قضايا وآراء

النقاط والفواصل في لقاء أردوغان ترامب

محمود عثمان
1300x600
1300x600
اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن زيارته للولايات المتحدة , شكلت "بداية جديدة" في العلاقات بين تركيا وأمريكا, الحليفين الاستراتيجيين, والبلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي.

 العلاقات بين البلدين تعرضت لامتحان صعب بسبب قرار واشنطن تسليح مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية في سورية. زيارة الرئيس أردوغان لواشنطن شكلت فرصة تاريخية لإعادة ترميم العلاقات الثنائية، التي ضربها إعصار تسببت به إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.

ملفات كثيرة وقضايا ساخنة وشائكة ومعقدة كان على الطرفين تناولها بقدر من الصراحة والشفافية , تتناسب والشراكة الاستراتيجية بين البلدين , أو هكذا يريد الطرف التركي على الأقل. علاقة واشنطن مع الميليشيات الكردية , وملف محاربة الإرهاب، وعلى رأسه تنظيم داعش, بالإضافة إلى تبادل الرؤى فيما يخص ملفي سورية والعراق، وأزمة اللاجئين, وملف تسليم زعيم الحركة الانقلابية " فتح الله كولن", كانت العناوين الرئيسية لاجتماع بين الطرفين دام أكثر من ساعتين , سبقه لقاء انفرادي بين الزعيمين استغرق عشرين دقيقة.

قبيل زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان لواشنطن, تركيا انتقلت نحو تخفيف حدة التوتُّر مع الولايات المتحدة, بتخفيضها من حدّة انتقاداتها لسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن سورية. مقابل إلقاء المسؤولية وإرجاع جميع الأخطاء إلى إدارة الرئيس السابق باراك أوباما , التي اتهمها الرئيس أردوغان بممارسة الكذب !.

رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم استبق اجتماع الرئيسين ترامب و أردوغان , بالقول إن لقاءهما سوف يكون فرصة "لتصحيح الخطأ" المتمثل في قرار واشنطن تسليح وحدات حماية الشعب الكردية التي تقاتل في سورية.

حيث تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب وذراعها السياسية حزب الاتحاد الديمقراطي امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي أعلنته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا منظمة إرهابية .. يلدرم كان يتحدث إلى الصحفيين, من لندن, قائلا : "لقد اقترحنا حلولا أخرى... آمل بأن يتغير هذا الأمر إلى مسار إيجابي أثناء اجتماع رئيسنا الأسبوع القادم مع الرئيس دونالد ترامب". مضيفاً بأن المنطقة ستعاني ويلات كبيرة إذا لم يحدث ذلك, ومقارناً بين الوضع الحالي في سورية والعراق, والأخطاء التي حدثت في صراعي العراق وأفغانستان.

أردوغان في مؤتمره الصحفي الذي عقده قبيل توجهه إلى بكين، للمشاركة في منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي ، أكد أنه سيلتقي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب " لوضع النقاط لا الفواصل " !. فهل تمكن أردوغان من وضع النقاط على الحروف ؟.

لا شك أن الطرف التركي استعد لهذه الزيارة التاريخية استعداداً تاماَ . ولكيلا تضيع لحظة واحدة في التفصيلات , فقد سبق زيارة الرئيس أردوغان, زيارة وفد رفيع المستوى, ضم الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية "إبراهيم كالن", ورئيس الأركان "خلوصي أكار", ورئيس جهاز الاستخبارات "هاكان فيدان".

كما حرص الطرف التركي على إرسال رسائل واضحة , بأنه يريد نتائج ملموسة محددة لا مجرد وعود كلامية تضيع مع الزمن, خصوصا فيما يتعلق بالقضيتين الأساسيتين , تسليح وحدات حماية الشعب الكردية , وتسليم "فتح الله كولن" المتهم بتدبير المحاولة الانقلابية الفاشلة في تموز الماضي.

