كتاب عربي 21

حروب الجهاد الدائمة: معركة "أحرار الشام" و"تحرير الشام"

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600
لم يكن الصدام بين حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام غريبا في عوالم الحركات الجهادية عموما والجماعات الجهادية السورية خصوصا، لأسباب عديدة تتعلق بديناميكية الصراعات السياسية العسكرية وتحولها  من المحلي إلى الإقليمي فالدولي، ذلك أن الطبيعة المزدوجة للحركات الجهادية السلفية تقوم على المراوحة بين الإيديولوجية المتصلبة والبراغماتية الفجة، والتي تدفعها دوما إلى البحث عن تحالفات محلية وإقليمية ودولية هشة للحصول على الشرعية والتمويل، فديناميات الانقسام هي الأصل في الحركات الإيديولوجية السلفية المتصلبة لأسباب دينية تتعلق بسياسات الحق والحقيقة ومفاهيم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، من جهة ومواضعات المصلحة المرسلة واستراتيجيات السيطرة والنفوذ من جهة أخرى.

شهدت سنوات الثورة السورية الثلاث الأولى تقدما ميدانيا لقوات المعارضة على قوات النظام، عندما كانت أولوية الفصائل تنصب على إسقاط النظام، وكانت الصدامات بين فصائل المعارضة الجهادية نادرة الحدوث، بينما شهدت السنوات الثلاث التالية أولويات مختلفة مع اختلاط مسألة "الجهاد" بموضوعة "الإرهاب"، حيث أصبحت الحروب بين الفصائل الجهادية سمة بارزة، وأكثر القتلى يسقطون في معارك جهادية بينية وليس على يد النظام، فقد تبدلت أولويات الدول الراعية كما تغيرت أولويات الحركات الجهادية.

 كان خلاف الجهادية العالمية داخل فروع تنظيم القاعدة في سورية فاتحة لصدام بين تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة منذ منتصف 2013، والذي سوف يقود إلى حروب ومعارك جهادية بين الفصائل لا تنتهي، وإذا كانت الخلافات الإيديولوجية والإستراتيجية بين أبرز ممثلي الجهادية العالمية التي جمعتهم القاعدة أدت إلى المفارقة والإلغاء والحرب، فإن مبررات الحرب مع الفصائل الأخرى أشد وأعظم، وإذا كانت المشتركات الإيديولوجية والإستراتيجية التي جمعت بين أحرار الشام وجبهة النصرة كبيرة، فإن المفترقات كانت أوسع وأكبر.

تشير الخلافات والمعارك بين الفصائل الجهادية السورية إلى تكرار ما حدث بين الفصائل الجهادية العراقية وبذات المواقيت حيث تعاونت فصائل المقاومة العراقية في سنواتها الثلاث الأولى ثم دخلت في حروب الإلغاء والتصفية وبنفس الحجج والذرائع الإيديولوجية والبراغماتية مع اختلاف طفيف في مكونات اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين، حيث برزت صحوات العشائر ثم صحوات الفصائل، وظهرت أطروحات الشرعية والمشروعية وبرزت معضلات التمويل والتسليح.

لم تختلف سوى الأسماء والعناوين في الحالة الجهادية السورية، فهي تنسج على منوال الحالة العراقية على صعيد الخطاب والمواجهة، ولم تسعف التجربة والخبرة أي فصيل، فرغم التحالفات الموضوعية الهشة بين الأحرار والتحرير كانت شقة الخلافات تتسع والمخاوف تطفو، ففي مراحل مبكرة نظرت جبهة النصرة لحلفائها في أحرار الشام كمشروع صحوات مستقبلي كما أكد على ذلك أبي سمير الأردني ( وهو أبو أنس الصحابة ــ مصطفى صالح عبد اللطيف) بعد انشقاقه عن "جبهة النصرة" وانضمامه إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"، والذي شغل منصب "المسؤول العسكري للنصرة" وعضو مجلس الشورى وكان قبل ذلك أميرا لجبهة النصرة في دمشق،  ففي مقابلة معه في العدد العاشر من مجلة "دابق"  في تموز/ يوليو 2015 التي كان يصدرها تنظيم الدولة باللغة الانكليزية وتحولت لاحقا إلى مجلة "رومية"، قال أن زعيم النصرة أبو محمد الجولاني قد وصف "أحرار الشام" بأنهم "صحوات المستقبل، ولكن الدولة استعجلت قتالهم" كما نقل عن عضو "مجلس الشورى رئيس اللجنة الشرعية في جبهة النصرة" أبي عبدالله الشامي قوله عن "حركة أحرار الشام" أنها "مشروع حماس المقبل".

