قضايا وآراء

مصيدة 2018

محمد شريف كامل
1300x600
1300x600
ما زال فيضان المبادرات والوثائق يتوالى بلا هوادة، ليقدم تصورات غير طريق الثورة، لتصبح هي بديلا للثورة.. تصورات إضاعة الجهود وتعطيل الثورة.

والجديد في أمر المبادرات أن معزوفة اليوم تقودنا بوضوح لطريق تحقيق الهدف الأسمى لانقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، ألا وهو تدمير الثورة ومسح آثارها من على الخريطة العربية، بل والعالمية، فتنحصر نشوة الميدان "التحرير" التي غزت كل لغات العالم، وأصبحت رمزا للثورة والتحرر والنهوض.

ومع كل مبادرة أو وثيقة تُستحضر أرواح ممن وقفوا بجانب الانقلاب أو ممن مهدوا له، بعضهم يروج للمبادرات، والأخر ينتظر أن يكون البديل الذي يقدمه المبادرون كبديل للشرعية المغتصبة، وظلا للشرعية الغاصبة.

تُذكرنا مبادرات المحلحلين، الداعين لحلحلة الموقف، وادعاء انتسابهم للحكماء تارة وللعقل تارة أخرى. تلك الحكمة وهذا العقل اللذان جعلا ما تصورناه حربا للتحرير تتحول لحرب تحريك أضاعت آمال الأمة، وأهدرت دماء جنودها على مذبح كامب ديفيد الذي أدارته الإدارة الأمريكية بأيدي عربيه لتعيدنا عشرات السنين للوراء. وكأننا نُنحر من جديد على مذبح أخر من مذابح كامب دايفيد الذي تديره ذات الإدارة وبذات الأيدي العربية، حتى أن هناك من عبر عن رغبة صريحة، حين قال: "نحن لسنا في انتظار عودة مرسي، ولكننا في انتظار السادات".

ومما يردده أدعياء الحكمة والعقل أن الحراك الاستسلامي وغير الثوري يهدف أولا لإنقاذ شعبنا من معتقلات نازي القرن الحادي والعشريين القابع على أرض مصر، على الرغم من أنه مع كل سحابة مبادرة يزداد التعذيب في السجون لإجبار المعتقلين على التنازل.

ويتصور البعض أو يصور أن الاتفاق مع من خانوا الثورة هو الطريق لإنقاذ مصر، فإزاحة السيسي يجب أن تكون هي الهدف، وهو السبيل الوحيد لوقف مزاد بيع مصر، وكأن السيسي هو الحاكم بأمره وليس وكيلا عن أصحاب المصلحة في تدمير مصر. فعلى العكس مما يصور أو يتصور هؤلاء، فالاتفاق مع النظام أو إكسابه شرعية هو الطريق لخسارة ما تبقى من مصر، فالطعن في الشرعية هو الطريق الوحيد لاسترداد الحقوق المسلوبة وإبطال عقود البيع، وما عدا ذلك هو توقيع كشهود على عقود الإذعان.

ويحدثنا البعض بأن ذلك الاتفاق قد يفتح الطريق لجولة من المفاوضات تؤدي للمطالبة بضمانات لنزاهة انتخابات 2018، وكأن منتهى أمل الثورة منازلة الغاصب لنعود مرة أخرى للوراء لعام 2005. وإن اعتبر البعض أن تجرية 2005 كانت تحديا للنظام، فإن استنساخ هذه التجربة الآن هي تحد للثورة وليست تحديا للنظام، وقبول مشروع الهزيمة وتزييف العقل وتزوير الإرادة، وهو تعطيل للحراك الشعبي الذي وإن ضعف فسيظل يقلق النظام.

إن المشروع المعروض علينا ليس إلا مشروع استسلام وقبول باغتصاب السلطة، وإهدار مكتسبات يناير التي رفضت النظام بالكامل وأوجدت البديل.. البديل الذي يسعى البعض لجرنا للتنازل عنه.. التنازل عن شرعية الثورة التي، وخلال أربعة استحقاقات، فرضت إرادة شعبية ديمقراطية من خلال برلمان بغرفتيه ودستور ورئيس، وهذه هي الشرعية التي نتمسك بها، ليس لشخص رئيس أو نائب، ولكن امتثالا لإرادة شعبية تحقيقها هو كسرا للانقلاب، ليس لانقلاب 3 تموز/ يوليو فحسب، ولكن لفكرة الانقلاب حتى يستحيل تكرارها.

ولذا، فعلينا أن نحترس من مبادرات ومواثيق تقفز على الشرعية قولا أو عملا، فهي مأساة من كل الجوانب، ولنحترس من مصيدة انتخابات 2018، لأنها ليست إلا طريقا لإيجاد شرعية بديلة ولدت من رحم انقلاب 3 تموز/ يوليو، والهدف ينحصر في نقطة واحدة ألا وهي رسالة لكل الشعوب العربية.. رسالة تقول: "لو راودتكم أنفسكم عن ثورة أخرى أو تمسك بحق أو رفض سيطرة الفساد والمنظومة العالمية، فمصيركم الفشل والقتل والدمار، ثم تلامون وتستلمون...".

إن ردنا الوحيد على ذلك هو التمسك بالمبادئ؛ لذا فإننا نرى أنه في وقت الشدة وإحساس البعض بالعجز تصبح المبادئ هي الفارق بين الصواب والخطأ، وعلى من يعتبر ذلك من باب السذاجة أن يقدم لنا البديل المتكامل الذي يحقق الحلم ولا ينتقص من المبادئ، فنحن على يقين بأن الحق لن يعود إلا عبر الثورة الشاملة، عبر الميدان "التحرير".
التعليقات (0)