كتاب عربي 21

اللعبة الأمريكية بين إيران والخليج

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600
تعدّ فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كارثية بالنسبة للسعودية وحليفاتها من الدول الخليجية، فقد توصلت أمريكا في عهده إلى اتفاق تاريخي مع إيران حول "الملف النووي"، وأقر الكونغرس الأمريكي ضمنا مسؤولية السعودية عن "إرهاب 11 سبتمير" عبر تشريع "قانون جاستا".

وكانت إدارة أوباما تتوافر على نظرة إيجابية لمجريات الربيع العربي، وتتواصل مع حركات الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين.

منذ وصول دونالد ترامب إلى حكم البيت الأبيض، تنفست السلطويات العربية في الخليج والمنطقة الصعداء، نظرا لنهجه الواضح خلال الانتخابات بمحاربة "الإرهابيين" بالاعتماد على "الدكتاتوريين"، رغم تصريحاته الفجة تجاه الإسلام ودول الخليج والمنطقة، ووصم الجميع بالإرهاب والتخلف، ووعوده بإجبار هذه الدول على دفع الأموال نظير الحماية الأمريكية.

ذلك أن شخصية ترامب الشعبوية وعقليته التجارية كانت تتوافر على اختلالات بنيوية وتصورات خرافية، لكنه سرعان ما اكتشف قوة المؤسسات النخبوية المعادية للشعبوية، وهكذا، فإن أوهام القوة تبددت وعادت نغمة الواقعية والبراغماتية والتسويات العملية.

تشير الأزمة الخليجية الراهنة في أعقاب قيام السعودية والإمارات وسبع دول أخرى بقطع علاقاتها المفاجئ مع دولة قطر وفرض الحصار عليها منذ الخامس من حزيران/ يونيو 2017 إلى الأثر الترامبي وتدعيات زيارته إلى المنطقة، التي افتتحها بزيارة الرياض في 21 أيار/ مايو 2017، حيث هاجم الرئيس الأمريكي خلال خطابه أمام قادة عدد من الدول العربية والإسلامية النظام الإيراني بشدة.

ودعا "كل الدول التي تملك ضميرا، إلى العمل على عزل إيران"، مؤكدا أن "إيران تمول الإرهابيين وتنشر الدمار والفوضى في المنطقة".

وغابت فلسطين والاحتلال الإسرائيلي عن الذكر في الخطاب، لكنها كانت حاضرة في الممارسة والاستراتيجية، فعقب انتهاء ترامب من زيارة السعودية توجه إلى إسرائيل في 22 أيار/ مايو 2017، حيث قال: "إن القلق المتزايد من إيران في المنطقة قرّب الدول العربية من إسرائيل".

وأضاف ترامب الذي كان يقف إلى جانب الرئيس الإسرائيلي، ريئوفين ريفلين أنه "لمس شعورا جيدا جدا حيال إسرائيل" خلال زيارته للسعودية، وأكد ترامب أن الشعور المشترك بالقلق من إيران يقرب بين إسرائيل ومحيطها العربي والخليجي على وجه التحديد.

تتمحور الأزمة الخليجية الراهنة حول الموقف من الربيع العربي وطموحات وأدوار الفاعلين من جماعة "الإخوان" إلى دولة "إيران" تحت عنوان حرب " الإرهاب"، والإعلان عن بلورة مشاريع جديدة في منطقة الشرق الأوسط، تقع إسرائيل في صلب نقاشاتها قوة إقليمية حاضرة في توجهات تشكلات القوى.

فثمة ثلاث قوى إقليمية تتسابق على السيطرة والنفوذ بحسب ديفيد هيرست: القوة الأولى تتزعمها إيران، واللاعبون الذين ينضوون ضمنها منهم دول، مثل العراق وسوريا، ومنهم جماعات مثل المليشيات الشيعية في العراق وحزب الله والحوثيين.

والقوة الثانية هي النظام القديم المتمثل بالملكيات السلطوية في منطقة الخليج: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وينضم إليها كل من الأردن ومصر، والكتلة الثالثة تقودها تركيا وقطر، ومعهما جماعة الإخوان المسلمين والقوى الفاعلة في الربيع العربي.

مع تنامي الأزمة الخليجية باتت العلاقات الخليجية الإيرانية على مفترق طرق جديد في ضوء تصعيد الإدارة الأمريكية الجديدة ضد طهران، ويبدو أن دول الخليج ستنخرط في هذا التصعيد، نظرا لانزعاجها وغضبها من التقارب بين واشنطن وطهران إبان عهد إدارة الرئيس أوباما، وقد تمحورت الخلافات مع قطر حول علاقاتها مع "إبران" و"الإخوان" باعتبارهما "إرهابيين".