إن الخلاف والصدام بين حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام نتاج تطورات الأزمة السورية وتحولاتها من حركة احتجاجية محلية سلمية إلى حركات مسلحة جهادية ضد النظام سرعان ما انقلبت إلى نزاع إقليمي لتدخل في أتون صراع دولي، وقد تنامت الخلافات منذ تشكيل غرف التنسيق المشترك لأصدقاء سوريا صيف 2013 ثم التدخل الروسي في أيلول/ سبتمبر 2015 والتفاهمات الأمريكية الروسية إبان إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وصولا إلى تبدل ديناميكيات المقاربة التركية وتفاهماتها مع روسيا.

مسارات الخلاف بين الأحرار والتحرير تعاظمت منذ  كانون أول/ ديسمبر 2016 باستعادة جيب المعارضة الرئيس في حلب ، حين كانت الفصائل تجتمع لإعادة تعريف الثورة والجهاد والأمة والدولة  حيث أسفرت صفقة حلب عن تصدع "حركة أحرار الشام" حيث أعلن قائدها الأسبق هاشم الشيخ (أبو جابر) عن توحد 16 فصيلا تحت اسم "جيش الأحرار" وقد جاء هذا القرار بعد انتخاب علي العمر قائداً لـ "أحرار الشام" في ظل خلافات معروفة على خلفية عملية "درع الفرات"، وقد هيمن على السجال والحجاج بين أطراف الحركة مسألة تعريف وإعادة النظر في مبادئ الحركة التأسيسية حيث أكد "جيش الأحرار" على أن مبدأ  الحركة يقوم على أساس أنها "مشروع أمة" وليس "ثورة شعب".

مع اجتماع أستانة الأول في عاصمة جمهورية كازاخستان في كانون ثاني/ يناير 2017 لتثبيت وقف إطلاق النار، تصاعدت الخلافات، وقد شهدت الجولة الرابعة من مفاوضات أستانة في أيار/مايو الماضي التأكيد على وقف إطلاق النار والاتفاق على إقامة أربع مناطق لخفض التصعيد دخل حيز التنفيذ في 6 أيار/مايو الماضي، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لمواصلة القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة فتح الشام وغيرهما من الأفراد والمجموعات والمنظمات التابعة لهما في داخل مناطق خفض التصعيد. 
دينامية الصدام باتت حتمية  بين أحرار الشام وتحرير الشام مع حلول كانون ثاني/يناير 2017 والذي يمثل لحظة تاريخية فارقة دشنت تخلي الدول الغربية والعربية ممن أطلقت على نفسها "مجموعة أصدقاء سورية" عن المعارضة السورية وتركتها لمواجهة مصيرها المحتوم بالفناء وبهذا فإن الحالة السورية تعيد إنتاج الحالة العراقية حيث تختفي فصائل المعارضة المسلحة الوطنية عقب مرورها بمسار "الصحوات" ولا يبقى سوى الحالة الجهادية العالمية.

تسارع وتيرة الصراع بين الأحرار والتحرير تزامن مع مؤتمر أستانة الذي انعقد في 24 كانون ثاني/يناير الماضي، حين شنّت جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً)، هجوماً على مجموعة مدعومة من الغرب (جيش المجاهدين) شاركت في محادثات الأستانة، ورغم أن حركة أحرار الشام لم تشارك في محادثات الأستانة إلا أنها لم تعترض على مشاركة سائر الفصائل، الأمر الذي دفع فصائل جهادية عديدة إلى الانضمام لحركة أحرار الشام لحمايتها من النصرة في 26 كانون ثاني/ يناير 2017، وهي: جيش المجاهدين، والجبهة الشامية – قطاع حلب الغربي، وألوية صقور الشام، وجيش الإسلام – قطاع إدلب، وكتائب ثوار الشام، وتجمُّع "فاستقم كما أُمرت.