الطرف الأمريكي والبنتاغون تحديدا قام بتسريع عملية تسليم الأسلحة الثقيلة لوحدات الحماية الكردية , خوفا من التزام ترامب أمام أردوغان بعدم تسليح تلك الميليشيات أو الحد منه.

النظام المؤسس أو ما يسمى بالدولة الأمريكية العميقة لا زالت غير واثقة من تصرفات ترامب وصفقاته , لذلك لم تترك الأمر قيد الصدفة ونهب الاحتمالات.

ثمة أسئلة لا زال الغموض يكتنفها .. لماذا اختارت أمريكا منظمة إرهابية شريكاً لها في الحرب على داعش , على حساب إغضاب وربما خسارة قوة إقليمية بحجم تركيا ؟!. هل مليشيات وحدات حماية الشعب الكردية قادرة على حسم المعركة ضد داعش ؟!. 

إذا كانت معركة الموصل مستمرة منذ أكثر من عام ولم تحسم بعد,  حيث لا يزال تنظيم داعش قادرا على التصدي للجيش العراقي النظامي وقوات الحشد الشعبي وقوات البشمركة مجتمعة ومعها الدعم اللوجستي الأمريكي, فكيف لمليشيات الحماية الشعبية الكردية بمفردها أن تكسب المعركة ضد تنظيم داعش ؟

لا بد من الإشارة إلى أن الأمريكان حالياً بصدد إدارة الأزمة السورية لا حلها. وإذا كان من الممكن الاعتماد على قوة محلية أكثر تنظيماً في هذه المرحلة , فإن عملية الحسم تحتاج إلى قوة أكبر بالتأكيد .

وبما أن الأمريكان لن يزجوا بقوات برية كبيرة على غرار ما فعلوا في العراق عام 2003 , حيث باتت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تقوم على الاستعانة بشركاء محليين في الوصول إلى الهدف, فإنهم مضطرون لطرق باب تركيا عاجلاً أم آجلا.

يدرك الأمريكان جيداً أن تركيا اليوم لم تعد تركيا الأمس .. تركيا اليوم تعتمد بشكل أساسي على إمكانياتها الذاتية في حربها على الإرهاب. استراتيجية الخنادق والمناطق المحررة التي حاول حزب العمال الكردستاني تطبيقها في جنوب شرق تركيا بالتوازي مع كنتونات حزب الاتحاد الديمقراطي في سورية باءت بالفشل. 

لو قدر لانقلاب 15 تموز 2016 النجاح لرأينا اليوم في منطقة جنوب شرق تركيا كنتونات كردية محررة خارجة عن نطاق سيطرة أنقرة. لكن اعتماد الجيش التركي وقوات الأمن التركية, وخصوصا في تكنولوجيا الاستطلاع والرصد, على التصنيع الذاتي أفشل تلك المحاولات وجعل عاقبة أمرها خسرا.

منذ فترة وجيزة أعلن الرئيس الأمريكي ترامب استراتيجية قصيرة المدى بخصوص المنطقة تقوم على ثلاثة محاور :

المحور الأول : تخفيف التوتر:
تركيا لعبت دورا محوريا في تثبيت وقف إطلاق النار من خلال اجتماعات أستانا.

المحور الثاني : تحجيم دور ايران في المنطقة:

يلتقي هذا الهدف الأمريكي مع استراتيجية الأمن القومي لتركيا.

المحور الثالث : الحرب على داعش:
أثبتت تركيا من خلال عملية درع الفرات بأنها الدولة الوحيدة التي حاربت تنظيم داعش بالأفعال لا بالأقوال.

بالنظر إلى المحاور الثلاثة, إلى جانب معطيات أخرى, يتضح لنا بأن أمريكا بحاجة ماسة لتركيا, ولا تستطيع تجاوزها أو الاستغناء عن دورها.

إذ يستحيل إعادة الأمن والاستقرار, وحتى إعادة تقاسم النفوذ في المنطقة, دون أخذ تركيا بعين الاعتبار. لذلك بإمكاننا القول بأن أردوغان قد وضع النقاط فعلا , وحصل, إلى حد كبير, على ما يريده من واشنطن .
0
التعليقات (0)

خبر عاجل