اللعبة الأمريكية بين إيران والخليج لا تخرج عن ثوابت الولايات المتحدة بالالتزام بأمن وحماية "إسرائيل" وضمان امدادات تدفق "النفط"، وبهذا فإن رؤية الخليج التي تشوشها قطر بصورة أساسية والكويت بشكل ثانوي فضلا عن عمان التي تعمل بعيدا عن الجميع وقريبا منهم على ذات المسافة، تنص على أن العلاقة مع إيران صراعية وجودية، بينما الخلافات مع إسرائيل سياسية.

إذ تعمل إدارة الرئيس ترامب على أن تعود العلاقات مع الجمهورية الإسلامية إلى مرحلة ما قبل الاتفاق النووي، لإبقاء المنطقة في حالة صراعية داخلية مع المعارضة السياسية الإسلامبة، وتصعيد الصراع الإقليمي مع إيران بإضافة نكهة طائفية.

وكان قد تم الكشف مؤخرا عن اقتراح قد يؤدي إلى إدراج الحرس الثوري الإيراني على "قائمة التنظيمات الإرهابية"، كما سبق وضع الرعايا الإيرانيين ضمن قائمة الدول الإسلامية التي يشملها حظر الطيران.

في سياق اللعبة الأمريكية الترامبية كشفت "وول ستريت جورنال" عن مباحثات تدور بين إدارة الرئيس دونالد ترامب وإدارات عدد من الدول العربية لحشد حلف عسكري معاد لإيران يزود إسرائيل بالمعلومات الاستخباراتية.

وأشارت الصحيفة الأمريكية نقلا عن مصادر حكومية عربية، إلى أن التحالف المحتمل سيضم بلدانا بينها السعودية والإمارات ومصر والأردن، على أن تلتحق به دول عربية أخرى في وقت لاحق من تشكيله، وأن الحلف المنتظر سوف يقوم على غرار الناتو من حيث مبدأ الدفاع المشترك، الذي يعدّ الاعتداء على أي بلد عضو فيه، اعتداء على الحلف ككل، وأن العمل مستمر في الوقت الراهن على صياغة النظام الداخلي لهذا الحلف.

وأكد جيمس جونز القائد السابق لقوات حلف الناتو حاجة دول الخليج العربية إلى "ناتو خليجي" لصد خطر إيران الذي وصفه بـ"الوجودي" ولم يستبعد انضمام الولايات المتحدة إلى هذا الحلف.

تعكف واشنطن منذ تدخلها في المنطقة في إطار بحثها عن حل إقليمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على حشد جبهة موحدة تضم إسرائيل والقوى العربية السنية في وجه إيران عدو واشنطن اللدود، الأمر الذي دفع بنيامين نتنياهو إلى تقديم اقتراح بـتبني "مقاربة إقليمية" لإنهاء صراع الشرق الأوسط.

إذ أشاد بما وصفها "فرصة غير مسبوقة تتمثل في تخلي بعض الدول العربية عن اعتبار إسرائيل عدوا، بل صارت ترى فيها حليفا في مواجهة إيران و"داعش"، القوتين التوأمين في الإسلام/ المتطرف/ واللتين تهددان الجميع".

بعيدا عن الطموحات الخليجية بعزل إيران والحد من نفوذها فإن استراتيجية دونالد ترامب تجاه إيران لن تستهدف على الأرجح تحقيق شعارات حملته الانتخابية التي دعت إلى إلغاء الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران في تموز/ يوليو 2015 مع ست قوى عالمية، بل التشديد في مدى تنفيذ الاتفاق والضغط على إيران لدفعها لإعادة التفاوض على بنود رئيسة.

بما في ذلك السماح بزيارة المواقع العسكرية الإيرانية وإلغاء البنود التي تتيح السماح ببدء انتهاء آجال بعض القيود على النشاط النووي الإيراني خلال عشر سنوات ورفع قيود أخرى بعد 15 عاما.

يبدو أن القراءة الخليجية تراهن على تبدل الموقف الأمريكي تجاه إيران التي استثمرت السياسة الانسحابية لأوباما من المنطقة بالتمدد والانتشار، لكن إدارة ترامب بعيدا عن تصريحاته وتغريداته المثيرة تشكل استمرارية لأسلافه في "حرب الإرهاب".