لم تسفر حركة اندماج الفصائل عن توقف الاشتباكات، وباتت عمليات الفرز الاستقطاب والاستحواذ الجهادي على أشدها، ففي 28 كانون ثاني/يناير 2017، اندمجت جبهة فتح الشام مع أربع فصائل أخرى ضمن كيان جديد تحت مسمّى هيئة تحرير الشام، وهي: كتائب نور الدين الزنكي، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنّة، ولواء الحق، وانضمّت مجموعات منشقّة عن أحرار الشام كمجموعة  "مجاهدو أشداء"، والذي كان يقودها "أبو العبد أشداء"، وانشقّ بعض مسؤولي أحرار الشام للانضمام إلى هيئة تحرير الشام الجديدة، ومن ضمنهم هاشم الشيخ وأبو صالح طحان وأبو محمد الصادق وأبو يوسف المهاجر، واستقطبت هيئة تحرير الشام عدة مشايخ سلفيين أمثال عبد الله المحيسني وعبد الرزاق المهدي.

لا جدال أن حركة أحرار الشام  كانت أحد أهم القوى الإسلامية المسلحة في سورية، وقد برهنت الحركة على قدرتها على الاستقطاب والتجنيد، وتمكنت من التكيّف مع ظروف ميدانية معقدة، وبرهنت على فعالية مقاتليها في معارك عديدة، لكن الحركة قامت منذ بروز فكرة تأسيس " كتائب أحرار الشام الإسلامية"  في تموز/ يوليو 2011، كما حددها قائدها السابق أبو عبدالله الحموي حسان عبود، على هوية ملتبسة، فعلى الرغم من أن آبائها المؤسسين ينتمون إلى الفضاء السلفي العمومي، إلا أن هويتها الجهادية تستند إلى تراث الجهادية السورية وممثلها الأبرز "الطليعة المقاتلة" ورمزها الأكبر مروان حديد، ومعظم قادة أحرار الشام الكبار هم من السلفيين الجهاديين الذين أفرج عنهم من سجن "صيدنايا" الشهير أمثال أبو عبدالله الحموي، ومن الجهاديين السوريين العائدين من ساحت القتال التي تتبع تنظيم القاعدة أمثال أبو خالد السوري.

 هوية أحرار الشام كما حددتها الحركة بوضوح تنتمي للفضاء السلفي، وتقوم على " اتباع الكتاب والسنة مع تقديم فهم سلف الأمة الصالح"، دون الدخول في حدود جهادية حدية، إلا أن ذلك  كان دافعا إلى  نسج علاقات مع تنظيم القاعدة المركزي بزعامة الظواهري والفرع الشامي النصرة بزعامة الجولاني، ذلك أن الحدود الفاصلة لا تبدو جوهرية على الصعيد الإيديولوجي ولا مبررة على الصعيد العملي، كما أن الصلات الإنسانية الشخصية كانت متداخلة بحكم العدو المشترك، وبرسم الأهداف النهائية المتعلقة بتطبيق الشريعة وحلم الخلافة، فعلى الرغم من عدم الإعلان عن صلات تنظيمية مباشرة  مع تنظيم القاعدة، فقد كانت قيادة حركة أحرار الشام على تواصل دائم، بل إن الظواهري عندما حدث النزاع بين الدولة الإسلامية والنصرة، بعث بثلاث رسائل واحدة للنصرة واثنتين للأحرار كما كشف عن ذلك القائد العسكري السابق للنصرة وعضو مجلس الشورى أبو سمير الأردني، الذي التحق بتنظيم الدولة الإسلامية، وليس ذلك فحسب بل إن الظواهري طلب من زعيم النصرة الجولاني حل النصرة والانضمام للأحرار، كما أن مبعوث الظواهري أبو خالد السوري كان من الأحرار، فضلا عن كون الجناح الجهادي المعولم داخل النصرة  أمثال أبو فراس الشامي وأبو همام  الشامي كانا من رفقاء أبو خالد السوري، وجميعهم من أتباع أبو مصعب السوري الذي يعتبر سلطة مرجعية جهادية أساسية لدى النصرة والأحرار، وكان  محسن الفضلي أحد أهم الشخصيات الجهادية المعولمة مندوب الظواهري الآخر، ويرتبط بعلاقات وثيقة مع الأحرار، وهذه المجموعة من الجهاديين المعولمين كانت الأشد خطرا بحسب الولايات المتحدة، وهي ذات المجموعة التي أطلقت عليها الحكومة الأمريكية في أيلول/ سبتمبر 2014 "جماعة خراسان".

