سياسة عربية

ماذا يمكن أن يجلب مقترح "المناطق الآمنة" لسوريا؟

الأطراف الموقعة أكدت الالتزام بسيادة الأراضي السورية واستقلالها ووحدتها - أرشيفية
الأطراف الموقعة أكدت الالتزام بسيادة الأراضي السورية واستقلالها ووحدتها - أرشيفية
نشرت صحيفة "كوميرسانت" الروسية تقريرا تحدثت فيه عن المقترح الروسي بإنشاء "مناطق آمنة" أو ما يسمى "بمناطق الحد من التوتر"، التي تهدف إلى حقن الدماء في سوريا وتعزيز الحوار بين مختلف الأطراف المتنازعة.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن "روسيا قد اقترحت إنشاء أربع مناطق آمنة في سوريا". وبناء على ذلك، تأمل السلطات الروسية توقيع جميع الأطراف المتدخلة في مفاوضات أستانة على مذكرة المقترح الروسي. ولكن يبدو أن آراء الخبراء حيال آفاق المبادرة الروسية، التي ترمي إلى إنشاء أربع "مناطق آمنة"، متضاربة.

ونقلت الصحيفة عن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، "أن المبادرة الجديدة تهدف إلى حل الصراع السوري". 

اقرأ أيضا: أستانة 4 .. اتفاقات رفضتها المعارضة ودخول طهران يفجر الموقف

وأشار بوتين إلى أنه قد تحدث مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حول هذه المبادرة، بالإضافة إلى مناقشة الفكرة مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي أيّد المبادرة. 

كما قامت موسكو بإجراء مشاورات مع كل من دمشق وطهران. وفي هذا السياق، قال بوتين: "نحن بحاجة لاتخاذ تدابير من شأنها أن تضع حدا لسفك الدماء وتوفر الظروف الملائمة لإقامة حوار سياسي".

وذكرت الصحيفة أن مشروع مذكرة المقترح الروسي يتكون من ثلاث صفحات، وقد قدمت موسكو هذا المقترح لجميع الأطراف المتفاوضة. وورد في هذه الوثيقة أن الثلاثي روسيا وتركيا وإيران، يعتبر الطرف الضامن لمسألة وقف إطلاق النار في سوريا. وتؤكد المذكرة على الالتزام بسيادة الأراضي السورية واستقلالها ووحدتها.

والجدير بالذكر، أنه سيتم إنشاء هذه المناطق الأربع في محافظة إدلب وشمال حمص والغوطة الشرقية وفي جنوب سوريا. وبعد توقيع المذكرة، سيتم إنشاء فريق عمل كامل، يعنى بتنفيذ هذا المشروع، في غضون خمسة أيام.

وأفادت الصحيفة أن "هذه المذكرة ستحظر استخدام الأسلحة في هذه المناطق، كما سيتم بموجبها تأسيس منظمات إنسانية، بالإضافة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة البنية التحتية". وعلى هذا الأساس، يأمل أصحاب المبادرة في أن يقع السماح باستئناف السلطات لعملها وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين إلى أراضيهم.

وأوضحت الصحيفة أنه على طول الحدود الفاصلة بين المناطق سيكون هناك خط فاصل لعزل المناطق عن الهجمات المحتملة بين الأطراف المتنازعة. علاوة على ذلك، سيكون هناك حواجز أمنية على الطرقات لتفتيش المارة من المدنيين وناقلي البضائع والمساعدات الإنسانية. ووفقا للوثيقة فمن الممكن أن تتمركز على الخطوط الفاصلة لهذه المناطق قوات أجنبية، إلا أنه ليس واضحا من هي الدول المشار إليها، لأنها ذكرت جميعها بصيغة الدول "الضامنة".

وأفادت الصحيفة، وفقا لرئيس لجنة مجلس الاتحاد الروسي لشؤون الدفاع والأمن، فيكتور أوزيروف، أن مسألة إدخال جزء من الشرطة العسكرية الروسية في هذه المناطق ليس مستبعدا. وبناء على تصريحاته فإن الجيش الروسي، بمقدوره الحفاظ على النظام جنبا إلى جنب مع الشرطة السورية دون التدخل في شأن البلاد الداخلي.