فقد بدا وكأن القوة الجوية الأمريكية  تعمل لدى الحرس الثوري الإيراني والمليشيات الشيعية على أرض العراق وسوريا ففي نهاية المطاف فإن المالكي أو العبادي أو الأسد في قبضة قاسم سليماني ومرجعية الولي الفقيه.

أغرت تغريدات ترامب الخليج بالذهاب بعيدا في معاداة إيران وكل من يعترض بالقول أن إيران جزء من المنطقة يمكن أن تساهم في صناعة الاستقرار والتقدم، وتبدلت النظرة الخليجية تجاه إسرائيل، وبدأت تراهن على تغريدات ترامب الذي غرد  في 3 شباط/ فبراير 2017 على حسابه في موقع "تويتر" بالقول:

"إيران تلعب بالنار ولا يقدرون كم كان الرئيس أوباما لطيفا معهم. لن أكون هكذا"، وقال في تغريدة أخرى : "تبتلع إيران المزيد من العراق".

لكن السؤال، كيف يمكن لترامب أن يحقق وعوده الكبرى على أرض الواقع المعقدة في ظل التمسك يسياسات "حرب الإرهاب" بمعالجة الإعراض دون الأسباب، ألم تدفع تلك السياسة البراغماتية أمريكا إلى التعاون مع إيران  عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 لإسقاط نظام طالبان في أفغانستان 2001 ونظام صدام حسين في العراق 2003، وانتهت إلى ذات البراغماتية في التعاون ضد "داعش" و"القاعدة" في العراق وسوريا، بحيث أفضت هذه السياسات إلى توسع إيران وأصبحت هذه المناطق وغيرها تحت نفوذها وسيطرتها.

لم تتخذ السياسات الخليجية إجراءات فعالة في التعامل مع إيران، واستسلمت لأطر اللعبة الطائفية الباردة، التي أسفرت عن تمدد إيران وزيادة نفوذها، وارتهنت لمواضعات اللعبة الأمريكية، الأمر الذي جعل إيران قوة مهيمنة في عدد من الدول ونافذة في دول أخرى، وبحسب معهد ستراتفور، فإن العلاقات بين السنّة والشيعة في دول الخليج كانت سلمية حتى عقب الثورة الإيرانية 1979.

ولم يكن قادة الدول الخليجية يرون الشيعة في بلادهم تقسيما طائفيا يهدّد استقرار البلاد.

وبالنسبة للدول ذات العدد الكبير من السكّان الشيعة، مثل البحرين والكويت والسعودية، ومع تراجع مداخيل النفط والدخول في حزمة من الإصلاحات الشاقة، فقد تكون الإصلاحات سببًا في تفاقم التوتّرات بين السنّة والشيعة في هذه البلاد، الأمر الذي يعطي لإيران الفرصة لكسب نفوذ جديد في المنطقة.

والآن، في حين تسعى دول مجلس التعاون الخليجي للإصلاح، قد تستغل إيران الفرصة لتجديد روابطها بالشيعة في المنطقة.

إحدى ركائز فشل السياسات الخليجية في التعامل مع إيران أنها دفعت مواطنيها الشيعة إلى إعادة النظر في الروابط الأيديولوجية وتعزيز علاقاتها مع إيران، رغم أنّ الشيعة في دول الخليج تاريخيا منحازن إلى معاداة نظرية ولاية الفقيه، وهم يلتزمون بتعاليم المرجع العراقي "آية الله علي السيستاني" بدلا من تعاليم المرجع الإيراني "آية الله الخميني".

بل إن الفرع الزيدي (الحوثيون) من الشيعة في اليمن كان معاديا للشيعة الإثنى العشرية عموما والإيرانية خصوصا، وقد وجدوا أنفسهم مؤخرا في حضن إيران.

تدرك إيران خلل الرؤية الأمريكية وطبيعتها البراغماتية وحاجتها الملحة في حرب "الإرهاب السني" ممثلا بتنظيمي الدولة والقاعدة، كما أن البراغماتية الأمريكية لم تختبر هجمات لإيران على الأراضي الأمريكية والأوروبية رغم تعريفها كدولة راعية للإرهاب بسبب دعمها لحركات تناهض الاحتلال الإسرائيلي، بينما تشير إيديولوجية الجهادية العالمية المناهضة لأمريكا إلى الروابط الوهابية السعودية حسب معظم الخبراء في الولايات المتحدة وأوروبا.

في سياق لعبة النفوذ والسيطرة على الشرق الأوسط، ثمة إحساس وشعور عميق لدى السعودية أن إيران تمكنت من تثبيت هيمنتها على المنطقة الواقعة بين طهران وبيروت مرورا بدمشق وبغداد، وهي تخشى من تمدد نفوذا داخل البيت الخليجي، الأمر الذي يفسر الحملة على قطر، وهي تطمح أن تعمل إدارة ترامب على تقليص نفوذها في المنطقة، لكن إيران تعلم طبيعة الكلفة العالية للمضي في مشروع حصارها.