لا شك بأن أحرار الشام دخلت في أطوار تاريخية أفضت إلى سلسلة من التحولات الإيديولوجية والتنظيمية، إلا أن التحول الأبرز جاء عقب مقتل معظم قيادات الصف الأول في 9 أيلول/ سبتمبر 2014، في حادثة لا تزال غامضة، حيث تسارعت خطوات حركة أحرار الشام في محاولة تقديم نفسها كحركة معتدلة، وبدت تصريحات قائد الحركة الجديد هاشم الشيخ المعروف بأبو جابر الشيخ مختلفة، وتطرح تصورات حول مستقبل سورية في ظل "حكم بدستور مصدره الإسلام"، و"حكومة منبثقة عن اختيار الشعب"، و"عقد تراض بين الحكومة والشعوب"، الأمر الذي سوف يصفه المسؤول الشرعي العام في جبهة النصرة الدكتور سامي العريدي  بالسعي إلى" علمنة الثورة".

 سوف تتأزم العلاقات مع قاعدة الجهاد في بلاد الشام ــ جبهة النصرة، مع تحولات حركة أحرار الشام الإسلامية بعد إصدارها بيانين منفصلين تعلن فيهما إحداث تغييرات جوهرية في هيكليتها وارتباطاتها، حيث أعلنت عن نيتها تشكيل ما أسمته "جيشاً نظامياً"،ونفت وجود أي علاقة تنظيمية لها مع تنظيم "القاعدة"، الأمر الذي كان يتطلب إعلانا رسميا، نظرا للعلاقات التاريخية بين قيادة الأحرار وقيادة القاعدة، لكن إعادة الهيكلة الإيديولوجية والتنظيمية، سوف تخضع لاشتراطات الاعتدال المعولم، فبحسب بيان الأحرار؛ لا بد من "التفرغ كلياً للعمل في القوة المركزية والالتزام بالعمل في أي منطقة تقتضيها مصلحة الجهاد"، وهي عبارة عمومية تتوافر على اختلاف داخل الحركة في تعريف جبهات القتال، فإذا كان قتال النظام ظاهر في نصوص صريحة، فإن المناطق الأخرى تشير إلى إمكانية القتال على جبهات مع تنظيم "الدولة الإسلامية"، ولاحقا إذا اقتضت مصلحة "الجهاد"، مع جبهة النصرة. 

سبق لحركة أحرار الشام أن أعلنت عدم وجود ارتباط تنظمي بينها وبين "القاعدة"، حيث أكد مسؤول العلاقات الخارجية لبيب النحاس على ذلك في مقالته المنشورة في صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية، إلا أن ذلك بات رسميا بعد أن صدر عن "القيادة العامة" للحركة، وإن كان مضمون البيانات الجديدة جاء متطابقا مع "ميثاق الشرف الثوري" الذي وقّعته الحركة بمشاركة فصائل أخرى في 2014، والذي أصبح وصمة عار حينها تلاحق موقعيه لدى كافة الجهاديين، وخصوصا جهاديي جبهة النصرة. 

بيان "أحرار الشام" لم يقتصر على قطع الصلة مع القاعدة بل مع كافة الفصائل التي كانت من أهم حلفائها على مدى سنوات الثورة والتي تضم جهاديين عرب وأجانب، فعلى الرغم من أن الحركة كانت تتجه نحو مزيد من البراغماتية، والتكيّف مع الشأن المحلي السوري، إلا أنها كانت متحالفة ومنسجمة مع الفصائل التي يهيمن عليها الأجانب، فعندما شكلت أحرار الشام  "الجبهة الإسلامية السوريّة" بتاريخ 22 كانون أول/ ديسمبر 2012،  تكونت  من أحد عشر مجموعة، من بينها "حركة الفجر الإسلامية"، و"كتائب أنصار الشام"، و"لواء الحق"، و"جيش التوحيد"، و"جماعة الطليعة الإسلامية"، و"كتيبة مصعب بن عمير"، و"كتيبة صقور الإسلام"، و"كتائب الإيمان المقاتلة"، و"سرايا المهام الخاصة"، و"كتيبة حمزة بن عبد المطلب"، فضلا عن علاقاتها الوثيقة مع كافة فصائل  الجهاديين "المهاجرين".

في سياق التكيّف مع التحولات أقدمت أحرار الشام على خطوة كبيرة ابتعدت بها عن أطروحاتها السلفية الجهادية، من خلال إعلان "الهيئة القضائية" لـلحركة اعتماد "القانون العربي الموحد" في محاكمها في حزيران/ يونيو 2017، الأمر الذي استدعى هجوماً  على أحرار الشام من قبل "هيئة تحرير الشام"، وأنصارها من مشايخ السلفية الجهادية،  وفي ذات التوقيت شكل ظهور علم الثورة السورية إلى جانب قائد "حركة أحرار الشام الإسلامية" علي العمر "أبو عمار" خلال كلمته التي ألقاها بمناسبة قرب حلول عيد الفطر، بعد يوم واحد من إصدار "المجلس الشرعي" للحركة بيانا أكد فيه على مشروعية رفع هذا العلم تأكيدا على تحول الحركة وابتعادها عن نهج السلفية الجهادية العالمية.