وأضافت الصحيفة، بناء على ما أدلت به مستشارة مدير المعهد الروسي للدراسات الإستراتيجية، إلينا سوبونينا، أنه من المتوقع أن يتم الاستعانة بالقوات الدولية لتوفير الأمن في المناطق الأربع. وفي هذا السياق، قد تلجأ روسيا وتركيا وإيران إلى إشراك بلدان أخرى في العمليات العسكرية المنفذة على الأراضي السورية. وأضافت إلينا سوبونينا أن تجربة إنشاء "مناطق آمنة" ببادرة من المجتمع الدولي قد لا تكون ناجحة، إذ أن هذا المخطط قد اعتمد لحماية مسلمي البوسنة، لكن هذه التجربة باءت بالفشل.

وأوردت الصحيفة، أن المعارضة السورية رحبت بمبادرة موسكو، وبالتالي، يبدو أن جميع الأطراف تقريبا تتفق على إنشاء مثل هذه المناطق. وفي هذا الصدد، أكد رئيس جبهة التغيير والتحرير، قدري جميل، أن هذه المناطق من شأنها أن تقلل فعليا من إراقة الدماء وتخلق ظروفا ملائمة لعملية التسوية السياسية.

وفي شأن ذي صلة، قال ممثل المجلس الوطني السوري المعارض محمود الحمزة إن موقفه إيجابي من هذه المبادرة، ولعل هذا ما دفعه إلى القول إن "أي تحرك للحد من العنف هو موضع ترحيب، لأن الشعب السوري قد أنهكته الحرب". وفي المقابل، أكد نفس المصدر أنه يجب على الوسطاء الدوليين السعي للتسوية السياسية وتلبية مصالح جميع السوريين وليس النظام السوري فقط. 

وأشارت الصحيفة إلى أنه وفقا لرئيس مركز الدراسات العربية والإسلامية في المعهد الاستشراقي الروسي، فاسيلي كوزنيتسوف، فقد اقترحت الولايات المتحدة الأمريكية، في وقت سابق، مشروع إرساء مناطق لحظر الطيران في سوريا، أما السلطات التركية فقد عرضت إقامة مناطق آمنة للاجئين على الحدود التركية السورية. لكن موسكو لم تقبل بهذه المبادرات نظرا لاعتبارها أن واشنطن وأنقرة ستدعمان بتلك الطريقة المعارضة السورية.

ونقلت الصحيفة عن كوزنيتسوف، أن المقترح الروسي يمكن أن ينجح لكنه سيواجه العديد من العقبات. لعل أولها أن العلاقات بين الدول الثلاث الضامنة معقدة وغير مستقرة. وثانيها، أن الكثير من بنود المذكرة تعتمد على مدى التزام النظام السوري. أما ثالث عقبة فتتمثل في أن ظهور هذه المناطق قد ترافقه عملية تفاوض سياسية، بالإضافة إلى تدخلات أجنبية قد يكون لها تأثير سلبي على الدولة السورية.

وأوردت الصحيفة أنه وفقا لخبراء مجموعة الأزمات الدولية، فإن فكرة إنشاء "مناطق آمنة" ستحتاج من الوسطاء بذل جهود حثيثة لتجنب الأخطاء التي أدت إلى انهيار الاتفاقيات السابقة، خاصة بشأن وقف إطلاق النار في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري الأخذ بعين الاعتبار عامل تأثير جماعة "تحرير الشام".

وفي الختام، أكدت الصحيفة أن المنظمات الدولية على غرار "أطباء بلا حدود" يحذرون من أن تكون "المناطق الآمنة" وسيلة لمنع الشعب السوري من حقه في اللجوء. علاوة على ذلك، يجب على الأطراف المتنازعة تجنب سقوط ضحايا من المدنيين ليس فقط في "المناطق الآمنة" وإنما في بقية المناطق السورية.
التعليقات (0)