تدرك إيران أن تهديدات ترامب لا تتجاوز حدود اللعبة الاستراتيجية، حيث طالب أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني محسن رضائي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بألا ينخدع بما وصفه بـ"تحريض على مهاجمة إيران" وقال رضائي إنه "في وقت ما، قام آل سعود وإسرائيل بتحريض صدام لمهاجمة إيران.

واليوم هم أنفسهم يقومون بتحريض ترامب لمهاجمة إيران".

وأضاف: "نحن نقول للسيد ترامب أن يفكر أكثر وألا ينخدع بالملك سلمان ونتنياهو. تريث قليلا وادرس أداء اسلافك تجاه إيران وهزائمهم"، وأضاف "السيد ترامب غرد على تويتر بأنه أنذر إيران. لقد وجه من هو أكبر وأضخم منك إنذارا لإيران لكنه لم يستطع فعل شيء. كن حذرا حتى لا يجرك الملك سلمان ونتنياهو إلى التهلكة. أيها السيد ترامب فكر مليا".

لم يقتصر الرد الإيراني على التصريحات الفجة بل تجاوزه إلى رد أكثر تحديا بمناورات وتجارب إطلاق صواريخ بالستية وردت الولايات المتحدة بتصعيد الانتقادات وفرض بعض العقوبات، ولكن ماذا بعد  فخيارات إدارة الرئيس ترمب تجاه إيران حسب مجلة "فورين بوليسي" تحتاج إلى دعم دولي، هذا يتطلب من الرئيس ترامب بناء تحالفات قوية ومعاملة حلفائنا في المنطقة باحترام، كما أن إدارة ترمب لا تتملك أدوات الاتصال التي كانت لدى إدارة أوباما مع إيران لتخفيف مستوى التوتر.

في غمرة انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا استثمرت إيران حالة الفوضى والاضطراب التي عصفت في المنطقة، وأدت إلى ضعف الحكومات المركزية في بغداد ودمشق لتقوية نفوذها وفرض تصوراتها من خلال يناء مليشيات مسلحة عابرة للحدود تعمل تحت إمرة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني الذي بات يدير حروب إيران الخارجية في سوريا والعراق.

أدت التحولات التي عصفت في المنطقة على مدى أكثر من 6 سنوات إلى تغيرات في بنية المشروع الإيراني وطموحاته الإقليمية وبات يطمح إلى تحقيق خطة طموحة تهدف إلى خلق ممر بري يصل إيران بشواطئ البحر المتوسط مرورا في العراق وسوريا لتعزيز نفوذ طهران في المنطقة.

وهو مشروع إيراني وضع منذ منذ أكثر من ثلاثة عقود، لكنه واجه صعوبات نظرية وعملية عديدة، ورغم أن استراتيجية إيران الناشئة حديثا في بلاد الشام طموحة، إلا أنها تقع في إطار استراتيجية أكبر تأمل طهران من خلالها إلى تحقيق هيمنة إقليمية أوسع على المدى الطويل، وبهذا فإن الخطة المرحلية الإيرانية تهدف إلى تحقيق هيمنة مستدامة في العراق وسوريا ولبنان، ومزيد من النفوذ في الخليج.

خلاصة القول إن دول الخليج انساقت خلف تغريدات ترامب وتصريحاته المثيرة تجاه إيران، التي ينطبق عليها المثل: "أوسعتهم شتما وأودوا بالإبل"، ذلك أن الولايات المتحدة تفتقر إلى استراتيجية متكاملة ومحددة وفعالة في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، فهو أمر يتطلب تجاوز عقبات عديدة.

فالتموضع الأمريكي الجديد على جانبي الحدود في العراق وسوريا لن يكون كافيا للحيلولة دون تمدد إيران وزيادة نفوذها من طهران إلى بيروت مرورا ببغداد ودمشق، والأدهى أن استدخال إسرائيل صديقا ونصب إيران عدوا، سوف يعمل على تمدد النفوذ الإيراني بطرائق عديدة.

ويبدو أن حصار قطر يقع في إطار من حالة الوعي الباطني الخليجي بالتسليم بنفوذ إيران والخشية من تمددها في منظقة الخليج، والاستسلام لسردية خاطئة بأن نفوذ "لإخوان" يقود إلى هيمنة "إيران".
التعليقات (0)