إن قراءة هيئة تحرير الشام لتحولات حركة أحرار الشام لا تنفصل عن قراءتها لتحولات المشهد الجهادي السوري وديناميكيات الصراع الإقليمي والدولي، فقد عملت الدول الإقليمية والدولية الراعية للفصائل الجهادية إلى دفعها للابتعاد عن نهج الجهادية السلفية العالمية وممارسة الضغوطات والمطالبات باندماجها في ديناميات مفاوضات السلام، فقد سبق أحرار الشام  قرار "جيش الإسلام" بتبني علم الثورة في شباط/فبراير 2017، ثم دعوته لتأسيس "جيش وطني".

في هذه السياقات حسمت "هيئة تحرير الشام" خياراتها عبر الحل العسكري، عندما شنت حملة عسكرية ضد "حركة أحرار الشام" في الشمال السوري، وقد عبر البيان الذي أصدرته قيادة "تحرير الشام" رداً على مبادرة مجموعة من المشايخ والدعاة لوقف القتال بعد يومين على انطلاقته، ومن ثم الخطاب الذي ألقاه الشرعي فيها أبو اليقظان المصري، أمام مجموعة من مقاتلي "الهيئة"، كشفا وبوضوح عن إستراتيجية "تحرير الشام" ا في المنطقة الممتدة من ريف حلب الغربي حتى ريفي حماة الشمالي والشرقي، وهي المنطقة الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، والقضاء على مشروع "أحرار الشام" لإدارة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بالتعاون مع الفعاليات والقوى الثورية الذي بدأت "الحركة" بالترويج له عقب اعتمادها لكل من علم الثورة والقانون العربي الموحد، والأهم إفشال أي مشروع للتدخل العسكري التركي في هذه المنطقة يعتمد على الأحرار وبقية فصائل "درع الفرات" واستكمال السيطرة على معظم الشريط الحدودي مع تركيا.

كان أبو اليقظان أكثر وضوحا في بيان أهداف المعركة مع حركة "أحرار الشام"، فقد حدد ثلاثة ملامح أساسية تتمثل: الأولى بإنهاء "الحركة" بسبب ما قامت به في الفترة الأخيرة الماضية من خطوات، وما تعمل عليه من مشاريع مدنية، والثانية بالسيطرة على المنطقة الحدودية مع تركيا، وطرد "الحركة" منها كأولوية مطلقة، في حال لم يتم القضاء عليها بشكل كامل، والثالثة ببسط هيمنة "الهيئة" بشكل كامل على عموم المساحة الخاضعة لسيطرة الفصائل في الشمال لاحقاً، وتحجيم قوة هذه الفصائل وإبقائها تحت السيطرة، فمع السيطرة على معبر باب الهوى، أحكمت "الهيئة" سيطرتها، وبشكل كامل، على مدن وبلدات إدلب وسلقين وحارم والدانا وأطمة وسرمدا ودارة عزة وجبل بابسقا وجبل بركات، باستثناء جبل الزاوية.

خلاصة القول أن عمليات التكيّف والتحول للحركات الجهادية السورية مع متطلبات الإستدخال الإقليمي والدولي وقبولها  تعديل سلوكها وإيديولوجيتها دون خريطة طريق واضحة المعالم وعملية سياسية حقيقية تفضي إلى ضعف وتفكك وانهيار هذه الحركات، لصالح الحركات الجهادية العالمية، فحركة أحرار الشام التي طالما وصفت بأنها أكبر فصائل المعارضة المسلحة كانت تتصدع على خلفية مواقفها وقراراتها وتتعرض للانشقاق والانقسام والتشظي لحساب هيئة تحرير الشام ومكونها الصلب جبهة النصرة، وهكذا كما أكدنا منذ بداية الأزمة السورية ستقتصر المواجهة مع النظام  في سورية على الجهادية العالمية بأسمائها المختلفة.
1
التعليقات (1)
ابو لطفي
الإثنين، 31-07-2017 04:28 م
الجهادية العالمية خيار عدمي لتوليد فصائل داعشية لإجهاض أي حركة تحرر أو أي حركة ثورية , الجهادية العالمية عبارة عن حمار طرواده وليس حصان طروادة لضرب المشاريع التحررية