كتاب عربي 21

تونس.. حكومة برائحة الانقلاب

محمد هنيد
1300x600
1300x600
لا يختلف أهل تونس اليوم في وصف التحوير الوزاري الأخير الذي طرأ على الحكومة القديمة، حيث يجمع الأحرار على وصف التغيير بأنه يحمل طعم الانقلاب الذي لا يخفى على ملاحظ. لكن من المبالغة القول بأن الأمر انقلاب على الثورة لأن الانقلاب بدأ مبكرا ومنذ السنوات الأولى لثورة 17 ديسمبر حيث نجح جلادو بن علي ورجاله في امتصاص الصدمة الثورية الأولى وحيث فشل الثوريون والنخب التابعة لهم في اجتثاث ورم النظام القديم.

المسألة هي بتعبير أكثر دقة "تقدّم على طريق استكمال الانقلاب" بمعنى أن التحوير الأخير هو مرحلة من جملة مجموعة من المراحل التي تصب نحو هدف واحد وهو استعادة المجال الذي كان للنظام الاستبدادي قبل تاريخ 17 ديسمبر.

التشكيلة الحكومية الجديدة هي الأكثر وقاحة واستفزازا للمشاعر الثورية ولقوافل الشهداء الذين سقطوا خلال ثورة الحرية من أجل أن يعيش أبناؤهم وأهلهم بشرف وكرامة ومن أجل أن تسقط "عصابة السرّاق".

التشكيلة الوزارية تحمل رؤوسا من رؤوس الثورة المضادة وتحمل أعلاما من أعلام نظام الهارب بن علي بل إن من بين وزراء اليوم مَن كانوا وزراء عنده عندما كان يمارس على شعب تونس أشرس أنواع القمع والتعذيب والاضطهاد والتنكيل والقتل. من وزراء اليوم من يحمل شبهات فساد كبيرة بل إن منهم من ترتبط به ملفات خطيرة في صناعة الجماعات الإرهابية وفي اختراقها وتوجيهها وفي ضرب الأمن القومي للبلاد.

تحمل الحكومة الجديدة طبعا وجوها رخوة محسوبة على حركة النهضة الإسلامية وهي وجوه تنتمي دائما إلى نفس المناطق التي احتكرت السلطة والنفوذ والثروة منذ الوكالة الاستعمارية لبورقيبة وصولا إلى الوكيل الثاني بن علي.

لقد قام بورقيبة وبن علي بتفضيل أبناء مدنهم من الساحل أو من العاصمة على بقية المناطق الأخرى للبلاد والتي لا تزال تعاني التهميش والفقر والاحتقار بل دفع الرجلان وهما من أبناء منطقة واحدة بأصدقائهم في أرقى المناصب في الدولة وفي مفاصل الحكومة واستبعدوا كل المناطق الأخرى في جهوية مقيتة لا تزال آثارها بادية حتى على البنية التحتية وفي الخدمات والمرافق بين ساحل وشمال شرقي مترف وبين باقي البلاد الغارق في الفقر والحاجة والخصاصة.

بل إن رئيس الجمهورية الذي كان يوما يشرف على زنازين تعذيب المجاهدين في سجن "صباط ـ حذاء ـ الظلام" ذائع الصيت صرّح بالأمس أن إخوان تونس رفضوا دخول قلعة المدنية التي يدعي حمايتها وحافظوا على صبغتهم الدينية السياسية. وهو ما يؤشر ـ بقطع النظر عن صبغة التصريح الانتخابية ـ إلى أن حزب نداء تونس بما هو الواجهة الجديدة لحزب التجمع الدستوري الدموي لن يتردد في الانقضاض على شركائه في الحكم متى سنحت له الفرصة ومتى أشّر عليه عرّابو الانقلاب في الخارج بذلك.

جهود الخارج في دعم الانقلاب على الثورة التونسية لا تخفى بل إن الدولة الخليجية الراعية للانقلابات في المنطقة هي التي تقود منذ مدة جهود الانقلاب الناعم على الثورة التونسية مثلما فعلت مع الثورة المصرية ومثلما لا تزال تفعل مع الثورة الليبية. بل إن من الملاحظين في تونس من يرى أن هذه الدولة التي تمرح على طول الوطن العربي من أجل إجهاض التجارب السياسية الناشئة هي التي قامت بالتحوير الوزاري الأخير في تونس خاصة فيما يتعلق بالوزارات السيادية مثل الدفاع والعدل والداخلية والمالية.

صحيح أن التجربة التونسية لا يمكن أن تخرج عن سياقها العربي أي أنه لا يمكن فصل مسار الثورة التونسية عن مسار بقية الثورات العربية لكن لا يجب أن ننسى أن تونس استثناء تاريخي يفسر أساسا باندلاع الثورة منها أولا.

إن قوى الثورات المضادة تعرف اليوم أوج انتصاراتها وهو ما أغرى كثيرين في المنطقة وخارجها بالتعجيل لتصفية المكسب الثوري التونسي وذبح الثورة العربية في مهدها كما يقول الكثيرون.

رغم كل المحاولات اليائسة للانقضاض على المكسب الثوري، ورغم كل الأموال التي أنفقت على الإرهاب وعلى الاغتيالات السياسية وعلى الاعتصامات وعلى منابر إعلام العار ورغم كل ذلك؛ لا تزال الثورة التونسية صامدة أمام التيارات الانقلابية التي لم تفهم الدرس بعد.

لقد طلّق الشعب التونسي الخوف دون رجعة وانتهت قبضة الجلاد التي كان يخافها وإن كل محاولة لإعادة استنساخ النظام القديم لن تكون غير تسريع للموجة الثورية الثانية التي لن تكون كسابقتها ولن ترتكب أخطاءها بل ستعجل باستئصال منظومة الفساد من جذورها ولو كلفها ذلك ما كلفها.
1
التعليقات (1)
إن شاء الله
الجمعة، 08-09-2017 08:56 ص
الإنقلابيون سيستوعبون فنائهم عند رؤية حكمهم يزول دون قدرتهم على فعل أي شيء ودون رجعة.