وهي في قلب مأساتنا العربية التي لا تنتهي. لكن بالرغم من هذا الانتشار الواسع للفظ ودلالته فإنه لا يوجد له تعريف واضح، أي إنه بقدر ما كان المصطلح واسع الاستعمال، فإن دلالته غامضة غموض الأطراف التي يشملها.
 
الخطير في الظاهرة التي يدعي الجميع محاربتها، لا يقتصر على غياب التعريف الجامع لها، بل الأخطر هو أنها تحولت اليوم بشكل واضح لا يدع مجالا للشك إلى أداة ووسيلة في حد ذاتها، فهي لم تعد هدفا كما يسعى الخطاب الإعلامي والسياسي إلى إقناعنا بذلك. هذا التوظيف لا يقتصر على القوى الاستعمارية الجاثمة على مقدرات الأمة، بل هو يشمل أيضا النظام الاستبدادي العربي الرسمي سواء في شكله العسكري أو الجمهوري العسكري أو الوراثي. أي إن الاستبداد والاستعمار يشتركان اليوم داخل المنطقة العربية في توظيف المصطلح والظاهرة، من أجل بلوغ الأهداف نفسها التي تكاد تكون مشتركة بين الطرفين.

يستعمل الإعلام العربي وخطابه السياسي مصطلح الإرهاب بشكل يومي ليعلن دائما أنه يخوض حربا مقدسة ضده؛ ففي مصر أعلن النظام الانقلابي هناك حربه على الإرهاب وكان ذلك في الحقيقة مدخلا وحجة لتصفية خصومه السياسيين، ومصادرة مكاسب الثورة المصرية، وإطلاق يده في المذابح التي تم ارتكابها هناك؛ منذ مذبحة رابعة وصولا إلى كل جرائم العسكر في سيناء.

أما المنظومة الاستعمارية العالمية في شكلها الروسي والأوروبي والأمريكي، فإنها استثمرت في الظاهرة الإرهابية، بشكل مكنتها ذريعة الحرب على الإرهاب من ترسيخ قدمها الاستعمارية في المنطقة العربية ومصادرة ثروات شعوبها، وإبقاء الجموع البشرية هناك تحت سياط الهياكل القمعية للدولة الاستبدادية العربية.

بناء على ما تقدم، فإن الرابح الأكبر من موجة الحرب على الإرهاب هو النظام الاستعماري العالمي ووكيله الاستبدادي في المنطقة، أما الخاسر الأكبر فهي الشعوب العربية التي صودرت ثرواتها وأجهضت ثوراتها، تحت شعار الحرب على الإرهاب وذلك في الاتجاهات التالية:
 
نجح الإعلام العالمي بما هو ذراع متقدمة للذراع السياسي في جعل الإرهاب خاصا بالإسلام والمسلمين، وهو ما يفسر تعمد هذا الخطاب استعمال النعت الخاص باللفظ أي "الإرهاب الإسلامي" في ربط صريح بين الإرهاب والمسلمين. فلا حديث عن الإرهاب المسيحي أو البوذي أو اليهودي، رغم كل الجرائم التي ترتكب في فلسطين وسوريا والعراق وبورما في حق المسلمين هناك.

الإرهاب لا يتحدد اليوم بالجريمة نفسها أي بالفعل الإجرامي بقدر ما يتعلق بجنسية الفاعل وهويته ودينه بل ولون بشرته. فبالأمس القريب قام الأمريكي "ستيفان بادوك" بقتل ما يقارب من ستين شخصا وجرح ما يقارب الثلاثمائة في عملية إرهابية مرعبة، تكاد تكون الأكثر دموية على الأرض الأمريكية.  لكن ما أثار دهشة المراقبين على اختلاف مستوياتهم وخلفياتهم، هو رفض الإعلام الغربي وصف الحادث بالعمل الإرهابي ووصف القاتل بالإرهابي.

هذا الرفض المعلن لتوريط الأبيض الأمريكي في تهمة صنعت خصيصا لشيطنة العرب والمسلمين، هو الذي يكشف أن الحرب على الإرهاب ليست إلا خدعة دولية كبيرة تمت حياكتها في أقبية الأجهزة الأمنية والاستخباراتية العالمية، من أجل أجندات استعمارية وتوسعية لا غير.

لكن المفزع في الأمر وخاصة بعد أزمة حصار قطر هو أن النظام الاستبداي العربي، لا يقتصر في توظيف تهمة الإرهاب على السيطرة داخليا من أجل الحفاظ على عرشه، بل صار يوظفها في الأزمات الإقليمية التي يصنعها. في هذا الإطار تدخل تهمة الإرهاب التي تحاول السعودية والدول الدائرة في فلكها إلصاقها بدولة قطر، باعتبارها من رعاة الإرهاب ومن مموليه وداعميه. 

الخطير في هذه التهمة هو أنها تثبت على العرب والمسلمين صفة الإرهاب؛ لأن جملة النداوت والمؤتمرات التي نظمتها دولة الإمارات مثلا في أوروبا من أجل إثبات تهمة الإرهاب على دولة قطر، إنما تمثل هدية مجانية لأعداء العرب والمسلمين في لحظة حضارية حاسمة.

لا يمكن بناء على ما تقدم أن نفصل اليوم بين استثمار الاستبداد والاستعمار في الظاهرة الإرهابية، بما هي تهمة جعلت لتكون خاصة بالعرب والمسلمين من أجل تبرير قتلهم واستعمارهم ومصادرة حقهم في الحرية والعدالة والكرامة.

إن أكبر إرهاب هو إرهاب النظام الدموي العربي، وأكبر تطرف ما هو إلا تطرف الاستعمار العالمي بجرائمه التي لا تنتهي في حق المسلمين، أما شعوب هاته الأرض فهم أول ضحايا الإرهاب الدولي، ووكيله المحلي بما هو الصانع الحقيقي للظاهرة والمستفيد الأول منها.
0
التعليقات (0)